عيد الحب المصري .. عشاق يعيدون نحت أساطير الأجداد

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
5 نوفمبر/تشرين الثاني 2014
القاهرة ـ من مروة جمال


أمتار قليلة من كورنيش النيل؛ مقصد العشاق في ذكرى عيد الحب المَحَلِّي الذي يصادف الـ4 من نوفمبر/ تشرين ثاني من كل عام، تقبع إحدى أشهر القطع الأثرية المعبرة عن الحب في مصر القديمة، بداخل المتحف المصري وسط القاهرة.

ورغم تراجع مشهد اصطفاف العشاق في منطقة الكورنيش؛ في مشهد كان يبدو وكأنه مناجاة مع النيل عن سر الحب، هذا العام، ربما تأثرا بأوضاع البلاد السياسة والاقتصادية، مازال يقف تمثال السيدة الفرعونية بارعة الجمال، نفرت؛ أي المرأة الجميلة، في المتحف المصري (وسط القاهرة)، بجوار تمثال بنفس الحجم لزوجها مرتديا تميمة فرعونية على هيئة قلب تعبيرا عن حبه لها، ليذكر المصريين بأنهم أول من صنع وارتدى تميمة الـ”إيب”؛ أي القلب بالفرعونية، من الذهب والفضة كي يهديها لمحبوبته، حسب عالم المصريات بسام الشماع.

الشماع قال أيضا في حديث لوكالة “الأناضول” إن الفراعنة “أول من اخترع كلمات لتمسية أهل الحب فكانوا يطلقون مِري على المحبوب ومِريت على المحبوبة؛ بل وزادوا على ذلك بتسمية مصر تا مِري؛ ومعناها الأرض المحبوبة تعبيرا منهم عن ارتباطهم الشديد بوطنهم لدرجة الحب والغرام”.

وروى عالم المصريات قصة الحكيم الفرعوني “آني” الذى أهدى لابنه “خنوم حتب” حكما ومأثورات عن الحب، قام بخطها على أوراق البردي التي وصلت إلى يد الأثريين ونجحوا في حفظها وترجمة فحواها.

وأشهر هذه البرديات بردية “بولاق” وبردية “شستر بيتي” الموجودة في المتحف البريطاني، حسب الشماع.

وفي إحدى البرديات، قال الحكيم: “في البيت أسباب تؤدي للخصام على القلب أن يتجنبها؛ لذا لا تراقب زوجتك في بيتك مادمت تعرف أنها كفء؛ ولا تقل لها أين يوجد هذا؟ أحضريه.. طالما أنها وضعت هذا الشئ في مكانه الصحيح؛ فلتراقبها بعينك بينما تظل أنت صامتا؛ أما عندما تمسك زوجتك بيدك فاعلم أن هذا شئ طيب وسعيد لأن الكثيرين لا يعلمون ذلك”.

كما جاء فيها: “إذا كان الرجل لا يريد خصاما في بيته فعليه ألا يبدأ”، كما حذر الحكيم “آني” في بردياته من الوقوع في غرام إمرأة ليست من مصر الفرعونية قائلا: “لا تسر في ركاب امرأة أجنبية ولا تسمح لها بأسر قلبك”، حسب الشماع.

ولفت الشماع إلى نص فرعوني قديم قامت بترجمته عالمة الآثار الفرنسية نوبلكور يحكي قصة شاب مصري وقع في غرام فتاة فرعونية فذهب إلى كبار بلدتها وطلب منهم أن يأخذوا عليه عهدا بأن يضرب 100 ضربة إذا ما تسبب لها يوما في أذى أو إهانة بعد الزواج.

كما لفت إلى أن علاقات الحب في مصر الفرعونية كانت مقدسة وكانت غالبا ما تؤدي إلى الزواج؛ إذ كان المصري القديم يتزوج في سن الثامنة عشر والفتاة في سن الرابعة عشر لأن متوسط أعمار الفراعنة كان 45 عاما فقط.

كما كان المصريون القدماء أول من تداولوا قصص وأساطير المحبين، وفق الشماع، كقصة “سنوحي وتبكاهيت” التي تعد من أشهر القصص التي جاءت في الأدب المصري القديم.

فسنوحي الذي هرب من مصر إلى فلسطين بعدما وُشي به عند الملك سنوسرت الثالث، عاد بعد أن عفا عنه الملك ووجد محبوبته فارقت الحياة، “فطلب من سنوسرت الثالث أن يبني له قبرا بجوار قبرها كي لا يفارقها بعد الموت كما فارقته في الحياة”، كما قال الشماع.

