متعة سياحية جمالية في قلعة «أبو موسى» جنوب لبنان

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ٨ يونيو/ حزيران ٢٠١٥
جريدة الحياة
بيروت - عبدالله ذبيان


إبداع ما بعده إبداع! فوجئنا به هذه المرة في أقصى الجنوب اللبناني وعلى تخوم الأراضي الفلسطينية المحتلة. إنها فعلاً قلعة من قلاع الأحلام التي نتخيلها في قصص «ألف ليلة وليلة» تتربع في بلدة خربة سلم الواقعة في قضاء بنت جبيل، وتبعد عن بيروت 104 كلم، وترتفع عن سطح البحر 600 متر.

يوسف ياسين شعبان (أبو موسى)، بذل مجهوداً فردياً فريداً بكل ما في الكلمة من معنى، وأتانا بهذه القلعة – القصر التي يعتبر أنها «تفوق حجماً وارتفاعاً وجمالاً بعض القصور التي دخلت موسوعة السياحة اللبنانية». وهي تجسيد لحلم طفولي راوده على مدى سنوات.

شعبان استمد إبداعه من عائلته العريقة في مجال الفن خصوصاً النحت والرسم. فوالده كان يشتهر بإتقانه أحد أشكال النحت المتعلقة بالبيوت والمنازل القديمة، ولطالما نحت منازل كبار القوم في القرى والبلدات. فضلاً عن شقيقه الراحل بهيج شعبان الذي كان النقيب السابق لخطاطي الصحف في لبنان.

هدف «أبو موسى» كان منذ البداية إنجاز عمل مميز في مسقط رأسه، والهدف من ذلك إنهاض الجنوب اللبناني «الذي يفتقر إلى معالم تحفظ تراث رجالات هذه المنطقة وسيرهم». وهو يؤكد نيته إقامة متحف يغطي مختلف مراحل تاريخ الجنوب اللبناني التي لا يعرفها أبناء الجيل الجديد، أمثال العالم رمّال رمّال أو المرجع السيد محسن الأمين وغيرهما.

وفي هذا السياق سيكون للمقاومة جناح خاص في المتحف يضمّ مجسمات ولوحات تروي تاريخ العمل المقاوم. ويسعى شعبان إلى إنجاز مطعم تراثي ونزل صغير بجناح خاص للعائلات الآتية إلى المنطقة من أماكن بعيدة.

بدأ شعبان بناء القصر صيف العام 1993، وكانت بلدة خربة سلم لا تزال هدفاً يومياً للاعتداءات المدفعية الإسرائيلية والطائرات الحربية، وهو ما أخّر عملية البناء خصوصاً أن عدداً من القذائف سقط داخل حرم القصر الذي تضرّر بوضوح. وظل «أبو موسى» يعمل بإصرار وتصميم ما دفع المقربين منه وقوات الطوارئ الدولية - التي يعمل موظفاً لديها - على نعته بـ «السوبر مجنون».

ما يميز قلعة شعبان أن المواد المستخدمة في تشييدها هي من تصنيع شعبان وتركيبه. فالغلاف الخارجي الذي يغطي كامل المبنى، على سبيل المثال، هو عبارة عن مزيج «خلطة سرية» من ابتكاره، وهي مادة تتمتع بمواصفات تتفوق على الإسمنت. حتى زجاج النوافذ من تصنيعه، وكذلك الأبواب الخشبية والحديدية، فضلاً عن أشغال الزخرفة والتلوين التي سيخضع لها الزجاج الداخلي والخارجي.

درج مكوكي ترافقه حجارة قديمة العهد يحملك إلى الطابق العلوي حيث يوجد نزل للزائر الذي يرغب في قضاء وقت مع ثقافة الحرف والتاريخ. وقد صمم الجناح في شكل يتواءم مع هندسة القلعة التي تشرف على بحر مدينة صور في جانب منها، وعلى المقلب الآخر تصافح فلسطين. يقول: «جمعت الخشب والحجر في التصميم ليضفي جواً تراثياً أنيقاً».

في الجناح المخصص للمتحف، تنتشر عشرات المنحوتات الصخرية، وتمثّل وجوهاً لشخصيات لبنانية وعربية وعالمية، قديمة ومعاصرة، من سياسيين وفنانين وأدباء، مع تمثال حجري ملون لفلّاح لبناني بالحجم الطبيعي.

وفي الجناح المخصص لإقامة المتحف، شيّد «أبو موسى» ما يربو على 200 منحوتة مصنوعة من الرخام والصخر والطين، تعود لشخصيات لبنانية وعربية وعالمية، برعت في مجال عملها واختراعاتها (من فن وأدب وسياسة وفلسفة) منها القديمة والمعاصرة.

إلى ذلك، هنالك مجسمات لحيوانات انقرضت، كالديناصور وذئب البحر والحمار البري السوري والحمام الزاجل والعلجوم، هي بعض من المراحل المتبقية. كذلك يطمح إلى تجسيد آثار لبنان الشهيرة مثل قلعة بعلبك وصخرة الروشة وقلعة صيدا وآثار صور وغيرها.

ليس لطموحات الفنان الجنوبي حدود، فهو منكب على إعداد تصميم خشبي لسفينة نوح ضمن بحيرة خاصة بها تحاكي في تنفيذها البحار، مع لحظ وجود مجسمات الحيوانات التي اصطحبها نوح على متنها.

ومن أهم مزايا القلعة أيضاً الغرفة الشفافة في أعلى البرج التاسع وهي مصنوعة من الحديد والزجاج، وتسمح لزائريها من خلال نوافذها أو سقفها الهوائي بمعاينة مناطق عديدة: كتلة المنارة ومسكاف عام والعباد وجبل صافي وجبل الشيخ في فلسطين المحتلة، كذلك مزارع شبعا وقلعة تبنين وغيرها من الجماليات الطبيعية في لبنان.

تبلغ مساحة أرض المشروع نحو خمسة آلاف متر مربع، فيما تبلغ مساحة المبنى نحو 250 متراً لكل طبقة من طبقاته الخمس. وللقلعة مدخلان كبيران أطلق يوسف شعبان اسم والديه على أحدهما واسم شقيقته على الآخر، إلى جانب تسعة أبراج ضخمة يحمل كل منها اسم أحد أشقائه التسعة.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)