Etude - دراسة

تقرير حالة حوار الثقافات في العالم Rapport sur l’état du dialogue des civilisations dans le Monde

, بقلم محمد بكري


 وكالة المغرب العربي

وكالة المغرب العربي : 21 - 05 - 2011

تقرير “حالة حوار الثقافات في العالم” : رصد صورة العرب والغرب من خلال الصحافة

يهدف «تقرير حالة حوار الثقافات في العالم»، الذي أصدره “مرصد حوار الثقافات” في مؤسسة الفكر العربي للبحوث والدراسات ببيروت، إلى رصد صورة العرب في عيون الغرب من خلال الصحافة الغربية، وصورة الغرب في عيون العرب من خلال الصحافة العربية.

واعتمد التقرير منهجية اختيار عينات من الصحافتين العربية والغربية اعتبرها واضعا الكتاب، محمود خليل أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة وعماد بشير أستاذ المعلومات وتكنولوجيا الإعلام في الجامعة اللبنانية، “الأكثر تعبيرا ودلالة وتمثيلا لهما”.

ويعد التقرير، الذي صدر عن سلسلة (معارف) في 445 صفحة من القطع المتوسط ، خلاصة دراسة مسحية يحمل القسم الأول منها عنوان (صورة الغرب في الصحافة العربية: تجليات التفاعل بين الأنا والآخر)، ويقع في جزأين.
ويعتمد الجزء الأول، وهو بعنوان (صورة الغرب في الصحف العربية اليومية)، عينات صحافية أساسية منها (الأهرام) المصرية، و(الحياة) اللندنية، و(الرياض) السعودية، و(النهار) اللبنانية، و(البيان) الإماراتية، و(الأخبار) الجزائرية.
ويعتمد الجزء الثاني من الدراسة، وهو بعنوان (صورة الغرب في المجلات الثقافية العربية: مدارات الجدل بين العقل النمطي والعقل النقدي)، العينات الدلالية لثلاث مجلات عربية هي (العربي) الكويتية، و(المعرفة) السورية، و(وجهات نظر) المصرية ?

أما القسم الثاني فيشمل دراسة مسحية لصحيفتين يوميتين إحداهما بالإنجليزية (نيويورك تايمز)، والأخرى بالفرنسية (لوموند)، وصحيفة أسبوعية باللغة الألمانية (داي زيت).

كما يشمل دراسة لأربع مجلات أسبوعية إحداها بالألمانية (دير شبيغل) والثانية بالإنجليزية (تايم)، واثنتين بالفرنسية هما (لوفيغارو) و(لوبوان)، ومجلتين شهريتين إحداهما بالإنجليزية (بروسبيكت) والثانية بالألمانية ?

وفي تقديمه للتقرير، أوضح أمين عام مؤسسة الفكر العربي سليمان عبد المنعم أنه يأتي في إطار “السعي لتجاوز مناخ الاحتقان السائد بين الثقافتين العرب - إسلامية والثقافة الغربية” مشيرا إلى أنه “مناخ مازال ملبدا بغيوم الانطباعات المسبقة، والصور الذهنية النمطية، والتعميمات غير الصحيحة وغير المنصفة”.


 جريدة الحياة

وفي جريدة الحياة يعلق موريس أبو ناضر على هذا التقرير.

جريدة الحياة

الجمعة 15 يوليو/تموز 2011
الحياة - موريس أبو ناضر

نظرة العرب الى الغرب كما ترسمها الصحافة

ليس ثمّة ترسيمة بيانية تسمح للباحث بالتعقّب المنهجي لنظرة العرب المسلمين الى الغرب الأوروبي، أو للآخر غير العربي، لذلك لا بدّ له من أن يعود الى أعمال المؤرخين، والجغرافيين، وكتّاب الأدب، والرحّالة ليدرك الملامح الأساسية لهذه النظرة التي أخذت في التبلور في مرحلة ما بعد الحروب الصليبية، وعصر المماليك، ثمّ توضّحت في القرن السادس عشر مع الكتّاب في الدواوين أو الملحقين بالسلطان العثماني، ثمّ أخذت في الاكتمال في القرن التاسع عشر حين أضحت أوروبا مصدر إلهام للذين تأثّروا بأفكارها وعلومها وتقدّمها، ومصدر كراهية للذين وجدوا فيها الخطر الذي يهدّد الإسلام.

