هل يصلح العطّار ما أفسده الدّهر ..؟

, بقلم محمد بكري


جريدة رأي اليوم الإلكترونية


الإثنين 11 مارس 2019
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
ثقافة - راي اليوم
د. محمّد محمّد خطّابي - كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الاسبانية الأمريكية للآداب والعلوم بوغوتا كولومبيا


هَلْ يُصْلِحُ العَطّارُ مَا أفسَدَهُ الدّهرُ..؟


تجدر الإشارة أنّ كلمة “العطّار” أو عطَّار اسم معروف ومُستعمل ومُتداوَل في مختلف البلدان منذ قديم الأزمان ،وهو موجود على وجه التقريب في جميع البلدان العربية ،وهناك العديد من الكتّاب، والشّعراء، والشخصيات المرموقة التي تحمل هذا الاسم في لبنان والمغرب ، فضلاً عن السعودية، وفلسطين، والاردن، وسورية، واليمن، وتركيا، وإيران، وليبيا، وتونس والجزائر إلخ، والعطّار فى الأصل يعني - كما هو معروف - : بائع العِطْر أو العطور، أو صانع العِطْر أو العطور، ونحن نشتري البُخورَ، وعَرْفَ العُود والندّ من عند العطَّار.

ومن الأمثال المعروفة المأثورة، أو الأقوال السائرة المشهورة التي تُضرب في هذا القبيل: هل يُصلح العَطَّارُ ما أفسده الدّهْرُ..؟ (وهو عَجُز من بيت معروف)،يُقال فيمن يحاول إصلاحَ ما لا يُمكن إصلاحُه. !.. فهل يمكن ردّ البلطاجي، والمعتدي عن غيّهما، وعن تجنّيهما، وعن مروقهما…؟ هيهات..!

و يُطلق العطّار كذلك على بائع التَّوابِل ( العطور أو العطرية) ، فنحن نشتري الكمُّون، وباقي التوابل، والبهارات من عند العطّار، والعطّار جاءت في صيغة المبالغة (فعّال) ويعني كثير العطر أو العطور، وهناك بيت من الشّعر مشهور يقول: ومَن خالط العطّارَ نال من طيبه / ومَن خالط الحدّادَ نال السّوائدا ،أو : ومَنْ خالط العطّارَ فاز بعطره/ ومن خالط الفحّامَ نال سوادَه، وأنور بن سعيد العطار شاعر معروف من سوريا وُلد في (دمشق ) عام 1908 و توفي عام 1972.وفريد الدّين عطّار شاعر فارسي متصوّف معروف، وممَّيز عاش في القرن الثاني عشر الميلادي من أشهر أعماله “منطق الطير”، وهو كتاب ذائع الصّيت، و قد ولد العطار في مدينة نيسابور.

تَسْكُبُ دَقَائِقَ العِطْر..ِ

ويُعرف عادة باسم عطار أو كلمة عطار كذلك بائع الأدوية الشعبية، والتوابل، والعطور، ولكن ميرزا محمد يثبت بأمثلة وجدها في كتابيْ “خسرو نامه” و”أسرار نامه” أنّ هذه الكلمة لها معنيً أوسع من ذلك، ويقول أنها أطلقت عليه، لأنه كان يتولى الإشراف علي دكّان لبيع الأدوية‌ حيث كان يزوره المرضى، فيعرضون عليه أنفسَهم، فيصف لهم الدواء ويقوم بنفسه علي تركيبه وتحضيره. ولقد تحدّث عن نفسه في كتابيه” مصيبت نامه” وإلهي نامه” فذكر صراحة بأنه ألفهما في صيدليته أو أجزخانته، “دار وخانه” التي كان يتردّد عليها في ذلك الوقت خمسمئة من المرضى، كان يقوم علي فحصهم وجسّ نبضهم. ويقول “رضا قليخان” في كتابه “رياض العارفين” أنه تعلم الطبَّ علي يديّ الشيخ مجد الدين البغدادي وهو أحد تلاميذ الشيخ نجم الدين كبري.

