رواية “غيوم فرنسية” للكاتبة المصرية ضحى عاصي روايات في رواية، فكل شخصية من شخصيات هذا العمل تستحق أن تروى عنها رواية

فكرة كتابة التاريخ روائياً، ليست بالأمر السهل، فالكاتبة والكاتب عليه أن يمتلك ثقافة واسعة، الإلمام بالعصر الذي يستهدفه المام المتخصص. دقة اختيار للموضوع حتى لا يتشعب وتفلت خيوط الحبكة من بين أصابعه. من شخصيات إلى حيز زمني ومكاني ثم اختيار الزاوية التي سيسلط ضوء حكايته منها. اختيار ألاعيب مبتكرة للسرد؛ من تنوع أصوات الرواة، إلى سرد، تنامي الأحدث، ووصف الأمكنة وما يجول في أعماق شخصياته.
أن تكتب عن التاريخ، لا يعني أن تنقله كما حدث أو تتقيد بشخصياته وأحداثه، بل أن يكون خلفية ليس إلا، كما يصنع الرسام بلوحاته. خلفيه لتاريخ متخيل تصنعه مخيلتك، شخصياته من المهمشين، لتنقل أثر أحداث جسام على المجتمع من خلال الفرد، وتنسج تاريخا اجتماعيا لم يحدث ولم يتخيله غيرك. أن تكتب ما لم يكتب. كثيرون يعرفون بأن ما هو مدون فيما يسمى بكتب التاريخ ما هو إلا سير للطغاة، وتاريخ للمنتصر يتقرب به من يكتبونه بالتهويل والتزييف.

الرواية التاريخية هي ما ينقل كاتبها مما جاء فيما يسمى بكتب التاريخ، إيمانا منه بصدقها وعظمتها، مثلما هي روايات باكثير وجرجي زيدان. أما الرواية المتخيلة لتاريخ مفترض فمختلفة، كما صنع محمد المنسي قنديل، وأمين معلوف، ورضوى عاشور، وسلوى بكر، وغيرهم من الروائيون المعاصرين ممن اتخذوا من أحداث وشخصيات بعينها مادة لبعض أعمالهم الروائية، لينسجوا من مخيلتهم ما قرأناه من فن. قد يستدعي البعض حادثة تاريخية أو شخصية حقيقة، ليسقط الحاضر وما يعتمل فيه، إيمانا منه أن التاريخ يكرر نفسه.

رواية “غيوم فرنسية” اشتغال جديد على أحداث من التاريخ، وزادت تلك تفاصيلها الكثير من المعارف، لتصنف بالرواية المعرفية، غاية في التشويق بوصفها الباذخ، وبوح شخصياتها الذي جعلها أكثر فهما للمتلقي. إضافة إلى تداخل ثقافات عدة لتتماهى الهويات. ما جعلها أقرب إلى مشاهد متلاحقة لفيلم سينمائي، لحياة مجتمع يعيش صراعا دمويا، حين تسفك الدماء وتحرق المساكن والمنشآت وتنهب الممتلكات. ليس لشيء إلا لاختلاف الدين. هي سياسة من المتسلطين من الممالك العثمانية، لجعل المجتمع منشغلاً عن بطشهم وتسلطهم. وهو ما يحدث اليوم باسم الدين، ليس في قطر بعينه، بل بموجات دموية تلف الكرة الأرضية، فكل دين يكفر الآخر، وكل مذهب لا يرى في غيره إلا مارقا وضالا وعليه بقتالهم...

رابط : المقال على موقع ميدل ايست اونلاين (meo)

أخبار أخرى

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)