ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

مدرسة بن يوسف.. معلم أثري في عمق مراكش القديمة Maroc - Patrimoine

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الجمعـة 15 جمـادى الاولـى 1433 هـ 6 ابريل 2012 العدد 12183
الصفحة : عين الشرق
مراكش (المغرب) : عبد الكبير الميناوي


لقطات إيطالية عن الموضة لفتت الأنظار إليها وأثارت قضية خلافية


يزيد من جمال مدرسة بن يوسف استعمال الفسيفساء بألوانها المتنوعة وأشكالها الهندسية وتقنياتها المختلفة («الشرق الأوسط»)

لفتت عملية تصوير وترويج قامت بها مؤسسة إيطالية تعمل في مجال الموضة، لمجموعة من الصور، أنظار محبي الآثار المعمارية العريقة الجميلة إلى تحفة معمارية في أعماق مدينة مراكش، إحدى أشهر حواضر المغرب وأبرزها على الخريطة السياحية العالمية.

بدأت القصة مع التقاط صور عارضة أزياء إيطالية، وهي تستعرض ملابس خاصة بفصلي الربيع والصيف داخل فضاء مدرسة بن يوسف التاريخية في مراكش، إذ لقي فاصل التصوير يومذاك اهتماما كبيرا وقوبل بجدل حار لم ينته حتى الآن حول ما إذا كان ملائما تحويل بعض المآثر التاريخية إلى أماكن لتصوير لقطات عن الموضة.

الواقع أن مدرسة بن يوسف، موضوع الجدل، تعد من أهم وأجمل المعالم الأثرية في «المدينة الحمراء» - وهو لقب مراكش - حيث يحرص السياح على زيارتها، لا سيما أنها توجد في عمق المدينة القديمة، وعلى مقربة منها يقع متحف مراكش والقبة المرابطية ودار بلارج. وينطلق الطريق بزائر مدرسة بن يوسف، انطلاقا من ساحة جامع الفنا الشهيرة عبر سوق السمارين، حيث يترك عن يساره القبة المرابطية، وعن يمينه متحف مراكش، قبل أن يتتبع خطواته المائة، ليجد نفسه واقفا أمام باب البناية العتيقة، على بعد أمتار من دار بلارج.

يعود تاريخ بناء مدرسة بن يوسف إلى الفترة ما بين عامي 1564 و1565 في عهد السلطان السعدي عبد الله الغالب. ويرجع بعض المؤرخين بناء هذا الصرح إلى المرينيين، لكن المؤكد، في الوقت الراهن، هو أن المدرسة تعود إلى عصر حكم السعديين، وخصوصا بعد اكتشاف 6 نقائش تدعم هذا الطرح، أهمها توجد في أعلى مدخل المدرسة، نقرأ فيها: «أقامني للعلوم والصلاة أمير المؤمنين.. أسمى الخلائق عبد الله.. فادع له يا داخلي ببلوغ منتهى الأمل».

إلى ذلك، لا تخلو جدران المدرسة من كتابات تراثية وشعرية تجعل متعة الزيارة تجمع بين سحر المكان ومعاني الكلام، من قبيل «متع جفونك في الحسن البديع ترى سرا عجبا».

كانت المدرسة، ذات الشكل المربع التي تصل مساحتها إلى نحو 1680 مترا مربعا، قد شكلت على امتداد 4 قرون، موئلا للعلماء ومقصدا للطلبة المتعطشين للعلم والمعرفة في مختلف العلوم، خصوصا منها الدينية والفقهية. وبعدها، تحولت إلى مزار سياحي يحرص زوار «المدينة الحمراء» على الاستمتاع ببهائه، إذ إنها بحق تحفة أثرية وعلامة ازدهار حضاري مغربي غارق في التاريخ.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدروس ما كانت تلقى في المدرسة نفسها، بل داخل جامع بن يوسف المجاور، في حين كانت «المدرسة» نفسها عبارة عن «حي جامعي»، بالمفهوم المتعارف عليه في هذه الأيام، مخصص لسكن الطلبة. فبداخلها كان الطلبة يعيشون ويراجعون دروسهم، بينما كانت قاعة الصلاة تستعمل لأداء الواجب الديني.

قبل الدخول إلى فناء مبنى المدرسة، تسترعي انتباه الزائر قبة من المقرنس بالجبس (الجص) تحمل نقوشا بالألوان، أما بابها فمغطى بالبرونز المنقوش. ويتم الولوج إلى الداخل عبر ممر مغطى بسقف يضيء المكان من خلال مجموعة من الفتحات، قبل أن يفضي إلى دهليز يؤدي إلى مختلف أنحاء المبنى.

وفي الجهة الوسطى من الواجهة الشمالية يوجد بيت الصلاة، المكون من 3 بلاطات عرضية يفصلها صفان من الأعمدة الرخامية، وهي بلاطات جانبية تتوافر على خزانات خشبية كانت تستعمل، في السابق، مكتبة خاصة بنزلاء المدرسة.

ويكشف المحراب عن زخرف بديع ومواد متنوعة تعبر عن غنى الصرح، مثل: الرخام والخشب والجبس بأشكال مختلفة الألوان. ويشكل المحراب المزود بشرفات خماسية الأضلاع قوسا تاما مدعما بـ4 أعمدة صغيرة من الرخام تغطيه قبة صغيرة من المقرنس بالجبس.

وتقع قاعة الوضوء في أول الممر الغربي، وهي تحتوي على حوض مربع الشكل يستعمل للوضوء، تغطيه قبة جبسية مقرنسة، والكل مدعم بـ4 أعمدة رخامية.

وفي الطابق العلوي، عبر درج تقليدي يناسب المكان، توجد باقي حجرات الطلبة، ومن بين خصوصيات المدرسة وجود ممرين يحيطان بالساحة المركزية ويؤديان إلى 7 صحون صغيرة توجد فيها حجرات الطابق السفلي. ويعيد الطابق العلوي تصميم الطابق السفلي، ويبلغ مجموع الغرف المخصصة للطلبة 132 غرفة.

يمكن القول، بلا تردد، إن تنوع مواد البناء والزخارف يجعل من مدرسة بن يوسف تحفة فنية من المعمار الأصيل وسجلا يؤرخ للفن المغربي في عهد السعديين. ذلك أن خشب شجر الأرز المجلوب من منطقة الأطلس يوجد في كل أنحاء المدرسة وأجزائها، في القباب الفخمة للدهليز وقاعة الصلاة، وسقوف الممرات، والأفاريز. أيضا الرخام الإيطالي استعمل كثيرا في المبنى، إذ نجد عمودين منقوشين في جوانب باب قاعة الصلاة، بالإضافة إلى 4 أعمدة أخرى بالقياس نفسه، وذلك في المحراب وقاعة الوضوء. أما الجبس فيبدو أنه الأكثر استعمالا في تزيين المدرسة، كما تدل على ذلك اللوحات الكبيرة من الجبس المنقوش، التي تغطي واجهات الفناء وقاعة الصلاة.

ويبقى أن ما يزيد من جمال المدرسة ورونقها استعمال الزليج (الفسيفساء) بألوانه المتنوعة وأشكاله الهندسية وتقنياته المختلفة، إذ يغطي أسفل الجدران وكذا الأعمدة. أما الأرضية فمرصعة بالرخام الإيطالي، خصوصا الصحن، كما يغطي أرضية قاعة الصلاة والغرف، كما نجد قطع الزليج الصغيرة في الممرات والأدراج والصحون الصغيرة.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)