كان الأتراك العثمانيون، الأوائل من بين سائر المسلمين الذين تعرّفوا الى الوجه الجديد لأوروبا إثر قيام الثورة الفرنسية، أما العرب فليس ثمّة ما يشير الى أنّهم قد تنبّهوا الى الأحداث قبل وقوعها، وكان يــنـــبـــغي انـتظار حملة نـــابــليـــون حتّـــى يــتــنــــبّه المصريون، وكذلك اللبنانيون الى قوّة أوروبا وخطرها.

انطوت سيرورة النظر الى أوروبا على ثلاثة اتجاهات : الأوّل يرفع أوروبا الى مصاف ما تبديه من قوّة وحرية، والثاني يحطّ بها الى درجة الفساد والتفسّخ، أما الثالث فيسعى الى التوفيق بينها وبين الإسلام. مثّل الاتجاه الأوّل لطفي السيد في دعوته الى الحرية، فيما مثّل الثاني سيّد قطب في حديثه عن جاهلية الغرب، أما الثالث فبرز من خلال كلام زكي نجيب محمود عن ضرورة التوفيق بين الغرب والإسلام في ميدان الثقافة والفكر.

في مقابل نظرة العرب الى الغرب، تعدّدت الصفات، وتنوّعت الصور التي كونّها الغرب عن العرب المسلمين، نظراً الى تشابك العلاقات بين الشرق والغرب عبر العصور. فمنذ القرون الوسطى حتى نهاية القرن العشرين تقلّبت هذه العلاقة من حروب دينية ضدّ المسلمين الى سعي حثيث لإخضاع البلدان العربية اقتصادياً وسياسياً عبر استعمار أراضيها، ونهب خيراتها، وعبر تكوين منظومة من القيم تكرّس هيمنة حضارة تدّعي لنفسها المعرفة والتفوّق. منظومة كشف أبعادها الاستعمارية أنور عبدالملك في مقالته المشهورة «الاستشراق مأزوماً» عام 1963، وندّد بها إدوار سعيد في كتابه عن «الاستشراق» عام 1978 معتبراً أن العلاقة التي تربط الغرب بالعرب هي علاقة سلطة وقوّة، قبل أن تكون معرفة، وأن السلطة هي التي توجّه المعرفة، وأنّ الاستشراق لا يعدو كونه مؤسسة تتوسّل البحث لتثبت فكرة منمّطة عن الشرق المسلم.

لا يخرج «تقرير حالة حوار الثقافات في العالم» الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي في بيروت عن نطاق البحث عن صورة الغرب في تفكير العرب المسلمين من جهة، وصورة العرب في التفكير الغربي، وذلك من خلال دراسة مسحيّة لعيّنة قوامها تسع عشرة صحيفة باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية والألمانية، غطّت الأنشطة السياسية والثقافية والاجتماعية العربية الحاصلة عام 2009، بهدف الكشف عن مدى إسهام الإعلام العربي والغربي في دفع الحوار بين الثقافتين العربية والغربية، أو خلافاً لذلك يكبح هذا الحوار، ويضع العراقيل قي طريقه.

يعتمد التقرير منهج المسح الذي يغطّي المادة الصحافية التي تتناول الغرب ودوله، والعـــــرب المسلميـــن ودولهم، ويستند الى المنهج المقارن، ويـــعتمد تـــحليــــل المضمون كـــــأداة تستهــدف الكشف عن سمات أو خصــائص المضمون الظاهر للمحتوى المتعلّق بصورة الغرب في الصحف العربية وصورة العرب المسلمين في الصحف الغربية.

لن نتوقّف عند صورة العرب المسلمين في الصحافة الأجنبية التي وصلت الى حدّ الملاءة من كثرة اهتمام الباحثين والمفكرين بهذه الصورة، وإنما سنتوقّف عند صورة الغرب في الصحافة العربية، الذي يعتبر جديداً في إطاره البحثي، وبخاصة في جريدتي «الأهرام» المصرية و «الحياة» في طبعتها اللبنانية، والمقارنة بينهما في حدود السمات والصفات والأدوار التي يتمّ إسنادها الى الغرب كفاعل في الأحداث العربية.

