ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

سوق أسوان القديمة.. نكهات وروائح عطرة تتحدى الزمن Egypte - Assouan - Souk

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاثنيـن 29 صفـر 1433 هـ 23 يناير 2012 العدد 12109
الصفحة : عين الشرق
أسوان : رانيا سعد الدين


تجمع تراث الماضي في عباءة الحاضر


عبق الماضي في سوق أسوان القديمة بجنوب صعيد مصر («الشرق الأوسط»)

للأسواق دائما رائحة الحياة، فهي أكثر الأماكن تأثيرا في زائريها، كما أن لكل منها ملامحها ورائحتها ونكهتها الخاصة، ودائما ما تقبع زيارتها في «ألبوم الذكريات» شاهدا على ذكرى جميلة، أو لحظة خاصة في خطوط العمر والزمن.

يراودك هذا الانطباع بقوة وأنت تتجول في شارع «السوق القديمة» بمدينة أسوان التاريخية في أقصى جنوب مصر.. فهي من أشهر وأقدم الأماكن السياحية والتسويقية في المدينة. ولا يخلو برنامج سياحي يشمل أسوان من زيارة لهذا الشارع، الذي يصعب أن تغادره سريعا، بل تحتاج إلى يوم كامل، وربما أكثر، لتفقد ما يحتويه من سلع نادرة وانتقاء احتياجاتك من قائمة طويلة وغنية من المعروضات المصرية والأسوانية والأفريقية.

«الشرق الأوسط» التقت الحاج عوض عبد الرب، أقدم عطار في السوق القديمة، فقال: «هنا تختلط رائحة أسوان التاريخية مع رائحة البهارات والعطور، ففي هذا المكان توجد أجود الأعشاب الطبية وأدوات التجميل ومستلزمات العرائس التي يحرص أغلب زوار السوق على شرائها إلى اليوم. وكثرة من الناس زاروا هذه السوق قبل سنوات وعندما كرروا الزيارة فوجئوا بأنها لم تتغير كثيرا، بل ظلت محتفظة بسماتها الأساسية.. كالحجارة القديمة التي تكسو جدران أغلب المحلات التي تبيع مواد العطارة والأعشاب الطبيعية، وكلها منسجمة مع روح المكان».

وتابع الحاج عوض، وهو يشير بيديه: «هذه المحلات اكتسبت شهرة عالمية في تحضير الخلطات والوصفات الطبيعية من الأعشاب لمختلف الأغراض العلاجية والتجميلية، بالإضافة إلى وصفات خاصة وكثيرة للعرائس، إذ تحرص المرأة الأسوانية والأجنبية على حد سواء على اقتنائها. كذلك يوجد في السوق الكثير من مواد العطارة الأسوانية وعلى رأسها الحناء بألوانها المتعددة والفول السوداني والكركديه والبلح الأسواني والزهور المجففة». وأضاف الحاج عوض أن «أسرار العطارة والوصفات الأسوانية تعود إلى ما نقله الأجداد من جدران المعابد الفرعونية.. وبالخبرة يستطيع البائع أن يصف لكل زبون ما يتماشى مع علته، فقرطاس العطارة الأسواني لا يعلى عليه».

في مكان آخر، بأحد الأروقة المتفرعة من شارع «السوق القديمة»، حيث يتركز بيع المصنوعات الأسوانية كالتمائم والسلال والجلابيب والأحذية ذات الطرازات القديمة والحيوانات المحنطة كالتماسيح والثعالب، يجلس مثال فطري هو «العم» مصطفى، بعمره الخمسيني خلف دولاب الفخار يصنع تماثيل من الطين، بعضها يشبه تلك الموجودة في المتاحف والآخر يمثل بعض المشاهد من حياة «الأسواني» داخل المنزل أو خارجه.

