النسخة الإلكترونية من صحيفة الرياض اليومية
الأربعاء 19 جمادى الآخرة 1436 هـ - 8 أبريل 2015م - العدد 17089
الصفحة : ثقافة اليوم
جهاد فاضل
عبدالوهاب وثقته باللغة العربية
كان المطرب محمد عبدالوهاب شديد الثقة بالعربية الفصحى ففي «أوراقه الخاصة» التي صدرت عن «دار الشروق» بعد وفاته ما يؤكد هذه الثقة فقد ذكر أن المستقبل هو للأغنية المكتوبة باللغة الفصحى لا بالعاميات. وفي الحوار التلفزيوني المطول الذي أجراه معه سعد الدين وهبة، والذي صدر لاحقاً في كتاب عن «دار سعاد، الصباح» أكد انه لا يشك لحظة في أن أغنية المستقبل هي الأغنية التي تؤكد وحدة العرب، أي أغنية الفصحى لا سواها. كان الزمن زمن العروبة والأحلام القومية، وعندما كان عبدالوهاب يقول هذا القول أو يكتبه كانت الدنيا العربية ماتزال بخير. وقد شبه لهذا المغني المصري الذي جاب البلاد العربية من أقصاها إلى أقصاها أنه لا يمكن للعاميات العربية أن تتجاوز حدود البلد الذي ينطق بها وأن الخير كل الخير هو في اللغة الواحدة الجامعة العابرة للحدود والتي يعرفها الجميع ويفهمها الجميع خاصة وأن وسائل الاتصال الحديثة قد عملت على خدمتها وقربتها من الناس وأنتجت في الوقت نفسه لغة عربية ميسرة هي لغة وسط بين العامية والفصحى. ويبدو أن عبدالوهاب استند إلى تجربته الشخصية في التلحين والغناء عندما أدلى بما أدلى به. فأغانيه بالفصحى لا تقل رواجاً أو نجاحاً عن أغانيه بالعامية المصرية وربما تفوقها. فهو في أذهان الناس شاعر الجندول وشاعر الكرنك وياجارة الوادي وردت الروح ومجنون ليلى التي يغني قسماً منها مع المطربة اسمهان وهو ملحن ما لا يحصى من نصوص الشعر العربي التي غناها مالا يحصى من المطربين والمطربات العرب من مصريين وغير مصريين. فهو في واقع أمره مطرب مصري وعربي في الوقت نفسه، ولم يجد من طوافه في البلاد العربية ومعرفته بأذواق الناس أن الأغنية بالعامية المصرية ترقى بنظر النخب وبنظر الجمهور على السواء إلى مستوى أغنية الفصحى فلهذه الأخيرة عند الناس وقار خاص لا تصل إليه أغنية العامة التي كثيراً ما تتسلل إليها عيوب مختلفة منها الميوعة والضالة وسوقية صورها. في حين أن ناظم أغنية الفصحى هو شاعر كبير ذو مقام في تراثه وفي وجدان قومه. وعندما توهب قصائد هذا الشاعر ما تستحقه من النغم واللحن، كثيراً ما تصبح على كل شفة ولسان. وهذا ما يؤكده تاريخ الغناء العربي المعاصر. ولا شك ان أول من غرس محبة الفصحى في قلب وعقل هذا المطرب الكبير، كان أمير الشعراء أحمد شوقي. فقد صحب عبدالوهاب شوقي وله من العمر حوالي عشرين سنة، وظل قريباً منه لا يفارقه الا في ساعات النوم حتى توفي. اثنتا عشرة سنة شكلت شباب عبدالوهاب وعقله وذوقه وزودته بالعلم والخبرة، وبحب اللغة العربية على الخصوص. صحيح أن شوقي نظم لعبدالوهاب عدة أغان بالعامية منها «بليل حيران» و«النيل نجاشي» إلا أن شوقي فتح أمام عبدالوهاب كل خزانة الفصحى التي كان يقبض على مفاتحيها باقتدار. ولعل أكثر ما لفت هذا المطرب الصاعد يومها، شعر شوقي المسرحي فغنى من هذا الشعر «أنا انطونيو وانطونيو أنا» وغنى عدداً من قصائد «مجنون ليلى» منها «تلتفتت ظبياً الوادي» وفي وقت لاحق يعود عبدالوهاب إلى «مجنون ليلى» مرة أخرى فيغني «جبل التوباد» التي اشتهتها أم كلثوم وطلبت من عبدالوهاب ان تشدو بها ومن شعر شوقي يغني عبدالوهاب القديم أيضاً بعضاً من روائعه الخالدة ومنها «ياناعماً قدت جفون وعلموه كيف يجفو، ومضناك جنة مرقده». وقد كان عبدالوهاب على الدوام مطرباً مثقفاً عن سواه من المطربين في كونه يقرأ ويبحث بنفسه عن نصوص يغنيها في القديم وفي الحديث وعندما كان يتحدث كانت «الثقافة» جزءاً من حديثه وإذا كانت أم كلثوم نازعته زعامة الغناء العربي سنوات طويلة، الا انهما في سنواتهما الأخيرة التقيا على الاهتمام بأغنية الفصحى إذ لحن لها عدداً من نصوص الشعراء العرب لقيت نجاحاً كبيراً وإذا كانت لم تهتم بشعر شوقي وهو حي نظراً لصداقته الوثيقة بمنافسها عبدالوهاب الا انها افتتحت على شعره بعد رحيله وغنت له عدداً من شوامخ شعره ومنها ولد الهدى والنيل ونهج البردة وسلوا كؤوس الطلى. ويبدو استناداً إلى تراث هذين المطربين العظيمين أن الاهتمام بأغنية الفصحى قاسم مشترك بينهما فلا يقل اهتمام أم كلثوم بهذه الأغنية عن اهتمام عبدالوهاب ولا شك ان لفظ العربية المتقن على لسانهما مرده إلى المران والخبرة والصلة الوثيقة لهما مع العربية. وفي سيرة أم كلثوم ان أول ماغنته وهي صغيرة في قريتها طماي الزهايرة كان عدة أبيات بالعربية الفصحى. ولا شك ان «تطبيع» المطرب مع العربية أحد أسرار نجاحه وهو يؤدي الأغنية المكتوبة بها. وبدون هذا التطبيع يكون نموذج هذا المطرب عبدالحليم حافظ وكاظم الساهر. ولكن هل صح توقع عبدالوهاب حول مستقبل الأغنية المكتوبة بالعربية الفصحى؟. المؤسف أن الأغنية العربية بعد انقضاء زمن العمالقة سرعان ما شهدت انهياراً سريعاً فلا أغنية الفصحى التي توقع لها عبدالوهاب المستقبل الزاهر عرفت مثل هذا المستقبل ولا أغنية العامية بدورها حافظت على ما حققته من نجاحات.
جريدة الرياض أول جريدة يومية تصدر باللغة العربية في عاصمة المملكة العربية السعودية صدر العدد الأول منها بتاريخ 1/1/1385ه الموافق 11/5/1965م بعدد محدود من الصفحات واستمر تطورها حتى أصبحت تصدر في 52 صفحة يومياً منها 32 صفحة ملونة وقد أصدرت أعداداً ب 80-100 صفحة وتتجاوز المساحات الإعلانية فيها (3) *ملايين سم/ عمود سنوياً وتحتل حالياً مركز الصدارة من حيث معدلات التوزيع والقراءة والمساحات الإعلانية بالمملكة العربية السعودية، ويحررها نخبة من الكتاب والمحررين وهي أول مطبوعة سعودية تحقق نسبة (100٪) في سعودة وظائف التحرير.