وكتب سنوحي في رثاء محبوبته “أصبحت كمثال فقد يديه؛ أو رسام فقد بصره؛ أو مغنٍ فقد صوته؛ أو قارب تحطم شراعه؛ أو طائر انكسر جناحه؛ أصبحت كقوس بغير سهم وسماء لا نجوم فيها.. لأني بعيد عنك”.

وعرفت مصر الفرعونية أشهر قصة حب وثقها التاريخ بين قلبي الملك رمسيس الثاني وزوجته نفرت إيري أو نفرتاري كما شاع بين المصريين، وتجلى هذا الحب في معبد “حتحور” الذي أمر الملك العاشق بنحته لزوجته بجوار معبده في أبوسمبل (بأسوان جنوبي مصر)، وأمر بأن تصنع تماثيلها بنفس حجم التماثيل الخاصة به تقديرا لها.

ونقشت على جدران المعبد كلمات رقيقة وصف فيها الملك مليكته بـ”ربة الفتنة والجمال وجميلة المحيا وسيدة الدلتا والصعيد، حسب الشماع.

وتعد نفرتاري المعروفة بإسم زوجة الإله آمون الزوجة الوحيدة من زوجات رمسيس الثاني التي نحت لها معبدًا خاصًا إلى جوار معبده الكبير بمدينة أبوسمبل، وبعد موتها شيد لها أحد أجمل المقابر في وادي الملكات بالبر الغربي بالأقصر(جنوب)، وكتب في رثائها “هي التي من أجلها كانت تشرق الشمس″.

كما اعتز المصري القديم كثيرا بقصة حب نفرتيتي لزوجها الملك إخناتون الذي دعمته بقوة حينما قرر تغيير ديانته وعبادة الرب الأسطوري آتون، وذهبت معه إلى “المنيا” (وسط) لتشييد عاصمته الجديدة رغم الحرب الضروس التي شنها عليه كهنة معبد الإله آمون.

وخلدت إحدى جداريات “تل العمارنة” (بالمنيا) صورة شهيرة للملكة الشابة وهي تقف مع زوجها الملك على عجلة حربية في صورة تشبه إلى حد كبير صورة “جاك” و”روز″ بطلي فيلم “تيتانيك”، الشهيرة وهما على متن السفينة.

وعلى نفس الدرب سار الملك أمنحتب الذي وقع في غرام الفتاة “تي” ذات البشرة السمراء وأصر على الزواج منها مخالفا التقليد الفرعوني الذي ينص على ضرورة أن تكون الملكة من سلالة ملوك، وفق الشماع.

وأخيرا عرفت مصر الفرعونية قصة “ضحية الحب” أو “جولييت المصرية” كما يطلق عليها العالم الأثري محمود المندراوي.
وضحية الحب هي “إيزادورا” التي عاشت في المنيا وكان والدها حاكم الإقليم وقادتها الأقدار للوقوع في حب ضابط مصري ولكن والدها تصدى لهذا الحب بقوة فانتحرت الفتاة غرقا في نهر النيل وهي في سن السادسة عشر؛ ووجد في مقبرتها بمنطقة ” تونا الجبل” مومياء لفتاة غاية في الجمال، حسب المندراوي.

وبعيدا عن القصص الواقعية، يزخر التاريخ الفرعوني بالأساطير الرومانسية، حسب الشماع، وتعد إيزيس أكبر رمز للحب والوفاء والعطاء في مصر الفرعونية، وتحكي أسطورتها عن قصة الحب التي جمعت الزوجين إلى أن أصبح أوزوريس ملكا للبلاد فيستشيط أخاه “ست” غضبا، وينصب له مكيدة يوقعه بها في صندوق ويغلقه ويلقيه بالنهر.

وتحكى الأسطورة أيضا كيف جابت إيزيس البلاد شرقا وغربا وتخطت الصعاب إلى أن اجتمعت ثانية بزوجها وحبيبها لتتلو عليه معوذتها الأقوى فترد له الحياة من جديد، ويعود الحبيبان للحياة وينجبان ابنهما حورس.

تجدر الإشارة لأنه في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بـعيد الحب في يوم 14 فبراير/شباط من كل عام، يحتفل المصريون به في الرابع من نوفمبر/ تشرين ثاني، وهو اليوم الذي اختاره الكاتب الصحفي الراحل مصطفي أمين، ليكون عيدا للحب نزولا على رغبة قراء عموده الشهير «فكرة» الذي نشر في 4 نوفمبر/ تشرين ثاني 1988.(الاناضول)

عن موقع جريدة القدس العربي


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)