تراوح طرح الغرب كموضوع داخل الخطاب الصحافي في صحيفة «الأهرام» المصرية، ما بين سياقات فكرية ترتبط بأفكار معيّنة وسياقات حدثية تتعلّق بأحداث معيّنة. يلاحظ من بيانات الجداول التي أقامها كاتبو التقرير أن فكرة الصراع بين الغرب والإسلام العربي شكلّت نسبة 37.5 في المئة، من السياقات الفكرية التي تتم ّمعالجة صورة الغرب في إطارها. ما يعني أن الأطروحة المعبرّة عن هاجس «الصراع مع الآخر» كانت الأكثر ظهوراً في الخطاب. وتأتي بعد ذلك فكرة أن التقدّم العلمي في الغرب كان مقدّمة لتوسّعه العسكري بنسبة 20 في المئة، ثم فكرة تضخّم الذات بنسبة 20 في المئة، ثم فكرة أن الحداثة هي سرّ تفوّق الغرب بنسبة 17 في المئة ثُم الغرب كنموذج للديموقراطية بنسبة 4 في المئة. أما بالنسبة الى السياقات الحدثية كموضوع للصورة داخل الخطاب الصحافي في «الأهرام» فتجسدّت في ملفّ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بنسبة 29 في المئة، وكذلك الأحداث المتصلة بملفّ أزمة المآذن السويسرية بنسبة 29% وملفّ مواجهة تنظيم القاعدة بنسبة 14 في المئة، والملف النووي الإيراني بنسبة 14% ومصرع مروى الشربيني في ألمانيا بنسبة 11 في المئة. ويلاحظ من السياقات الموضوعية لتقديم صورة الغرب داخل الخطاب الصحافي في «الأهرام» أن السياق السياسي كان الأعلى بنسبة 29 في المئة، يليه السياق الديني 22 في المئة، ثمّ السياق الحضاري بنسبة 22 في المئة والعسكري بنسبة 15 في المئة.

يستحضر الخطاب الصحافي في «الأهرام» بعض السمات في تناوله صورة الغرب. وقد تنوّعت ما بين سمات إيجابية وأخرى سلبية. السمات السلبية تتمثّل في سمة «الهيمنة» ثمّ «التعصّب». أما الإيجابية فتتمثّل في التفوّق العلمي، والعقلانية، والتقدّم التكنولوجي.

تختلف صورة الغرب بالنسبة الى العربي المسلم في جريدة «الحياة» بطبعتها الدولية عما هي في «الأهرام»، لأنها تركّز على الأفكار أكثر مما تركّز على الأحداث. فقد بيّن كاتبو التقرير أن خطاب صحيفة «الحياة» يتناول صورة الغرب في إطار فكري بنسبة 44 مرّة، في حين تناول هذه الصورة في إطار حدثي 38 مرّة، ما يعني اهتمام الخطاب الصحافي في «الحياة» بإبراز الجانب الفكري، أو الفلسفي، أو التنظيري لدى تناول صورة الغرب. وقد تجلّى هذا الجانب في عدد من الأطروحات، منها أطروحة «استفادة الذات من الآخر الغربي»، من خلال تنوير العقل المسلم، ودفعه الى تبنّي قيم جديدة تصبّ في اتجاه النهضة. ومنه أيضاً أطروحة الحوار بين الفكر الغربي والفكر الإسلامي، وأطروحة انغلاق الأقليات المسلمة في الغرب على نفسها. ويستحضر الخطاب الصحافي في «الحياة» كما استحضر من قبله الخطاب الصحافي في جريدة «الأهرام» عدداً من الأمراض التي تسم الشخصية الغربية وتتمثلّ في الاعتقاد الوهمي لدى الغربي بقوته وقدرته في السيطرة على العالم عبر التقدّم العلمي والتكنولوجي... وإضافة الى ذلك، فإن الغرب ساهم في تنمية الإنسان من أجل قتل الإنسان من خلال ما أنتجه من أسلحة تدمير. أما السمة الإيجابية لصورة الغرب داخل الخطاب الصحافي لجريدة «الحياة» فتبرز من خلال العقلانية والحرية والحوار مع الآخرين. إضافة الى تركيز صحيفة «الحياة» على الجانب الفكري لصورة الغرب ركزّت أيضاً ولو بقدر أقلّ على عدد من الأحداث ذات العلاقة بمجموعة من الملفّات السياسية والاقتصادية والعسكرية. هذه الأحداث هي: ملف الصراع العربي - الإسرائيلي، الملف النووي الإيراني، ملف الأزمة المالية العالمية، خطاب أوباما في جامعة القاهرة، وملف الحرب على الإرهاب.

