النظر من شرفة أمين معلوف يعني الاحتكام إلى النزعة الإنسانية وعدم الإنسياق وراء وهم الهوية وتفادي الوقوع في مطب الإختزال في التفسير
لا تنفصلُ قراءة المفكر والروائي اللبناني أمين معلوف للأزمات العالمية، والإحتمالات التي تلوحُ في المستقبل عن تجربته الذاتية والتأمل في محطات حياته ومعاينة هويته الفكرية، وهي صنيعُ الروافد المتعددة.
شاء القدر أن يبصرَ صاحب “ليون الأفريقي” في أحضان حضارة محتضرة كما يشيرُ إلى ذلك في مفتتح كتابه المعنون بـ"غرق الحضارات" يذكر أنَّ العنوان متلبد بالحس الاستشرافي لذا ما إنْ غزت جائحة كورونا العالمَ حتى تداعت إلى الأذهان مدلولات عبارة “غرق الحضارات” لكن ما يتناولهُ أمين معلوف في كتابه لا ينحصرُ في البعد الاستشرافي بل إضافة إلى ذلك يتتبعُ المنعطفات الحاسمة في غضون النصف الثاني من القرن المنصرم لافتاً إلى سلسلة من الأحداث الممتدة تيارها إلى الألفية الجديدة. إذاً فما تعيشهُ المجتمعات البشرية في الوقت الراهن من التحديات على مختلف الأصعدة ليست وليدة ما يبدو على السطح من العوامل المشهودة.
يعودُ أمين معلوف إلى بيئته الأسرية التي امتازت بالخصوصية والفرادة الأمر الذي يكونُ له دورُ في رؤية المؤلف لمفهوم الهوية وموقع الأقليات في النهوض بالمستوى الثقافي والفكري أكثر من ذلك فإنَّ مناخ الأسرة قد وفر له مراقبة الآراء المختلفة بشأن الملفات السياسية، فكان والده رشدي معلوف شاعراً وصحافياً يديرُ جريدة يومية، لذا فمن الطبيعي أن يقعَ الابنُ على حزمة من الصحف كل اليوم وهذا ما يحدو به وهو في عهد الصبا ليسأل الوالد مشيراً إلى الجرائد. أية واحدة يجبُ أن نصدقَ؟ فيجبهُ ولا واحدة منها وجميعها، لن تأتيك أية واحدة منها بكل الحقيقة...