ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

قلعة الفهيدي : أقدم مبنى في دبي.. بأحجاره المرجانية وأبراجه الدفاعية Emirats Arabes Unis - Doubaï - Citadelle

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاربعـاء 14 شعبـان 1433 هـ 4 يوليو 2012 العدد 12272
الصفحة : عين الشرق
دبي (الإمارات العربية المتحدة) : شاكر نوري


من ديوان الحاكم إلى معسكر إلى أول سجن.. ثم إلى متحف


قلعة الفهيدي العريقة.. وسط أبينة دبي الحديثة («الشرق الأوسط»)

وسط الأبنية الحديثة نسبيا في منطقة بر دبي، بإمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، تظهر قلعة الفهيدي - أو حصن الفهيدي - التي يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1799، وهي بالتالي من أقدم مباني دبي بأبراجها الحجرية الشاهقة، وبالمركب الخشبي الذي يستقر فوق سطحها كمنحوتة.

كانت القلعة في بداية أمرها مقرا لديوان الحاكم. ومن ثم تعددت استخداماتها، فأصبحت معسكرا لجنود المشاة ثم تحولت إلى أول سجن في دبي، وبعد ذلك استقر بها الحال لدى تحويلها إلى متحف افتتح عام 1971، وجرى تحديثه عام 1993، ولقد افتتحه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله.

يجسد هذا المتحف جوانب الحياة التي عاشها أهالي دبي قديما من خلال نماذج البيوت العربية التقليدية والمساجد والأسواق ومزارع البلح وحياة البدو وسكان السواحل. كما تعرض فيه صور لرحلات الغوص وصيد اللؤلؤ، التجارة التي كان يعتمدها أهالي دبي قديما، وصور لحفريات وتنقيبات سابقة في الإمارة يعود تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وتظهر في القوارب الخشبية الصغيرة.

كانت هذه القلعة، في الواقع، مقر الحاكم حتى عام 1896، حين قرر الحاكم الانتقال إلى منطقة الشندغة. وتتموضع القلعة في وسط بر دبي باعتبارها مركزا دفاعيا ونقطة مراقبة تنذر من اقتراب المخاطر. ومن حيث الشكل فإن القلعة مربعة، تقدر مساحتها بنحو 1535 مترا مربعا، حجارتها مرجانية مطلية بالجص، ومسقوفة بجذوع النخيل والخشب، تحيط بها ثلاثة أبراج دفاعية. وتتكون من ثلاث ردهات ذات نوافذ وأبواب ضيقة مطلة على الساحة المكشوفة.

ثم إن البناء ذو طابقين؛ سطحه العلوي غير مسقوف وهو معد لأغراض دفاعية، إذ تحتوي أسواره الحجرية العليا على فتحات للبنادق، وقد ثبّتت في ما بعد مدافع قاذفة للكرات في الزاوية الشمالية الشرقية. أما بوابتها فقد صنعت من خشب «التيك»، وعليها حلقة نحاسية مستديرة الشكل زين أعلاها بعبارة دينية، بينما دوّن في أسفلها اسم الحاكم الشيخ سعيد بن مكتوم، وهو جد الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي الحالي. وفي زاوية إحدى فرجتي البوابة الرئيسية، توجد بوابة صغيرة تستخدم للمرور عند إغلاق البوابة الرئيسية.

ويحتوي المتحف على مجسمات وخرائط وصور، وأدوات تقليدية مستخدمة في منطقة الخليج العربي عبر القرنين الماضيين، من ضمنها موروثات ومقتنيات تعود لأكثر من خمسة آلاف سنة، مرورا بالحضارة العربية الإسلامية. ولقد اعتمدت هذه العروض على أحدث أساليب التكنولوجيا الحديثة، من عروض سينمائية وتلفزيونية ومؤثرات صوتية ونماذج حية، توثق للحياة البرية في الصحراء من أشكال الطيور والحيوانات ومصادر المياه.

وتشتمل أقسام أخرى على موروثات إماراتية مثل رقصات شعبية وأدوات موسيقية: من طبول، ودفوف، ونايات، ورباب، وطنابير (جمع طنبورة). بالإضافة إلى رقصة العيالة الشعبية.

وتوجد في المتحف أيضا نماذج للسكن القديم، المتمثل في العريش، وهي المساكن الصيفية لسكان البحر، المشيدة من جريد النخيل. وهناك «البراجيل» وهي الطريقة الإماراتية الشهيرة في التهوية والتبريد في فصل الصيف القائظ. وفي زوايا المعرض، يمكن رؤية الرياضات العربية القديمة: سباق الهجن والخيول والصيد بالصقور، إضافة إلى الأزياء والحلي والمفارش والسفن المحلية على أنواعها: الجالبوت والسنبوك والصمعاء والبقارة والبغلة والشوعي والشاشة والهوري والبانوس. وهناك عرض لطريقة تصنيع السفن، وعروض خلابة تمثل رحلة الغواص بملابس الغوص التقليدية في البحث عن المحار. كذلك هناك مئات اللقى والقطع الأثرية النادرة والأدوات المستخرجة من المدافن التي تجسد تاريخ دبي ومراحل تطورها. وللعلم، جرى استخراج القطع الأثرية من مواقع دبي الأثرية التي تعود إلى القرنين الأول والثاني قبل الميلاد: حتا والصفوح والقصيص وجميرا، وهي أدوات برونزية من الخناجر والرماح والجرار والأواني الحجرية والنحاسيات والخزفيات والفخاريات القديمة.

لم ينقطع التطوير على هذه القلعة إذ جرى افتتاح قسم جديد تحت الأرض، ألحق عام 1995 بالقلعة حيث تعرض نماذج من الأسلحة وألبسة الحرب القديمة. ويسعى متحف دبي إلى الدمج بين الحاضر والماضي بأسلوب عصري، إذ يقوم بعرض بياناته ومعلوماته بأساليب تقنية حديثة، تعتمد على الصوت والصورة.

ويمكن القول إن بلدية دبي استخدمت هذه القلعة في أفضل صورها، إذ ليس هناك أعظم من المتحف الذي يعبر عن تاريخ تطور هذه الإمارة، من خلال التركيز على البشر وكيف كانوا يعيشون في مواجهة البحر. ولا يمكن لأي زائر لدبي أن يتخطى هذا المكان بكل ما يزخر به من مقتنيات نادرة، مع الإشارة إلى أن عملية الحفظ كانت صعبة للغاية في عالم صحراوي، لم يعتد على التخزين والحفظ والتسجيل. وقلعة الفهيدي – أو حصن الفهيدي – حقا من الأماكن النادرة التي تحتفظ بهذه المقتنيات الرمزية القديمة وسط رياح الحداثة العمرانية التي تجتاح دبي، ولا تكاد تترك أثرا لما هو قديم وأصيل.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)