يستخلص مما سبق وكما بيّن كاتبو التقرير، أن صورة الغرب كما تنقلها جريدة «الحياة» لا تختلف كثيراً عن صورة الغرب كما تبرزها جريدة «الأهرام»، صورة تتدرّج وفق الأهمية من الغرب السياسي الى الغرب الحضاري، الى الغرب العسكري، صورة ليست بعيدة عن الصورة التي نعرف، ولكنها هذه المرّة موثّقة ومنسبّة إحصائياً.

«تقرير» مؤسّسة الفكر العربي حول حوار الثقافات يعزّز طريقة التحليل الممنهج في التعاطي مع المضامين الصعبة الخضوع للقياس والإحصاء والتوثيق، وهو بذلك يقدّم معرفة جديرة بالتقدير.

عن موقع جريدة الحياة

يقدم موقع دارالحياة.كوم، إضافة إلى المحتوى الخاص به الذي ينشر على مدار الساعة، محتوى المطبوعات التي تنتجها« دار الحياة »، بنسخها الإلكترونية، وهي : الصحيفة اليومية « الحياة » الطبعة الدولية على العنوانين الأول أو الثاني، والحياة السعودية الطبعة السعودية، والمجلة الأسبوعية لها. ويضم دارالحياة.كوم أيضاً حاضنة للخدمات الرقمية على العنوان.

دارالحياة.كوم محطة تزود الزوار بالمستجدات والتقارير والتحليلات وبمواد أدبية، من صحافيين ومراسلين من الحياة، ومتعاونين آخرين. ويسعى إلى تأمين التواصل بين القراء وكتاب المطبوعات. كما يؤدي دور الواجهة التي تروج لمحتوى المواقع الثلاثة الأخرى. كذلك، يرعى دارالحياة.كوم مشاريع صحافية مستقلة ويستضيفها.


 صحيفة 25 يناير

وفي صحيفة 25 يناير المصرية كتب رفيف صيداوي معلقاً على هذه الدراسة :

صحيفة 25 يناير المصرية
28 يونيو/حزيران 2011
رفيف صيداوي

"حالة حوار الثقافات في العالم" : مناهضة الاستشراق الجديد

تقرير حالة حوار الثقافات في العالم”، الصادر حديثاً عن مؤسّسة الفكر العربي، وتحديداً عن مرصد حوار الثقافات فيها، هو خلاصة دراسة مسحيّة لعيّنة من الصحف والدوريات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والعربيّة، قام بها كلّ من الدكتور محمود خليل والدكتور عماد بشير بهدف رسم صورة العرب في عيون الغرب من خلال الصحافة الغربية، ورسم صورة الغرب في عيون العرب من خلال الصحافة العربية.

يأتي هذا الكتاب في وقت باتت تشكّل فيه العولمة، بمختلف تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، تهديداً لمبدأ السيادة القومية، فضلاً عن مسؤولياتها في ازدياد حدّة الصراعات بين الأفراد والجماعات الطائفيّة والمذهبية والإثنية سواء في الدولة الواحدة، أم بين الدول. وهي صراعات اشتدّ احتدامها مع انتهاء الحرب الباردة وسيادة خطاب ثقافي عنصري يموّه جوهر الصراعات القائم على المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، أي على النفوذ عموماً، باختزاله إلى صدام بين حضارات.

وما ذلك إلا ترجمة أيديولوجية لمقولة صموئيل هنتنغتون، ومفادها أن الإنسانية مقسَّمة إلى جماعات فرعية مؤلفة من قبائل وأمم وكيانات ثقافية تسمّى الحضارات، ما يعني أننا نعيش الآن - بحسب ما جاء في مقولة هنتنغتون – حضارة كونية واحدة تخفي التنوّع في الثقافات، وأنه لا بدّ بالتالي من عودة الهويات من جديد إلى المسرح العالمي وتصادمها أو تصارعها.

“تقرير حالة حوار الثقافات في العالم” ما هو إلا عمل يصبّ في الاتجاه المناهض لمفهوم “صدام الحضارات” الهنتنغتوني، بأبعاده الاستشراقية الجديدة التي تكرّس صورة نمطية عن العرب والمسلمين على اختلاف بلدانهم وأطيافهم وخلفياتهم وتجاربهم، والتي راحت تقابلها استشراقية معكوسة تختزل الغرب بدوره إلى كتلة واحدة أحادية، بحيث ساهمت هاتان الصورتان النمطيّتان لكلّ من العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي الأوروبي الأميركي في صوغ تصورات أحادية لكلّ منهما.

