إيمان مرسال تتعقب آثار الكاتبة عنايات الزيات بعد 56 عاما على انتحارها. كتاب بين السيرة والتوثيق يكشف صفحات خفية من حياة شخصية وجماعية
منذ الصفحات الأولى يبدو كتاب إيمان مرسال “في أثر عنايات الزيات” (دار الكتب خان، القاهرة) متجرداً من التصنيف، ففيه تمتزج فنون أدبية عدة: الرواية، السيرة، الجغرافيا، التاريخ، البحث الاستقصائي، بالمخيلة المتوثبة. إنه كتاب اختار أن يُصنف “بلا ضفاف” كي يحمل هويته الخاصة، وربما يُصبح في وقت ما بوصلة مرشدة لكثير من الكتابات التي تتناول حيوات من رحلوا تاركين خلفهم وخلفهنّ جمرات غافية.
كاتبة تتعقب كاتبة أخرى مضى على رحيلها ستة وخمسون عاماً، تعقباً واعياً يحدث في وضح النهار، تمشي في الشوارع التي مشت فيها، تلتقي مع من تبقى من أفراد أسرتها، مع أصدقائها، تفتح أوراقها، وتطرح رؤى كثيرة عن الأسباب التي أدت بها إلى اختيار موتها بيدها.
يُسبب هذا الكتاب اضطراباً لا يمكن الفكاك منه بسهولة، ليس فقط بسبب القصة المأساوية التي نسجت حياة ـ وممات ـ الكاتبة عنايات الزيات وأدت بها إلى الانتحار، بل لأنه يتنبه وينبه إلى زوال عالم كامل مع موت شخص، مع رحيله، مع اختياره أن يضع حداً لحياته. ويتصادف أن يكون هذا الشخص امرأة كاتبة، شابة انقصف عمرها بسبب الهشاشة الشديدة المحكومة بقسوة غائرة. إذ وسط سطح الحياة العادية المتعثرة بتفاصيل مادية بائسة يُطل واقعها ككاتبة مسكونة بعتمة داخلية مؤرقة تتسائل عن: وجودها، تفردها، عالمها الداخلي، كيانها الخاص، وانحسارها في أفقٍ ضيق، وتشظيها وعجزها عن جمع أناها الداخلية.
لا يمكن الحديث عن شخصية عنايات الزيات من دون التوقف طويلاً أمام تناول مرسال فكرة الهشاشة الداخلية التي عانت منها وجعلتها تنكسر، هشاشة مغموسة بالاكتئاب، ثم الإحساس بالعجز أمام وسط ثقافي لم يُنصف روايتها الأولى “الحب والصمت”. تختار مرسال هذه اللحظة الفارقة من حياة عنايات لتبدأ بها الكتاب، لحظة تقرر الرحيل، وأن الحياة لم تعد محتملة بالنسبة لها. التفكير في انتحار الزيات في عامها الخامس والعشرين، يفرض رؤية انهيار مرحلة زمنية انتمت إليها. هذا ما يتبين أن إيمان مرسال أدركته وهي تتبع أثرها...
مقالات ذات صلة :
– إيمان مرسال بين انتحارين أو أكثر