ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

مصلح جميل.. مصور فوتوغرافي يعيش مع الرعاة ليسجل حياتهم Photographie - Djedda - Arabie Saoudite

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الخميـس 19 جمـادى الثانى 1433 هـ 10 مايو 2012 العدد 12217
الصفحة : عين الشرق
جدة (المملكة العربية السعودية) : عبد العزيز عاشور


يقيم معرضه بين الكثبان ويسامر النجوم


مصلح.. مع معرضه في الهواء الطلق («الشرق الأوسط»)

ينقل عن الرسام العالمي الشهير بابلو بيكاسو قوله، إن «الفن أداة إيجابية يجب أن يستخدمها الفنان ضد مآسي الحياة وقسوتها». وفي العام ذاته الذي قال فيه هذه العبارة أنجز لوحته الشهيرة «غيرنيكا»، حاملة اسم القرية المنكوبة التي دمرتها قنابل النازيين الألمان والفاشيين الإيطاليين عام 1937، إبان الحرب الأهلية الإسبانية التي دعموا خلالها الجنرال اليميني فرانشسيسكو فرانكو.

يومها تأثر بابلو بيكاسو بتلك الحرب وتوجه بكل موهبته ومشاعره نحو تصوير تلك المأساة بحق الإنسانية، وبالتالي، أنجز ضدها لوحته التاريخية التي سجلت أزمة إنسان العصر وخلدتها. ومع ذلك فإن بيكاسو لم يحدد للحرب مفهوما أحاديا لمآسي الحياة، بل ترك الباب مفتوحا أمام الفنانين والمبدعين ليسجلوا ما يشهدونه من مآس أخرى.

«حياة على الهامش» معرض فوتوغرافي توثيقي يسجل موقفا إنسانيا لمآسي حياة رعاة الأغنام والجمال والمواشي من غير السعوديين في صحارى المملكة العربية السعودية، مع قطعانهم.

الفنان اسمه مصلح جميل، وهو مصور فوتوغرافي سعودي استدرجته عدسات كاميراته الإنسانية، وربما عبارات بيكاسو أيضا، لإقامة معرضه في الصحراء، متنقلا بلوحاته فوق تضاريسها، من دون جمهور، ولا دعوات عشاء. وهو حاصل على بكالوريوس فنون فوتوغرافية مع تخصص فرعي (ماينور) في الإنسانيات من جامعة أوكلاهوما المركزية بالولايات المتحدة عام 2010م، والذي درس التصوير السينمائي وكتابة السيناريوهات في معهد أوكلاهوما السينمائي.

لقد اختار مصلح جميل الصحراء لتكون «غاليري» عرض أعماله تضامنا مع الرعاة المهمشين، وكذلك معاناة الفنانين والفنون البصرية، والصورة خاصة، من إهمال ولا مبالاة. وخطرت له فكرة المعرض عندما أعد تقريرا مصورا عن حياة رعاة المواشي في صحارى المنطقة الشرقية والوسطى وحائل والقصيم. ويومها اكتشف مصلح، كما يقول «الحياة الهامشية، ومعاناتهم والظروف الطبيعية والمخاطر التي تواجههم وهم الذين لا يملكون سوى أقل الإمكانيات منها حمار وبعض زاد لا يكفي لسد الرمق».

غالبية الرعاة الذين تناولتهم عدسة مصلح جميل من جنسيات آسيوية وأفريقية جاءوا من أجل تحصيل لقمة العيش. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال «إن بعضهم لا يرى الناس إلا مرة أو مرتين في الشهر، ومنهم من يحتفظ بأقراص مسكنة للألم يحرص عليها بعناية فائقة كما لو كانت ملاذه الوحيد من لدغة ثعبان أو عقرب». وأضاف «ولقد وجدت راعيا متمسكا بمذياع نفدت بطاريته، وبدت عليه علامات الضيق حزينا على عزلته العالم، مستغيثا بمن يملك ليوفر له بطاريات تنتشله من عزلته، وهناك قصص مفزعة سمعتها من رعاة معظمها عن الجن».

وتابع مصلح «من القصص التي سمعتها أدركت أن أغلب الرعاة يخافون الغرباء، وتجد أن بعضهم ما إن تقترب منه حتى يضع الهاتف الجوال عند أذنه، لتكتشف لاحقا أنه لا يعمل مطلقا»، وأردف «وجدت راعيا آسيويا يدرك أن اليوم يوم جمعة، وأنه تأهب للصلاة مبكرا على الرغم من عدم وجود مسجد في الصحراء، كذلك هناك راع سوداني سألني عن موسم حج هذا العام وكيف انتهى». وعلق قائلا «إن الرعاة، على الرغم من فقرهم وبؤس أحوالهم في غاية الكرم، فما إن يستقبلك أحدهم مبتسما وفرحا إلا ويقدم لك حليب النوق تعبيرا عن ترحيبه بك».

عرض الحالة الإنسانية لهؤلاء الرعاة العاملين في الصحراء هو أكثر ما يريد مصلح جميل أن يعبر عنه في هذا المعرض. إنها بالضبط «حياة على الهامش» في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، وهي كما يقول «حالة إنسانية جديرة بأن يسلط الضوء على أصحابها الذين يستحقون حياة أفضل. فهم في عزلة شبه تامة، ليس لديهم اتصال بمراكز إسعاف مثلا، وبعضهم ينام في العراء ولا تتوافر له وسيلة للمواصلات تنقذه وقت الحاجة».

وحقا، جمع مصلح آلاف الصور من الصحراء كلها تعبر عن أحوال الرعاة، لكن معرضه يقتصر على 28 صورة فقط مجملها عن توثيق حياة الراعي مع قطيعه في الصحراء، مستبعدا الكثير من اللقطات التي لا يشمل كادرها فضاء الصحراء الشاسع، مدرجا بعض «البورتريهات»، (الصور الشخصية) لرعاة سمحوا له بتصويرهم.

«حياة على الهامش».. معرض صور بالأسود والأبيض، ذلك أنه يقدم للمشاهد صورة متقشفة لا لون فيها، لكن تأثيرها قد يصل إلى المتلقي بفعل قوة مضمونها المثير للتأمل والتعاطف والشفقة. بل، لعل الصور بالأسود والأبيض تثير أبعادا جمالية استثنائية، من بينها أنها توحد ظروف الصورة المناخية، وهذا خيار فرضته طبيعة الموضوع.

لتاريخه أقيم المعرض حتى الآن في محطتين صحراويتين بالمنطقة الشرقية. وهو يستغرق أحيانا بضع ساعات أو يوما أو يومين في الصحراء. وعن هذا الجانب قال لنا مصلح «إنني أعيش مثل الرعاة.. أتنقل مع لوحاتي كما يتنقل الرعاة مع قطعانهم، وسأواصل خلال الأسابيع المقبلة تنقلاتي فوق تضاريس الصحراء.. وأسجل فيديو توثيقيا للمعرض».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)