لقد استند التقرير في قسمه الأول الذي حمل عنوان:”صورة الغرب في الصحافة العربيّة” إلى عيّنات صحافية أساسية منها “الأهرام” المصرية، و”الحياة” الصادرة في لندن، و”الرياض” السعودية، و”النهار” الّلبنانية، و”البيان” الإماراتية، و”الأخبار” الجزائريّة، فضلاً عن مجلات ثقافية مثل مجلة “العربي” الكويتية، مجلة “المعرفة” السورية، مجلة “وجهات نظر” المصرية.

في حين استند القسم الثاني، ومن خلال رصده صورة العرب في عيون الغرب إلى صحيفتين يوميتين إحداهما بالإنجليزية (New York Times) والأخرى بالفرنسية (Le Monde)، فضلاً عن صحيفة أسبوعية بالألمانية (Die Zeit)، وأربع مجلات أسبوعية إحداها بالألمانية (Der Spiegel) والثانية بالإنجليزية (Time) واثنتين بالفرنسية هما: (Le Figaro) و(Le Point)، ثم مجلتين شهريتين إحداهما بالإنجليزية (Prospect) والأخرى بالألمانية.

ومن الملاحظات التي توصّل إليها الكتاب أن الخطاب الصحافي العربي اقترب من “قضية الصراع ما بين الغرب والعالم الإسلامي”، وحاول أن يفنّد أبعادها. ومن ذلك مثلاً، ما توصّل إليه الكتاب في معالجة مضمون عيّنة الصحف العربيّة، بحيث أكّد الخطاب الصحافي لجريدة “الأهرام” على أطروحة “العرب والمسلمون ضحية التمييز من جانب الغرب”، وعلى أن الشعور العنصري زاد لدى الغربيين بصورة محسوسة عقب أحداث الحادي عشر من ايلول 2001″، فيما أظهرت البيانات أن “فكرة الصراع بين الغرب والإسلام كانت أكثر سيطرة على السياقات “الفكريّة” التي تتمّ معالجة صورة الغرب في إطارها” ( ص32). في المقابل تفوّقت نسبة ترداد سمة التفوّق العلمي في الخطاب الصحافي لـ”الأهرام” (10.3 %) مقابل (22 %) للهيمنة كسمة سلبيّة كانت الأكثر حضوراً في هذا الخطاب (ص 52-53)، فيما كانت فكرة الحوار مع الغرب هي المسيطرة على الخطاب الصحافي في جريدة “الحياة”(ص 68)، وبلغت نسبة ترداد سمة الحوار بين الإسلام والغرب (68.2 %) (ص 66).

أما خطاب صحيفة “الرياض” السعودية فقد بنى علاقة الغرب بالإسلام على أساس الصراع، وعلى أن “الغرب يرسم صورة نمطيّة سلبيّة عن الإسلام”(ص96). في حين تميّز الخطاب الصحافي داخل صحيفة “النهار” الّلبنانية بكونه خطاباً ثقيلاً ومركّزاً مقارنةً بالصحف اليومية الأخرى. إذ اعتمد على تأطير سمات هذه الصورة ومعالمها عبر مجموعة من الأفكار التي ظهرت داخل عدد من الدراسات الصحافية والمقالات والتقارير الإخبارية وعروض الكتب (ص 124). ولوحظ في صحيفة “البيان” الإماراتية أن العلاقة بين الشرق والغرب كانت الفكرة الأكثر سيطرةً على السياقات (الفكرية) التي تعالج صورة الغرب في إطارها (80 %)، تليها فكرة أن الغرب يعتمد تكريس الذاتية (12 %)، وفكرة الغرب كأنموذج للديموقراطية (4 %)، ثم إن الحداثة هي سرّ تفوّق الغرب (4 %)، ففكرة النموّ العلمي في الغرب (2 %) (ص 144).

في موازاة ذلك، سيطرت فكرة الغرب ككيان استعماري على خطاب صحيفة “الأخبار” الجزائرية (35 %)، ثم الحوار بين الإسلام والغرب (30 %)، ففكرة أن الغرب يعتمد تكريس الذاتية (15 %)، ثم الذات وتحدي الآخر الغربي (10%)، فقيم الحداثة سرّ تفوّق الغرب (10 %) (ص 176).

