فرنسا - روبوت يطبع الكتب في دقائق

, بقلم محمد بكري


جريدة الرياض السعودية


النسخة الإلكترونية من صحيفة الرياض اليومية
السبت 24 جمادى الآخرة 1437 هـ - 2 أبريل 2016م - العدد 17449
«ثقافة اليوم» - باريس - حسان التليلي


عبر «روبوت» يطبع الكتب في دقائق

دار «منشورات فرنسا الجامعية» تعود من جديد قرب «السوربون»


سيبقى يوم السادس عشر من شهر مارس عام 2016 يوما مهماً في مسار دار “منشورات فرنسا الجامعية” التي كتبت صفحات مجيدة من عصرها الذهبي من خلال المكتبة التي كانت لديها عند مدخل ساحة “السوربون” في العاصمة الفرنسية.

ففي ذلك اليوم افتتحت دار النشر هذه على بعد مئات الأمتار من مقر المكتبة القديمة مكتبة جديدة تعد اليوم أحدث المكتبات الأوروبية التي تسعى إلى إقامة جسور حقيقية بين العوالم الافتراضية والعوالم الواقعية أو بين الطباعة الورقية من جهة والطباعة الرقمية من جهة أخرى.

وأهم ما في المكتبة الجديدة التابعة لدار “منشورات فرنسا الجامعية” والواقعة في نهج “مسيو لوبرانس” كاتالوج مسجل على “حاسوب لوحة” وروبوت يشبه إلى حد كبير آلة لنسخ الأوراق ولكنه يؤدي دور المطابع التقليدية، أي أنه يسمح بطبع كتب لا بآلاف النسخ ولكن بنسخة أو بنسختين في فترات سريعة تحسب بالدقائق لا بالأشهر.

نسخ ورقية من 3 ملايين عنوان

يسمى هذا الروبووت “إكسبريس بوك ماشين” أي الآلة التي تطبع كتباً في وقت سريع جداً. ويعزى الفضل في صنعه إلى تعاون مشترك بين شركتين أمريكيتين هما شركة “غزيروكس” وشركة “أون ديماند بوكس”. وهو قادر على طبع الكتب بمعدل كتاب واحد في بضع دقائق شرط ألا تتجاوز صفحاته 850 صفحة وأن يكون مطبوعاً بدون ألوان انطلاقاً من كاتالوج فيه خمسة آلاف عنوان من عناوين دار “منشورات فرنسا الجامعية” تضاف إليها ثلاثة ملايين عنوان يمكن إعادة طبعها بدون أن تكون الدار بحاجة إلى الحصول على إذن من هذا الطرف أو ذاك لطبعها نظرا لأنها أصبحت جزءا من الملكية العامة أي تلك التي يمكن إعادة طبعها بحرية ودون دفع أي مقابل لأي طرف حسب قوانين النشر المعمول بها في فرنسا. ولا بد من الإشارة إلى أن بين الكتب التي تتولى المكتبة الجديدة التابعة لدار “منشورات فرنسا الجامعية” إعادة طبعها دون أن تفرض عليها رسوم بموجب حقوق التأليف أو النشر 350 ألف كتاب باللغة الفرنسية. وفي هذا الرصيد كثير من الكتب الجامعية.

ويقول فريدريك ميريو مدير عام هذه الدار: “كنا نعتقد أن النظام الرقمي سيقضي بسرعة على الكتاب المطبوع. ولكن ذلك لم يحصل. بل إن هذا الروبوت من شأنه في المستقبل” السماح للكتب المطبوعة التي أصبحت نادرة أو التي لا يمكن طبعها بآلاف النسخ لسبب أو لآخر بأن تكون لها حياة جديدة".

ومن العوامل التي شجعت دار “منشورات فرنسا الجامعية” على استخدام الروبوت لطبع الكتب الجامعية النادرة التي يصعب اليوم إعادة نشرها بالطرق التقليدية أن في إعادة طبعها حسب الطلب بمعدل نسخة أو نسختين فوائد عديدة منها أن كلفة الحصول عليها لا يكلف مشتريها أموالاً إضافية نظراً لأنها تباع بالسعر ذاته الذي يدفعه مشتروها في حال اقتنائها من المكتبات التقليدية.

وصحيح أن طبع مثل هذه الكتب بنسخ لا تتجاوز الواحدة أو الاثنتين يكلف دار النشر أكثر مما تكلفه عملية الطبع الكلاسيكية التي تقاس بآلاف النسح على الأقل. ومع ذلك فإن طبع الكتب عبر الروبوت يوفر على الناشر نفقات كثيرة منها تلك التي تتعلق بنقل الكتب المطبوعة من المطابع إلى المخازن ثم إلى المكتبات ونقل النسخ التي لاتباع من المكتبات إلى المخازن ومن المخازن إلى الأماكن التي يتم فيها إتلاف النسخ التي لاتباع والتي تطول مدة إيداعها في المخازن.

