معرض هيرجي في باريس من 28-09-2016 إلى 15-01-2017 Expo Hergé Grand Palais Paris du 28 Septembre 2016 - 15 Janvier 2017

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الثلاثاء، ١١ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٦
جريدة الحياة
باريس – أسعد عرابي


هيرجي ومغامرات تان تان


تتزين القاعات الرحبة والفناءات المترامية الأطراف والمساحات العملاقة للجدران والنوافذ العريقة «للقصر الكبير» في باريس، ببوسترات الأصول الطباعية للألبومات ذات المغامرات المدهشة والفضولية الأشهر في العالم، وهي مغامرات «تان تان»، للرسام المعلم المعروف هيرجي... إنه معرض بانورامي موسوعي يعانق غالبية ما أثمرته عبقريته خلال مراحله الفنية – الحياتية ما بين ولادته في سويسرا عام 1907 ووفاته عام 1983. هي مناسبة لإحياء ذكرى مئة عام على ولادته.

يستمر العرض أشهراً عدة وهو بدأ في أيلول (سبتمبر) ويستمر حتى منتصف كانون الثاني (يناير).

يعتبر هيرجي ليس مؤسساً فقط للرسوم المسلسلة الطباعية الموجهة للشباب والمراهقين، بل ولأعمدة تقاليدها الغرافيكية، ابتداء من السيناريو وحتى التغليف، ومع اختيار الموضوع (هو أقرب إلى الريبورتاج المبسط المرسوم) لذلك، فإن ألبومات مغامرات «تان تان»، وهي مجموعة أسفار تحمل فضولية عصور الاستشراق واكتشاف الآخر، هي من أكثر أعماله انتشاراً وشعبية، ومن أشهر ألبوماته «تان تان» في بلاد السوفيات، وأخرى في بلاد التيبت إضافة إلى العدد الخاص باكتشاف القمر وأعداد تتنقل بين الحضارات البائدة مثل الآنكا والآزتيك والفراعنة، وبين الأقاليم المتباعدة مثل الصين وإندونيسيا، وصولاً حتى آلاسكا.

من الطريف أن المعرض يعانق العدد الأول من هذه الألبومات الذي صور في 26 أيلول 1946، أما رسم الغلاف فيمثل «تان تان» مع صديقه «الكابتين» أمام تمثال هائل يمثل «معبد الشمس».

من الطريف أن هيرجي مؤلف مكتبة كاملة من ضمنها هذه الألبومات، وكتب عنها نقدياً أكثر من مكتبة دليل شهرته العالمية التي تبز والت ديزني. الكثير يفضلون بساطته الأرستقراطية ورصانته في طريقة الرسم (التخطيط النحيل البطيء) والألوان المنسقة، وعبقرية طوبوغرافية تكاوين المشاهد، وطريقة قطعها التي وصل تأثيرها إلى الإخراج السينمائي (الفن السابع). يشهد العرض نماذج متباعدة في أزمان إنجازها الغرافيكي مثل مغامرات كيك وفيليب، وفي الإجمال هو يعتمد على تقنية الخطوط المتساوية النحيلة بالحبر الصيني وألوان الفواش على الورق. و حاول أن ينهج إدارياً منهج والت ديزني، فأسس استوديو مثله وجمع عدداً من المساعدين الموهوبين. بعضهم ينافسه شهرة على غرار: جاكوب. ثم مور ومارتان. ولولوب وغيرهم، يجتمعون كل خميس لتقويم العدد الصادر، ثم يعود كلٌّ إلى زاوية عمله الغرافيكي.

ومما رسّخ نجاح المعرض جرأة تنظيمه (السينوغرافي). لنتخيل ذكاء قص شخصياته بالقياس الكرتوني الطبيعي، ليعرض كل واحد في نافذة القصر العريقة واستخدام الإضاءة الطبيعية الخارجية بعكس الضوء الداخلي.

لا شك في أنه يستحق مثل هذا المعرض وإن جاء متأخراً بسبب عمق تأثيره في جيل بكامله (الأربعينات والخمسينات) وعلى مناهج الرسوم المسلسلة المعاصرة. كان رساماً ومصوراً طموحه أن يصبح صانع لوحة ويهمل اختصاصه، ونلاحظ أن الرسامين يجلون موهبته ويقدرون عمق ثقافته الفلسفية التي كانت تظهر في شخصياته التوأمية رغم عصاميته، وأحد النقاد وصفه بأنه ظاهراً يمثل نموذجاً مثالياً للانفتاح الاجتماعي، لكنه داخلياً مشبع بالتلغيز والالتباس، وهذا هو رأي أعز أصحابه المصور آندي وارهول، هو الذي كان يسعى بسبب تقديره لنجوميته وشهرته إلى أن يتصور معه، بخاصة في بحر عام 1977. وكان يرى أن لوحاته القليلة التي استطاع إنجازها لا تملك شخصية متفردة مثل رسومه الطباعية فهي تقع بين متناقضين: خوان ميرو ونيكولا دوستائيل.

تروي سيرته في المعرض حادثة سببت لرهافة رقته صدعاً كبيراً عزله عن العالم وأربك عمله في الخمسينات، وذلك برميه بتهمة التعامل مع الأعداء. هكذا، قرر الهجرة النهائية إلى الأرجنتين مصاباً بالاكتئاب والميل إلى العزلة هاجراً أم أولاده ومقترناً بمراهقة، لكنه عاد من حسن الحظ إلى بلده وعمله وصحته ولكن بالتدريج.

بدأ نجاح المعرض حتى قبل افتتاحه، وبان انتشار هيرجي وشيوع ألبوماته في كل زاوية يلتهم فيها الشباب بنهم حي على طرفي نهر السين، مغامراته المصورة، وعلى مقاعد المترو والحدائق والمكتبات العامة، وتتنافس في عرضها الواجهات وكان الطبع أحياناً يعاد بسبب الطلب الاستثنائي على بعضها، منتشرة أيضاً في القطارات والرحلات والحافلات العامة، ظاهرة كان تدعى بهوس «تان تان».

من يملك اليوم فرصة حضور معرضه الاستعادي يفاجأ بأن هذه الألبومات غيض من فيض، وأن تصاميمه ومجلاته كانت تملأ الدنيا حيوية حتى أصبح بحق رمزاً عصرياً حداثياً لهذه الفترة، خصوصاً من الناحية الإعلامية الغرافيكية.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عن الصورة

للمزيد من المعلمات عن المعرض على موقع القصر الكبير في باريس

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)