قصبة تلوات تستعيد زمن توافد علماء الأندلس

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الجمعة، ٦ مارس/ آذار ٢٠١٥
جريدة الحياة
ورزازات (المغرب) - فاطمة عاشور


تشتهر مدينة ورزازات بقصباتها التاريخية، ومن بينها قصبة تلوات التي تبعد عن المدينة الملقبة بـ «هوليوود أفريقيا» 70 كيلومتراً، وهي قرية أمازيغية تقع على «طريق الملح» للقوافل من منطقة الصحراء في جبال الأطلس إلى مدينة مراكش، وترتفع عن سطح البحر 1800 متر، وكانت مقراً لسلطة أسرة التهامي الكلاوي.

ويعد الكلاوي من أوائل الذين جربوا زراعة القطن في المغرب، فقد أحضر مختصين مصريين لهذه الغاية. وهو أول من جلب رياضة الغولف إلى بلاده عام 1924، وأقام ملعباً كبيراً في مراكش بلغت مساحته 90 هكتاراً. وكان ذا علاقات وصلات عديدة، حتى أنه تلقى دعوة لحضور احتفالات زواج ملكة بريطانيا العظمى إليزابيث الثانية باعتباره في مقام رجل دولة، وكان صديقاً لرئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل الذي حل مراراً ضيفاً على عليه في مدينة مراكش.

وكان للكلاوي اهتمام كبير باقتناء الكتب، إذ امتلك مطبوعات ومخطوطات نادرة. وكان من بين ضيوفه في مراكش الممثل والمخرج تشارلي شابلن. كما كانت له صداقات كثيرة مع شخصيات بارزة، مثل الموسيقي الفرنسي موريس رافيل والأديب الأميركي إرنست همنغواي.

وقد نهض الباشا الكلاوي ببناء القصبة عام 1860 بمشاركة أكثر من 300 حرفي محلي وآخرين من مناطق مغربية مختلفة. وتتكون القصبة من دروب متفاوتة الأطوال ومداخل مقوسة ومزخرفة بالفسيفساء. كما حرص الكلاوي على تزيين غرفها بالزليج المنحوت. وتتميز غرفة الاستقبال بنمط معماري فاخر، وبأبواب ونوافذ مصنوعة من خشب العرعار. وتحتوي سقوفها على نقش مغربي من خشب الأرز المزوّق بأزهى الألوان، في هندسة تجمع بين الحس الجمالي الأندلسي والذوق الأمازيغي. بعد استقلال المغرب عرفت القصبة ركوداً وتقهقراً كبيرين في عهد ورثة الكلاوي، وطاولها الإهمال على رغم ما تمثله من ثروة تاريخية وحضارية. وهي غائبة عن المطبوعات والكتب السياحية التي تعرف بالمؤهلات السياحية للجنوب المغربي.

وتعني قصبة تلوات بالأمازيغية مكان التجمع واللقاء، أسسها محمد تييط في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبعد وفاة مؤسسها انتقلت إلى ملكية عائلة الكلاوي التي أشرفت على استكمال بنائها وإعطائها جمالية هندسية.

وتقول الرواية عن هذه القرية الأمازيغية: «يحكى أن القرية كانت في قديم الزمان عبارة عن بحيرة محاطة بغابة كثيفة من أشجار مختلفة، منها البلوط والصنوبر واللوز. وإثر سقوط الممالك الإسلامية في الأندلس توافد بعض علماء الأندلس إلى المنطقة واستقروا في بعض الدواوير (القرى الصغيرة)، وشرعوا في تعليم القرآن الكريم للسكان، وأطلقوا عليها اسم تلوات، أي» اقرأوا القرآن» بالأمازيغية. فيما يربط البعض الاسم بالطريق الملتوية التي تربطها بالعالم الخارجي. وتقول روايات أخرى إنه في أواخر القرن الحادي عشر الذي عرفت فيه الأندلس صراعات بين ملوك الطوائف، ونتيجة للاضطهاد الذي عرفه العلماء آنذاك وبعض الأمراء من جانب الإسبان، فر بعضهم إلى المغرب للاستقرار باحثين عن منطقة مشابهة للأندلس. ومن بين هؤلاء خمسة علماء متفقهين في الدين رغبوا في الخلوة ليعملوا على تفسير تعاليم الدين الإسلامي، وهم ورغال، حكيم، منصور، غيث، وبولفولفول الذي سمي باسمه موسم ديني يقام في 17 آذار (مارس) من كل سنة.

وتضيف الرواية أن العالم سيدي ورغال قدم ذهباً ثمن «تلوات» التي كانت عبارة عن حدائق تتدفق فيها المياه وتتميز بمناظر طبيعية خلابة. وقد أحضر الميزان إلى هضبة أطلق عليها اسم «توريرت نلميزان» بالأمازيغية، وتعني «عيني هضبة الميزان»، ووزن عدة أرطال من الذهب مقابل ضمان الأمن للعلماء الوافدين من الأندلس.

إضافة إلى القصبة، تضم قرية تلوات العديد من المؤهلات السياحية الطبيعية من جبال ووديان وبحيرة تمدا. لكن واقع سكانها مقلق، فهم يعيشون في عزلة تهددهم الأمطار الغزيرة والثلوج والفيضانات المتكررة وخصوصاً في وادي هونيلة وتاسكة.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)