كما تعد طريقة الطبع الجديدة عبر الروبوت وسيلة من وسائل الحفاظ على البيئة نظراً لأن توفير كل طبعة من الطبعات الكلاسيكية أو التخلص من جزء من كتبها أمر يتطلب استهلاك كميات كبيرة من المياه والحبر والورق والطاقة.

طريقة ثأر حضارية

ومن يدقق هذه الأيام في وجه مدير عام دار “منشورات فرنسا الجامعية” يلاحظ أنه فخور جداً بالروبوت الجديد الذي يعول عليه كثيراً ليثأر لهذه الدار من الطريقة التي اضطرت من خلالها إلى الابتعاد في عام 2005 عن مقر جامعة “السوربون” الباريسية الشهيرة التي بنت عليها الدار أمجادها. ففي عشرينات القرن الماضي، ساهم عدد لا بأس به من أساتذة هذه الجامعة في إطلاق الدار والمكتبة التي كانت توجد في مدخل ساحة “السوربون” من الزاوية اليمنى علماً أن هذه الساحة معروفة بمقاهيها التي تعج بالطلبة والأساتذة والسياح وبفوارتها التي يلوذ بمياهها الأطفال في الصيف عند ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير معهودة.

وشقت دار “منشورات فرنسا الجامعية” طريقها إلى الشهرة في فرنسا وخارجها أيضاً عبر سلسلة أطلقتها في إطار اهتمامها الخاص بالنشر الجامعي وسمتها سلسلة “ما الذي أعرفه؟”. وتقوم فكرة هذه السلسلة على تقديم خلاصة المعارف حول هذا الموضوع أو ذاك أو هذا التخصص أو ذاك في كتب جيب وفي قرابة مائة وثمان وعشرين صفحة تكتب بشكل مبسط وبأقلام خيرة الأساتذة والخبراء والعلماء. وقد أصدرت الدار في إطار هذه السلسلة أكثر من أربعة آلاف عنوان ترجمت غالبيتها إلى أكثر من 40 لغة.

ولكن الثورة المعلوماتية والرقمية التي حصلت في دنيا الاتصال والنشر والإعلام في نهاية القرن الماضي وبدايات القرن الحالي أثرت سلباً في طرق الطباعة والنشر التقليدية وفي طرق التعاطي مع المطالعة مما جعل دار “منشورات فرنسا الجامعية” تغلق مكتبتها التي كانت تقع عند مدخل “ساحة السوربون”. وتحولت المكتبة إلى محل لبيع الثياب مثلما تحول مقهى “كلوني” غير البعيد عن هذا المكان من شبه مكتبة يراجع فيها الطلبة الجادون دروسهم وتحلو فيها الثرثرة بالنسبة إلى المثقفين العرب المقيمين في باريس أو زائريها إلى محل لبيع البيتزا.

لكل ذلك، تعد مكتبة دار “منشورات فرنسا الجامعية” التي افتتحت يوم 16 مارس 2016 في نهج “مسيو لوبرانس” غير بعيد عن “ساحة السوربون” حدثاً ثقافيا هاما ومكتبة استثنائية تسعى الدار من خلال الروبوت الذي وضع فيها إلى الثأر لنفسها ولعصرها الذهبي بشكل يقوم على المعرفة وعلى ربط جسور بين الماضي والحاضر والمستقبل تصنع برائحة الورق المطبوع وثراء سعة الكاتالوج الرقمي.

وإذا كانت هذه “المطبعة الروبوت” التي تطبع الكتب في دقائق قرب جامعة السوربون هي الأولى من نوعها في أوروبا، فإنها أصبحت جزءاً من عوالم عدد من مكتبات الجامعات الأمريكية والكندية والأسترالية وبعض جامعات البلدان العربية الخليجية.

عن موقع جريدة الرياض السعودية


جريدة الرياض أول جريدة يومية تصدر باللغة العربية في عاصمة المملكة العربية السعودية صدر العدد الأول منها بتاريخ 1/1/1385ه الموافق 11/5/1965م بعدد محدود من الصفحات واستمر تطورها حتى أصبحت تصدر في 52 صفحة يومياً منها 32 صفحة ملونة وقد أصدرت أعداداً ب 80-100 صفحة وتتجاوز المساحات الإعلانية فيها (3) *ملايين سم/ عمود سنوياً وتحتل حالياً مركز الصدارة من حيث معدلات التوزيع والقراءة والمساحات الإعلانية بالمملكة العربية السعودية، ويحررها نخبة من الكتاب والمحررين وهي أول مطبوعة سعودية تحقق نسبة (100٪) في سعودة وظائف التحرير.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)