ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

سوق السلاح في القاهرة.. لم يتبق من نشاطاته التاريخية سوى اسمه Egypte - Le Caire - Souk - Armes

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
السبـت 26 رجـب 1433 هـ 16 يونيو 2012 العدد 12254
الصفحة : عين الشرق
القاهرة (مصر) : حنان عقيل


شهد أخيرا مبادرة شبابية لتنظيف آثاره الإسلامية المهملة


تاريخ عريق يحمله شارع سوق السلاح يعود إلى 700 سنة («الشرق الأوسط»)

على بعد خطوات قليلة من مسجد السلطان حسن، وتحديدا في منطقة الدرب الأحمر بجنوب العاصمة المصرية القاهرة، يقع شارع «سوق السلاح»، الذي يعود تاريخه إلى ما يقرب من سبعمائة سنة، ظل خلالها محتفظا بالاسم نفسه.

هذا الشارع يعود بالأذهان إلى ماض سحيق كان فيه جميع سكان الحي يزاولون مهنا تتعلق فقط بتصنيع أو تصليح الأسلحة، إلا أن الوضع تغير الآن تماما ولم يتبق من هذه المهن ما يدل عليها.

لقد احتل «سوق السلاح» مكانته الكبرى أثناء حكم المماليك لمصر، حين كان يقدم خدماته التسليحية للقلعة من رماح وسيوف ودروع، ولكن مع تراجع الطلب على هذه النوعيات من الأسلحة تحوّلت الورش الموجودة في الشارع إلى محلات لإصلاح الأسلحة من مسدسات وبنادق. وفي منتصف القرن الماضي بدأت المهن الحِرفية بالشارع تختفي شيئا فشيئا، حتى تحوّلت أنشطة المحلات إلى مجالات أخرى كخراطة وبيع الخشب أو التجارة في مختلف المجالات.

التجوّل في الشارع يبعث بيقين داخل نفس زائره بأنه شارع له تاريخ عريق، فالكثير من المباني العتيقة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين ما زالت قائمة حتى الآن يتوارثها الأبناء عن أجدادهم، والكثير من الورش والمحلات لم يتغير حالها بقدر ما تغير نشاطها واختلف. وعلى الرغم من أن الشارع زاخر بكثير من الآثار الإسلامية، فإن سكانه لا يعرفون عنها سوى القليل نتيجة لتدهور حالتها، وانعدام البيانات التي توضح تاريخها أو ماهيتها، بل إن بعض هذه الآثار تملؤه القمامة والبعض الآخر مغلق لا يعرف أحد عنه شيئا.

من أبرز الآثار في «سوق السلاح» التي يرجع تاريخها إلى العصر المملوكي بوابة «منجك السلحدار» التي كانت تعدّ المدخل الرئيسي للشارع في العصور الأولى. ولقد أنشأها الأمير سيف الدين منجك السلحدار عام 1347م، وتحتوي على بعض الرسوم لسيوف ودروع تؤرخ لما كان عليه الشارع قديما كموقع لإنتاج الأسلحة.

كذلك يضم الشارع عددا من المساجد من أبرزها: مسجد الجاي اليوسفي الذي يتميز بأبوابه العملاقة وساحته الداخلية الكبيرة، وقد أنشأه كمدرسة ومسجد الأمير سيف الدين الجاي بن عبد الله اليوسفي عام 1373م. ومسجد قطلوبغا الذهبي الذي أنشئ في منتصف العصر المملوكي، فضلا عن عدد من الحمامات الشعبية، أبرزها «حمام بشتاك»، الذي يعد من أشهر الحمامات في مصر ولقد أنشأه الأمير سيف الدين بشتاك الناصر عام 742 هجرية (1341م)، وظل الناس يستخدمونه حتى قبل سنوات طويلة، وكذلك «حمام السلطان».

أيضا يضم «سوق السلاح» عددا من الأسبلة (جمع سبيل، أي مصدر ماء)، من أبرزها سبيل رقية دودو، الذي يعد أول سبيل بالقاهرة ذا واجهة مقوسة، وقد شيد كصدقة جارية على روح رقية دودو بنت بدوية شاهين بنت الأمير رضوان بك في عام 1174م. وكان هذا السبيل يجسد قمة التطور الفني بما يضمه من مشغولات نحاسية، وعلى بعد خطوات منه يقع سبيل مصطفى سنان، الذي يمثل المرحلة الانتقالية بين الطرازين المملوكي والعثماني.

من سكان الشارع، تحدث إلى «الشرق الأوسط» الأربعيني محمود محمد، وهو صاحب ورشة شحن بطاريات السيارات، موضحا أن ورشته ورثها عن والده الذي ورثها بدوره عن أجداده، وأردف: «جميع الورش الموجودة في الشارع كانت تعمل قديما في تصليح الأسلحة وهو ما اختفى الآن تماما». ولفت إلى «أن شارع سوق السلاح اشتهر قديما في عهد محمد علي وما قبله ببيع الأسلحة من رماح وسيوف، وتحوّل بعد ذلك إلى تصليح المسدسات والبنادق وغيرها، أما آخر ورشة كانت تعمل في تصليح الأسلحة فقد أغلقت منذ ما يقرب من 15 سنة بعد وفاة صاحبها». وأشار إلى أنه «ما عادت للشارع مهنة تميّزه كما كان من قبل، فاليوم تتعدد المهن داخل الشارع ما بين محلات تجارية وعدد من المقاهي والصيدليات وغيرها من المشاريع التجارية».

أما علي السيد (55 سنة)، وهو بقال في الشارع فأكد بدوره «أن الأسلحة وكل ما يتعلق بها لم يعد له وجود في الشارع حاليا، طبعا باستثناء اسم الشارع الذي يخلد تاريخه فقط». وأشار إلى أن «الغالب على الشارع حاليا هو ورش خراطة الخشب»، لافتا إلى أن «الشارع يعاني من عدد من المشكلات أبرزها قلة الاهتمام بالمباني الأثرية التي تُلقى فيها القمامة لجهل السكان بأهميتها الحضارية والتاريخية».

وأخيرا، ذكر أحد الشبّان من قاطني الشارع، أن شارع سوق السلاح شهد قبل أسابيع قليلة حملة أطلقها عدد من الشباب، بالتعاون مع وزارة الآثار لتنظيف الآثار الإسلامية، شارك فيها عدد كبير من أهالي منطقة سوق السلاح وسكانها، وشمل الاهتمام خصوصا سبيل رقية دودو، الذي يعاني منذ سنوات طويلة من إهمال جسيم من جانب المسؤولين عن الآثار، مما أدى لامتلائه بالقمامة والمخلفات التي حاصرته من كل جانب. وتابع الشاب أن الكتابات والزخارف الموجودة على جدران السبيل «كادت تُمحى نتيجة لتراكم الأتربة عليها بجانب عوامل التعرية، وقد نجحت الحملة في أن تجعل المنظر العام للسبيل أفضل بكثير من ذي قبل».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)