ثقافة - سياحة - تراث

لبنانية تبدع من المخلفات تحفا فنية جميلة ومفيدة Liban - Culture, Tourisme et Patrimoine

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
السبـت 08 ربيـع الاول 1434 هـ 19 يناير 2013 العدد 12471
الصفحة : عين الشرق
بيروت (لبنان) : مازن مجوز


في محاولة تعد الأولى في بلادها وربما في منطقة الشرق الأوسط


لبنانية تبدع من المخلفات تحفا فنية جميلة ومفيدة

ما إن ترى ابتكاراتها حتى يتبادر إلى ذهنك المثل القائل «ما قد يكون قمامة لشخص يمكن أن يكون كنزا لغيره».. فهي اعتادت تحويل النفايات المنزلية إلى تحف يدوية فنية جميلة ومفيدة، داخل منزلها غير العادي بل البيئي بامتياز، نظرا لمحتوياته التي لا يمكن أن نجدها في أي من الأسواق، بعد أن انفردت صاحبته في مدينة طرابلس (شمال لبنان) في تزيينه بطريقة مختلفة.

وتعد هذه أول محاولة على الإطلاق في لبنان وربما في منطقة الشرق الأوسط لإبداع أعمال فنية من مهملات المنزل غير القابلة للتحلل، كقطع الأثاث والصور والمرايا والمزهريات وغيرها.

وتقول مهندسة الديكور حنان بارودي، في حوار مع «الشرق الأوسط» أجرته معها في معرضها، الذي أقامته في الصالة الزجاجية في وزارة السياحة منذ أيام «هذه الأعمال لا تكلفني سوى شراء بعض المواد الأولية اللاصقة والريشة والسيلكون وبعض الألوان، ونادرا ما أحتاج إلى مقص، أما الهدف الأساسي من هذا الفن فهو تنظيف بيئتنا على طريقتنا، فكل ما تستخدمه ربات البيوت من أدوات عليهن أن يتعلمن توضيبه داخل البيت بطريقة لائقة من خلال تحويله إلى أشكال فنية وقطع جميلة يستفاد منها على صعيد الاستخدام المنزلي في كل ناحية من أنحاء البيت، بدلا من رميه في سلات المهملات».

ببساطة ركنت بارودي مجموعات من منتجاتها الحرفية وأودعتها أنحاء القاعة، لتبدو جميعها تحفة فنية على قدر من الجمال. فهنا لوحات جدارية من مواد مختلفة هي نتاج لبعض ما نرميه عادة من الخشب والمعدن والبلاستيك، وهناك أشغال يدوية وشراشف مصنوعة من قصاصات الجرائد مشكلة ومرصوصة بأناقة، فيما يستوقفك على بعد أمتار أثاث من فضلات الفلّين وعلب الكرتون وأكياس النايلون والورق، فضلا عن أزهار من القماش، وتحف، وأوان، وخزفيات، و«ارتيزانا» حاكتها أنامل آمنت بأهمية الجمال حتى لو كان مصنوعا من النفايات! وتضيف صديقة البيئة أنه «مما لا شك فيه أنه داخل كل بيت توجد جرائد نريد التخلص منها، فكان أحد ابتكاراتها مزهرية جميلة للبيت».

في أنحاء المتحف تحف متعددة الأشكال والألوان توحي بأنه بالإمكان تحويل هذه المهملات إلى أثاث وتحف فنية قيمة، ولن يدرك من يشاهدها أنها كانت يوما برسم مكب النفايات فعلا، حيث تلفتك طاولة مخصصة لغرفة الجلوس تتألف من عدة أوعية كانت تحتوي على مواد غذائية، ومن مجموعة كبيرة من أكياس النايلون الأكثر ضررا.

هذه الطاولة وعشرات القطع الفنية صالحة للانتقال فورا إلى صالونات البيوت والفنادق، حيث تشكل دليلا ملموسا على أن إعادة تدوير النفايات ومخلفات المنازل وتحويلها إلى تحف منزلية فريدة في تصميمها وألوانها لا تتطلب الكثير.