هذا، وأشارت المحصلة النهائية للنتائج المدرجة في إطار “تقارب الحضارات والثقافات” إلى أن المطبوعات الإنجليزية المشمولة في الدراسة سجّلت نسبة تساوي 43.3 % من مجموع المواد الإعلامية الواردة في هذا الإطار، مقابل نسبة 41.1 % للمطبوعات الفرنسية من المجموع المذكور، ونسبة 15.5 % للمطبوعات الألمانية. أما بالنسبة إلى النتائج الواردة في إطار مجموع المواد الإعلامية الواردة في إطار “تباعد الحضارات والثقافات” فقد سجّلت المطبوعات الفرنسية نسبة تساوي 48.5 %، مقابل 28.8 % للمطبوعات الإنجليزية و22.8 % للمطبوعات الألمانية (ص375).

الكتاب المتميّز بطابعه العلمي المستند إلى مسح الرسالة الإعلامية، وفي رصده الموضوعي للقضايا والظواهر التي يختزنها الخطاب الإعلامي، يكتسي أهميته من رسالته الأساسيّة. وهي رسالة ترمي إلى الحوار بدلاً من الصراع، انطلاقاً من نزعة مناهضة لأيديولوجية العولمة ونزعتها الاستشراقية التي قد تؤدّي إلى أمرين كلاهما مرّ: مواصلة تنميط صورة المسلمين والعرب بكلّ ما تختزنه من سلبيات لا تختلف عن تلك التي أنتجها الاستشراق منذ عقود طويلة، وثانيها إيهام العرب والمسلمين بتخلفهم الأبدي.

ألم يتساءل أندريه سرفييه في كتابه “L’islam et la Psychologie du Musulman ” الصادر في العام1923 أنه لو كانت الحضارة الإسلامية حقاً مشعة وعظيمة كما يشاع عنها، فلماذا فقدت إذاً فضائلها هذه؟ ولماذا فقد السوريون والمصريون والبرابرة الطاقة والذكاء وروح المبادرة والاندفاع التي أظهروها في ظلّ الحكم الإغريقي والروماني ما إن تمّت أسلمتهم؟ وقد ورد ذلك كلّه في سياق تأكيده على عجز المسلمين عن تجاوز البربرية (ص 12)، وعلى أنه لا توجد حضارات عربية، وأن العربي لا يتمتّع بالقدرة على التخييل، وأنه نقل فكر الشعوب الأخرى مشوّهاً، وأن الإسلام من خلال عقائده الثابتة أو غير القابلة للتغيير شلّ الأدمغة وقضى على روح الإقدام أو المبادرة.

ومن بين الأهداف التي ترمي إليها هذه الصورة عدم الاستهانة بالإسلام والعرب، لأن الإسلام برأيه “لا يشكّل عنصراً عابراً في مصائر الإنسانية؛ إذ إن هذه المجموعة المؤلفة من 300 مليون مؤمن تزداد باستمرار، ولاسيما أن أرقام المواليد في معظم البلدان الإسلامية تفوق أرقام الوفيات، ولأن البروباغندا الدينية تضمّ إليها كلّ يوم مؤمنين جدداً من بين الشعوب التي لا تزال بربرية”(…). إذ إن “التحوّل إلى الإسلام في الهند الإنكليزية بات منذ عشرين سنة، وعلى الرغم من التدابير الوقائية للمستعمِر، بات يفوق ستة ملايين مؤمن، في موازاة تقدّم مماثل في الصين وتركستان وسيبيريا وماليزيا وأفريقيا. علماً بأن البروبغاندا الناشطة للآباء البيض في القارة السوداء تحارب بنجاح التبشير الإسلامي”.

لينتهي أخيراً إلى أن العربي اقتبس كلّ شيء عن الشعوب الأخرى، من أدب وفنّ وعلوم دينية، ومرّ ذلك كلّه من خلال غربال فكره المحدود العاجز عن بلوغ مفاهيم فلسفية عالية. لقد شوّه وبتر وأيبس كلّ شيء.

أما كتاب “تقرير حالة حوار الثقافات في العالم” فهو من الكتب الفكرية والثقافية التي تساهم في نشر أيديولوجية مناهضة لتلك الأيديولوجيات التي تستخدم مفهوم التعدّد، الثقافي أو غيره، كوقود للصراع بين الأمم.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)