بيئة

لبنان يحتجز البحر خلف أسلاك شائكة

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ٧ يوليو/ تموز ٢٠١٤
جريدة الحياة
بيروت - فيرونيك أبو غزالة


يوماً بعد يوم تضيق الدنيا في وجه اللبنانيين، فهم يفقدون تباعاً كلّ مساحة عامة كانوا يعتبرونها مكاناً يقصدونه للهروب من الشقق الضيّقة والأحياء المختنقة خصوصاً في العاصمة بيروت. والشباب هم الأكثر تأثراً بهذه الخسارة، لأنّ الحيّز العام يعني لهم الكثير، خصوصاً إذا كان مجانياً. فهناك يرفّهون عن أنفسهم من دون الاضطرار لدفع المال، وهناك يستطيعون التواصل مع الآخرين القادمين من مناطق مختلفة. لكن حتّى هذه الحقوق البديهية بات الشباب محرومين منها، في وقت يواصل أصحاب السلطة والثروة قضم المساحات العامة ليضطر كلّ مواطن الى التقوقع على نفسه في منزله، خصوصاً أنّه ليس هناك من يدافع عن الحيّز العام سوى بعض المنظّمات المدنية التي تحاول جاهدة لفت الانتباه الى هذا الموضوع، لكنّها لا تلقى الصدى الإيجابي في ظلّ تلهّي أصحاب السلطة بقضايا أخرى سياسية وأمنية.

افتقار للمساحات الخضر

إذا أراد أي مواطن في لبنان أن يجد مكاناً عاماً يلجأ إليه، خصوصاً في بيروت، فسيكون ذلك صعباً لأنّ هذه المساحات أصبحت نادرة. وعلى رغم أنّه كان لافتاً في الفترة الأخيرة إعادة افتتاح حديقة الصنائع التي عادت خضراء بمبادرة خاصة من شركة «أزاديا»، فهناك في المقابل العديد من المساحات العامة المهدّدة بالإقفال أو التي أقفلت وسط تجاهل تام لحملات مطالبة بإعادة فتحها. ولهذه القضية يتجنّد العديد من الشباب الناشطين سواء في جمعية «مشاع»، «نحن» أم غيرهما من المنظّمات مطالبين بإعادة الحيّز العام الى أصحابه أي المواطنين. والقضية الأولى التي تجمع كلّ هؤلاء الشباب هي المطالبة بإعادة فتح حرج بيروت أمام عامة النّاس، وهو مقفل منذ حوالى ١٩ عاماً، على رغم أنّه يمثّل المساحة الخضراء الأكبر في بيروت. وكان من المفترض أن يُعاد إحياء هذا الحرج منذ سنوات عدّة بعد إعادة ترميمه، لكنّ أبوابه موصدة حتّى الآن. ويعتبر رئيس جمعية «نحن» محمد أيوب أنّ المساحات العامة توفّر البيئة الصحّية اللازمة للمواطنين وتتيح لهم التنفّس والابتعاد عن الضجيج، ما يجعل المدن أقلّ عنفاً. فوفق هذه الجمعية، الحدائق تزيل الضغط وتزيد من جمالية المدينة، اذ أصبحت بيروت مثلاً اليوم مدينة غير صالحة للسكن بسبب افتقارها إلى المساحات الخضراء.

وفي الأيام القليلة الماضية، برزت قضية أخرى لها الأهمية نفسها كحرج بيروت، وهي دالية الروشة التي تُعتبر امتداداً طبيعياً لصخرة الروشة، ويؤمها الكثير من الزوّار للتمتّع بالبحر والتنزّه والسباحة والمشي. كما أنّها تضمّ مرفأين للصيد البحري، إضافة الى تميّزها بعدد من الكهوف المائية التي تجعلها ثروة إيكولوجية مهمّة. فقد برز مشروع عقاري جديد يهدّد معالم الدالية ويحدّ من وجهة استعمالها محوّلاً إياها من مساحة عامة الى مكان خاص، اذ من المتوقّع أن يُبنى فندق أو منتجع سياحي في هذا المكان. وقد انطلقت حملة أهلية للحفاظ على الدالية ضمّت عشرات المواطنين الرافضين لمثل هذا المشروع. وتقول الناشطة البيئية داليا السويسي في هذا السياق أنّ الأثر البيئي لمثل هذا المشروع سلبي جداً، بالإضافة الى أنّه يمنع المواطن من ممارسة حقّه بالوصول الحرّ الى البحر ويقطع سبل التواصل بين المواطنين، بما أنّ الدالية كانت تشكّل فضاء للتلاقي.

رسوم مالية في كلّ مكان

قضيتا حرج بيروت ودالية الروشة تُعتبران نقطة في بحر من المشاكل التي تلاحق المساحات العامة في لبنان، فمع انطلاقة موسم الصيف يمكن تلمس حجم الكارثة التي تلحق بالحيّز العام، إذ إنّه إما مقفل أمام المواطنين أو أنّه مهمل الى أقصى درجة ما يجعله مكاناً لا يستحق الزيارة. فالشابة نورا سليم التي تسكن في ضواحي بيروت تشكو عدم إيجادها وأصدقاءها أي مساحة مفتوحة يمكن الوصول من خلالها الى البحر للسباحة والتشمّس. وإذا كان هناك أي مكان مفتوح، فالمشهد محزن عند رؤية الزجاج المتكسّر والنفايات المرمية دون أي ملاحقة من البلديات. لذا تضطر نورا الى إرتياد المسابح الخاصة تماماً كما آلاف اللبنانيين ودفع مبالغ عالية فقط كرسم للدخول.

امّا إذا فكّر الشباب بزيارة المعالم السياحية في بلدهم، ما يُعتبر جزءاً رئيسياً من الحيّز العام، فهناك سيواجهون أيضاً عائق رسوم الدخول خصوصاً في المعالم التي تديرها شركات خاصة مثل مغارة جعيتا حيث يضطرون لدفع مبلغ ١٨ ألف ليرة لبنانية (١٢ دولاراً أميركيا) لدخول المغارة، دون أي تمييز بينهم وبين الأجانب.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)