تاريخ

قلعة المسيلحة على ساحل لبنان الشمالي

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الثلاثاء، ١ يوليو/ تموز ٢٠١٤
جريدة الحياة
شكا (شمال لبنان) - عبدالله ذبيان


حصن منيع قاوم الإهمال ليصبح معلماً سياحياً


تقع قلعة «المسيلحة» على بعد 2.5 كلم إلى الشمال الشرقي من منطقة البترون عند الساحل الشمالي لمدينة بيروت، وتبلغ مساحتها خمسمئة متر مربع ويزيد ارتفاعها عن خمسين متراً. وهي تتربع على الضفة اليمنى لنهر الجوز جنوب منطقة رأس الشقعة. ويعني إسمها المكان المحصّن، فهي تصغير لكلمة مسلّح. أمّا تاريخها فالروايات حوله متشابكة، ذلك أن بعض المؤرخين أعادها إلى حقبة الصليبيين، فيما استبعد آخرون أن تنتمي إلى حقبة أبعد من القرن السابع عشر، أي أيام السلطنة العثمانية وذلك استناداً الى تقنيات البناء المستخدمة.

ويذكر أن المستشرق الفرنسي آرنست رينان الذي أتى في أواسط القرن التاسع عشر إلى لبنان مع الحملات الفرنسية وسكن مدينة عمشيت الجبيلية لمدة عام، لم يرَ في هذه القلعة أي جزء يعود إلى ما قبل العصر الوسيط. أما مؤرخ العمارة الصليبية بول ديشان فلم ير في البناء ما يدل إلى أنه من عمل الصليبيين، لا بل إنه يعود الى فترة متأخرة.

عندما مر الرحّالة الفرنسي جان دو لا روك قرب القلعة أواخر عام 1689 في طريقه من طرابلس الى البترون، ذكر ما رواه له أهل المنطقة من أن القلعة من أعمال أمير لبنان فخر الدين المعني. وهذه الرواية التي أتت بعد نحو خمسين سنة على وفاة الأمير، تستحق الاهتمام، ذلك انها جاءت على لسان أشخاص ربما كانوا شهود عيان على الحدث.

وقد ورد التاريخ عينه على لسان بعض الإخباريين الآخرين، إذ ذكر الخوري منصور الحتوني في سرده أحداث عام 1624 أن الأمير فخر الدين «أمر الشيخ أبا نادر الخازن في عمار قلعة المسيلحة شمالي البترون».

واستقر عام 1624 تاريخاً لبناء القلعة في أيام الأمير فخر الدين في ذاكرة الإخباريين كما في ذاكرة الأهالي والشهود. ويؤكد هذا التاريخ أحد أكثر الرحالة ثقافة، وهو لودفيك بوركهارت الذي زار المنطقة في بدايات القرن التاسع عشر وأكد أن القلعة حديثة العهد.

وعلى أية حال، للقلعة أهمية استراتيجية كبيرة بفضل إشرافها على جزء كبير من الطريق التي تربط منطقة البترون بمدينة طرابلس في الشمال اللبناني. لذلك أتى بناؤها محصناً ومنيعاً إذ شيّدت على صخر بارز وسط وادي نهر الجوز عند ولوجه سهل البترون من الجهة الشمالية الشرقية. وقد فرض شكل الصخر على مهندس القلعة تصميماً معيناً، بحيث إن أسوارها الخارجية تتناغم وحدود الصخر الذي أقيمت عليه. يتراوح عرض جدرانها بين متر ونصف المتر ومترين. واستخدمت في بنائها حجارة رملية ذات مقاييس متوسطة، على رغم وجود بعض الحجارة الكلسية الأكبر حجماً، وهي حجارة يقدّر أنها تعود إلى منشآت مماثلة أقدم عهداً.

بنيت القلعة على مرحلتين، وهو ما يفسّر تكوينها من قسمين متلاصقين يشكلان وحدة هندسية متناسقة. ويمكن الوصول إليها إما عبر سلوك درب ضيق حفر قسم منه في الصخر أو عبر الدرج. ويؤدي هذا الدرب إلى مصطبة صغيرة تفضي إلى باب القلعة الرئيس الذي يعلوه قوس أفطس.

استعادت القلعة صورتها التاريخية بعد أن شهدت منذ سنوات ورشة ترميم نفضت عنها غبار الإهمال الذي جعلها ملجأ لقطعان الماعز ورمي النفايات، والذي فاقمته الكسارات من حولها وقد تركت بصماتها التخريبية بتجريد الجبال من خضرتها ونثر غبارها على معالم القلعة الأثرية. ومن خلال أعمال الترميم في الطاحونة الملاصقة للقلعة، اكتُشفت أربع فتحات على شكل قناطر كانت تعبرها المياه داخل الطاحونة.

أعمال الترميم جاءت قبل 5 سنوات بمبادرة من جمعية الإنماء الاجتماعي والثقافي (انماء) ومؤسسة SRI انترناشيونال وبلدية حامات وتحت اشراف المديرية العامة للآثار في وزارة السياحة، في إطار مشروع توسيع نطاق الفرص الاقتصادية الممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وتم يومها إنشاء سور حول الأراضي المحيطة بطول 600 متر مع وضع بوابات للدخول والخروج، فضلاً عن تأهيل درج القلعة ووضع حماية حديدية له وتأهيل الفتحات والممرات والطاحونة الأثرية فيها لضمان سلامة الزوار بإشراف وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار التي خصّصت مكاناً لسكن حراس القلعة وحمامات للزوار. وتم وضع لوحتين ارشاديتين عن تاريخ القلعة بالعربية والإنكليزية والفرنسية لتعريف الزوار بها. وجرى تركيب أجهزة لإنارة القلعة وواجهتها. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2010 أطلق مشروع إعادة تأهيل محيط القلعة من خلال استصلاح الجبال المحيطة بها وإعادة نثر البذور الحرجية التي تولتها جمعية G البيئية.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)