ومن هنا يجد الزائر نفسه أمام تجربة ابتكارية رائدة في هذا المضمار، نظرا لاتساع الرؤى والأفكار لدى بارودي التي لم تتوقف عند إناء للأزهار المجففة أو لوحة ائتلافية العناصر.. فمن كونسول مع كراسي وكنبة ومرآة متكاملة الزخرفة والنمنمة اللونية، إلى مرايا وجدران وبرافانات ولوحات وقطع للزينة.. كل هذه الأشياء يمكن تحويلها إلى معروضات ومفروشات قابلة للاستخدام المنزلي لأعوام طويلة بفضل بعض الإجراءات الدورية البسيطة التي تشرحها بارودي لكل من يرغب في معرفتها.

وبالعودة إلى انطلاقة الفكرة تجيب «في فترة من فترات الحرب اللبنانية (1975 - 1990) والتي كان أبرز سماتها تراكم النفايات في الشوارع وزوايا المباني، شعرت بضرورة الحفاظ على نظافة البلد وإن بطريقة مختلفة، وبدأت بتدريب الناس، وتحديدا النساء، على تنظيف بيئتهن وتجميلها، وأن ينتجن ويستفدن من نفايات منازلهن». وسرعان ما استقطبت هذه الحرفة عددا كبيرا من النساء اللواتي بدأن يتدربن على استخدام كل ما يلزمهن في منازلهن من «كراكيب» ومن ثم يحوّلنها إلى لوحات فنية لا سيما بعد أن بدأن يلاحظن مع بارودي أن تنجيد بعض مفروشات منازلهن أو شراء ما هو جديد منها أصبح مكلفا في عصرنا هذا.

وإذ تدعو بارودي كل أم وأب للقيام بمثل هذه الأعمال في البيت كي يحثا أولادهما على تعلمها، كونهما يشكلان قدوة لهم، تؤكد أنها ما كانت لتبدع في هذه الحرفة لولا ما تعلمته من عائلتها.. فهي حرفة وبعد اختصاصات عديدة اختارتها عملا لها وأصبحت جزءا من حياتها. ويحاول جيران حنان الذين تحمسوا لفكرتها مساعدتها من خلال جمع مهملات منازلهم، لأنها ربما تحتاجها في سبيل إنتاج عمل فني جديد.

وتقدم بارودي على هامش المعرض شرحا مبسطا للجمهور وتلامذة المدارس لكل ما يشاهدونه في المعرض وطريقة صناعة كل تحفة معروضة. وتشدد بارودي على أنها ابتكرت هذا الفن منذ ثلاثين عاما وطورته وعلمته لتلاميذها، لافتة إلى أن تعلمه ليس بالأمر الصعب، موضحة أن ثمة معيارين لتدريسه، المعيار النظري ويتضمن معلومات كناية عن قواعد تشغيلية مطبوعة، والمعيار التطبيقي ويتضمن مشاهدة الآلية التنفيذية المتكاملة للعمل، موضحة أنها ابتكرته لا لتحتكره بل لتعممه داخل لبنان وخارجه. تجدر الإشارة إلى أن بارودي فتحت صالة عرض دائمة في طرابلس مسقط رأسها، وأسست في عام 1991 مدرسة لها، وأقامت دورات تدريبية في «المركز الثقافي الروسي» و«قصر اليونيسكو». وتتراوح أسعار التحف بين الخمسين دولارا للقطعة الواحدة والألف دولار لمجموعة القطع الكبيرة، وهي لا شك توفر على المشتري مبلغا كبيرا من المال إذا ما أراد شراء بعض الأثاث لمنزله.

وتخرجت بارودي في جامعة لاسال في مدينة شيكاغو، وهي أقامت حتى الآن أكثر من مائة معرض في لبنان والعالم العربي والخارج، وتسعى حاليا إلى الحصول على الاعتراف بها كرائدة في ابتكار وسائل بسيطة لحماية البيئة.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)