فيروز عصفورة الساحات : الحب.. رفيق الحياة..!

, بقلم محمد بكري


جريدة الرياض السعودية


النسخة الإلكترونية من صحيفة الرياض اليومية
الثلاثاء 18 محرم 1436 هـ - 11 نوفمبر 2014م - العدد 16941
«ثقافة اليوم» - الرياض - إبراهيم الوافي


عبر صوتها الممتدّ من أول الحنين حتى آخر الشجن.. من فتنة الورد حتى هجيع المنازل.. من دوخة الرقص حتى عودة المقاتل.. استطاعت فيروز أن تجمع الأجيال على عناقها في صباحات المدن العربية العابسة.. حيث ظلت دائما وجهة الأذواق المختلفة عندما استطاعت وبذكاء مدهش تحويل مفهوم الحب في الأغنية العربية من حب الآخر إلى حب الوجود فيه، ففيروز أو (نهاد رزق وديع حداد) المولودة في 21 نوفمبر 1935 م التي تحمل دائما في دمائنا جينات الحنين خرجت للضوء أغنيةً أول مرة وهي ذات خمس سنوات كمغنية كورس في الإذاعة اللبنانية حيث اكتشف صوتها الموسيقي محمد فليفل وضمها لفريقه الذي كان ينشد الأغاني الوطنية. وألَّف لها حليم الرومي مدير الإذاعة اللبنانية أول اغانيها وكانت انطلاقتها عام 1952 عندما بدأت الغناء لعاصي الرحباني..في حوار تلفزيوني لها في القاهرة في عام 1989م قالت إن الحب رفيق الحياة.. كأنها أدركت بعد ربع قرنٍ من الزمان أنها عصفورة الساحات التي نذرها أهلها للشمس والطرقات وبشارات الصباح الحالمة.. لانعرف عن فيروز إلا أنها ملهمة الوجود للشعراء.. وإطار الأحلام للفنانين.. ولذة الحقيقة للفلاسفة، الحب في أغنيتها إنساني الملامح دائما وصوفي اللحظة.. في صوتها مدينة من الملح والسكر يرمي الناس فيها نفاية أوجاعهم على أرصفة الظلال.. وفي حضورها عرس الناي وطريق النحل وانتباهة الصباح لليل.. اجتمعت الأجيال عليها حين تغرّب الغناء فينا واختطفته الصورة وغيّبه الإغراء وابتذلته الكلمة، في صوتها تأويل رؤيوي قادر دائما على أن ينشر الدفء في معاطف البرد، فضلا عن نخبويتها الغنائية على مستوى اللحن والكلمة لفيروز حنجرةٌ من خلود تميزت بتفرّدها النادر على مدى عصور الغناء العربي، فالصوت الفيروزي لايكاد يتقاطع أو يتشابه مع أي من الفنانين في كل عصور الغناء العربي، ومن المستحيل أن تخطئ الأذن فيه يوما وهو مالم يتوافر لغيرها من الفنانين، إضافة إلى قدرة هذا الصوت على استيعاب جميع أشكال التفرّد والتغريب في اللحن، وهو ما أدركه الرحابنة وأسسوا من خلاله مشروعهم الموسيقي المختلف والمنعزل عن سياق الأغنية العربية في زمن الطرب الجميل..

عن علاقتها بالشعر والشعراء ليس إلا مساحة من الرؤيا وانعتاق من الوحدة وسلام مع الشجن ففيروز التي اختطّ الملحّنون من خلال صوتها تجريبهم وتغريبهم ومحاولاتهم الدائمة في اختراق النمطي والسائد من الألحان الشرقية، انتقت دائما من قصائد الشعراء نخبويتهم ليس على مستوى القصائد الفصحى كمواكب جبران أو الموشحات الأندلسية أو غيرها من القصائد ذات الأبعاد النفسية المؤثرة، بل حتى على مستوى المحكي، والمتأمّل مثلا لأغنياتها الأشهر على مدى تاريخها يلمس بوضوح تلك الكلمة السهلة الممتنعة والنخبوية في رؤياها، وحسبنا مثلا أغنيتها الوطنية الشهيرة (سوارة العروس) من كلمات جوزيف حرب والتي جاء فيها:

(لما بغنّي اسمك بشوف صوت غِلِي

ايدي صارت غيمة وجبيني عِلِي

الشمس بتطلع سودا وبيبس الموج

إذا بفكّر إنه ترابك مش إلي)

وغيرها من أغانيها ذائعة الصيت، مثل (عتم الليل، أسامينا، أنا عندي حنين، الخ)

إنها فيروز صوت الحياة وعصفورة الوجود وخارطة الصباحات المسالمة تلك التي قال عنها أنسي الحاج.. ليتني ألمس صوتها..!

عن موقع جريدة الرياض السعودية


جريدة الرياض أول جريدة يومية تصدر باللغة العربية في عاصمة المملكة العربية السعودية صدر العدد الأول منها بتاريخ 1/1/1385ه الموافق 11/5/1965م بعدد محدود من الصفحات واستمر تطورها حتى أصبحت تصدر في 52 صفحة يومياً منها 32 صفحة ملونة وقد أصدرت أعداداً ب 80-100 صفحة وتتجاوز المساحات الإعلانية فيها (3) *ملايين سم/ عمود سنوياً وتحتل حالياً مركز الصدارة من حيث معدلات التوزيع والقراءة والمساحات الإعلانية بالمملكة العربية السعودية، ويحررها نخبة من الكتاب والمحررين وهي أول مطبوعة سعودية تحقق نسبة (100٪) في سعودة وظائف التحرير.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)