عن السير الذاتية النسائية العربية.. هل النساء يعترفن أحسن ؟

تشبه نصوص السير الذاتية النسائية العربية منتزهًا كبيرًا، دقيق التصميم ومتشعب الممرات، لكنه يؤدي إلى مركز واحد. هذا ما سيعيه القارئ بدون شك. إننا بصدد كم هائل من اعترافات نساء أجدن الحديث عن تجربتهن. لنتذكر هذه الجملة التي لا يمكن أن تُنسى: “لا بد من أن يكون الشخص نفسه خير من يكتب سيرة حياته” (3). وهذا برغم ارتياب قارئ السير الذاتية الظاهر: هل يمكن معرفة الحقيقة حول إنسان ما؟ خصوصًا إذا كان ذلك الإنسان امرأة. إن هذا السؤال الارتيابي مشروع لأن كل إنسان يحاول فهم العوامل الداخلية لحياته وخفايا مجمل أفعاله. ومع مزيد من التأمل نجد على الطريق تحفظات مهمة. أليست الطفولة، في حالة من كتب عنها، هي “نص مفقود” حسب تعبير فرويد؟ هل نصدّق تولستوي حين كتب أنه يحتفظ “بانطباع زاه عما شعر به في الشهر السادس من عمره عندما وُضع في إناء خشبي للاغتسال. كان يتذكر رائحة الصابون على الخشب والسطح الزلق الشحمي تحت قدميه” (4). تتذكر فاطمة أوفقير، مثلًا، في سيرتها الذاتية “حدائق الملك”، اللحظات التي تحركت في داخلها أوتار الوطنية: “عبر الاحتكاك بهؤلاء الأشخاص الذين يأتون إلى منزلنا ينظرون في أمر المغرب مستقبلًا أو يستحضرون بتعابير مؤثرة، الإذلال الموجه لعائلة السلطان، تحركت أوتار الوطنية الوليدة في نفسي”. وتتأمل يُمنى العيد اسمها الذي تغير من “حكمت” إلى “يمنى”، (الاسم قضية فلسفية وشعرية في آن)، وتتذكر صورة أخيها الذي لم تره: “كانت أمي قد فقدت صبيًا جميلًا قبل أن تحمل بي، هو أخي عبد الحليم الذي، وإن كنت لم أره، حفظت صورته عن ظهر قلب لكثرة ما سمعت كلامًا عنه”. وتصف الكاتبة السورية ريم هلال محادثة جرت بين والديها بعد ولادتها: “في التاسع عشر من نيسان عام ستين وتسعمائة وألف كان المساء قد غطى تمامًا مدينة اللاذقية حين قدمت مولودة أولى لوالدي. نظرت أمي إلى أبي بعينين دامعتين: لم يأتنا عمر، لم أحقق لك كنية أبي عمر التي بات يطلقها عليك رفاقك. انصرف عن الكلام الذي حمل شيئًا من معارضة القدر ليغرق في تأمل وجهي، ويتفحص بعمق كيف رسمه الله”...

رابط : مقال محمود عبد الغني على موقع ضفة ثالثة

أخبار أخرى

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)