و” عطر” جمع : عُطُورٌ، يَفُوحُ عِطْرٌ زَكِيٌّ مِنْ فُسْتَانِهَا ،ومَا يُتَطَيَّبُ بِهِ لِحُسْنِ رَائِحَتِهِ، و يقول عبقريّ بشرِّي ونابغة لبنان والعالم جبران خليل جبران : تَشْربُ قَطَرَاتِ النَّدَى وَتَسْكُبُ دَقَائِقَ العِطْرِ.. !

والعِطْرُ نباتاتٌ ذات رائحة عَطِرَة، زكيّة، عبقة، فوّاحة مثل الخُزامىَ ( ومن غرائب الصّدف التي واجهتنا وفاجأتنا في هذا المقام أنّ اسم مدينة الحسيمة مُشتقّ من (الخزامىَ) وهي نبتة عطرية طيّبة الرّائحة) المعروفة ب: (Lavanda) التي يُستخرَجُ منها زيتُ العِطر جمع أَعطار وعُطور ، والطّيب ، كلُّ ما يُتَطيَّب به لِحُسْنِ رائحته يُقال :- لهذه الوردة عِطرٌ فوَّاح ، زجاجة عِطْرٍ، أو قارورة عطر ،كما يقال في الأمثال : دقُّوا بينهم عِطْر مَنْشم : يُضرب كرمز إلى الشُّؤم والحرْبِ ،ولا عِطر بعد عروس، وهوَّ تعبير عن الزُّهد بعد فقد عزيز ،وفى المغرب هناك العديد من الأصدقاء الذين يحملون هذا الاسم ومنهم شعراء، ومبدعون ،وهو اسم ينحدر في الغالب من الأندلس هو موجود ومستعمل في البلدان المغاربية على وجه العموم ،ولعلّه من الأسماء الموريسكية التي استقدمها المُهجّرون، والنازحون قهراً وقسراً وعُنوةً عن الأندلس بعد سقوط آخر معاقل الإسلام في الأندلس غرناطة عام 1492، إذن فهذا الاسم غير محصور أو مقصور على بلدٍ بعينه كما يبدو ، بل إنه موجود ومنتشر في مختلف الأصقاع والبلدان.

ونختم هذا العرض بالأبيات الطريفة التي ورد فيها عَجُز البيت الشّعري الذي أصبح مثلاً مأثوراً ،وقولاً سائراً مشهوراً بين الناس ، قال بعضُهم:

عـجــوز تـمـنـّتْ أن تـكــونَ فـتـيــة / وقد يبس الجنبان واحدودبَ الظهرُ
تـروحُ إلـى العطّـار تبـغـي شبابـَهـا / وهل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسـد الدهـرُ
بَنَـيْـتُ بـهـا قـبــل الـمـحـاق بلـيـلـة / فـكـان محـاقـاً كـلــه ذلـــك الـشّـهـر
ومــا غـرَّنـي إلاّ الخـضـاب بكـفـّهـا / وحمـرةُ خدّيـهـا وأثوابـهـا الصّـفـر..!.

عن موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية

من تقديم مؤسس ورئيس تحرير جريدة رأي اليوم الإلكترونية

سياستنا في هذه الصحيفة “رأي اليوم”، ان نكون مستقلين في زمن الاستقطابات الصحافية والاعلامية الصاخب، واول عناوين هذا الاستقلال هو تقليص المصاريف والنفقات، والتمسك بالمهنية العالية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع بقدر الامكان، والانحياز الى القارئ فقط واملاءاته، فنحن في منطقة ملتهبة، تخرج من حرب لتقع في اخرى، في ظل خطف لثورات الامل في التغيير الديمقراطي من قبل ثورات مضادة اعادت عقارب الساعة الى الوراء للأسف.

اخترنا اسم الصحيفة الذي يركز على “الرأي” ليس “تقليلا” من اهمية الخبر، وانما تعزيز له، ففي ظل الاحداث المتسارعة، وتصاعد عمليات التضليل والخداع من قبل مؤسسات عربية وعالمية جبارة تجسد قوى وامبراطوريات اعلامية كبرى، تبرخ على ميزانيات بمليارات الدولارات، رأينا ان هذه المرحلة تتطلب تركيزا اكبر على الرأي المستقل والتحليل المتعمق، وتسمية الامور باسمائها دون خوف.

لقراءة المزيد


عن الصورة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)