«العم» مصطفى قال لنا «عملت في هذه المهنة منذ كان عمري 11 سنة، صنعت فيها الكثير من التماثيل والقطع الفنية. فالطين خامة سهلة التطويع، بالإضافة إلى أن كمية الآثار الموجودة في أسوان، والتي منحت الصانع المصري الخيال الواسع، كبيرة. ثم إن تعليقات الزبائن المشجعة جعلتني أصنع كميات من التماثيل بأشكال وألوان متعددة، وكثيرا ما يأتي زبون ويصف لي مشهدا رآه في أحد المعابد، ويطلب مني أن أصنع له تمثالا منه. وهذا نوع من محاكاة طبيعة العيش الفرعوني.. فقدامى المصريين صوروا حياتهم عن طريق التماثيل والرسوم المنتشرة على جدران المعابد».

وبنبرة اعتزاز، تابع «العم» مصطفى كلامه قائلا «من النادر أن يحضر زائر إلى السوق القديمة إلا ويمر على دكاني لشراء بعض القطع التذكارية له ولأهله». واستطرد «زيارة السوق القديمة لا تقتصر على السائح فقط بل تتصل بأهل أسوان أيضا، فهي السوق التجارية والسياحية الوحيدة في البلد، ولا شيء يضاهيها في انفرادها وشمولها.. فيها توجد معظم البضائع المألوفة في الأسواق المصرية وأسوان، بالإضافة إلى بضائع السودان وأفريقيا كلها. وأكثر ما يميز المكان جودة السلع وتميز السعر الذي يشهد به القاصي والداني» وأردف «.. باختصار، إنها تعد بازارا كبيرا مزدهرا ونابضا بالحياة على مدار 24 ساعة، لا ينام أصحابها، وعلى استعداد دائما لاستقبال زوارها في أي وقت بمحلاتها ومقاهيها الساهرة التي تقدم كل أنواع المشروبات والحلويات الأسوانية.. وبالطريقة التقليدية».

محمد الشاذلي، وهو مرشد سياحي، روى أن مدينة أسوان «كانت قديما بمثابة سوق مفتوحة وكانت تعرف بـ(سونو) في العصر الفرعوني، وهو المعنى الحرفي لكلمة (سوق). فقد كانت مركزا تجاريا للقوافل القادمة من وإلى النوبة. وفي الماضي الغابر قبل الهجرة النبوية كانت حدود أسوان تمتد من مدينة إسنا شمالا إلى حدود السودان جنوبا، وكان سكانها من النوبيين. ولكن بعد الفتح الإسلامي لبلاد النوبة سكنت فيها بعض القبائل العربية. ومع بداية القرن التاسع عشر صارت أسوان أكبر مدينة سياحية في جنوب مصر، وبجانب التجارة، بدأ تقسيم البلد إلى أحياء ومناطق، وتركزت أغلب المحلات والدكاكين في امتداد شارع السوق القديمة الذي يقدر طوله بنحو 3 كيلومترات ويتماشى الشارع مع محطة القطار بطريقة متوازية. وهو يبتدئ مع بداية كورنيش نيل أسوان، وتنتهي السوق بانتهاء الكورنيش حيث تقع إذاعة (جنوب طيبة) وحديقة الملكة فريال، بالإضافة إلى الكاتدرائية القديمة. وهذا يبرز أن السوق تمتد لأكثر من سبعة أحياء بامتداد النيل». وتابع الشاذلي «لقد جرى تجديد الشارع منذ سنتين، وروعي في عملية التجديد الإبقاء على روح السوق التراثية العتيقة التي كادت تتلاشى في وجه الزحف العمراني الذي طرأ على المكان. كذلك حرص المسؤولون على بوابات الخروج والدخول الممتدة بطول الشارع على إعادة بنائها وترميمها، بالإضافة إلى تبليط الشارع كله بالحجارة البازلتية ومنع دخول السيارات والدراجات النارية حفاظا على هذا الشارع من التداعيات التي قد تصيبه من منفوثات هذه المركبات».

واختتم محمد الشاذلي كلامه بالإشارة إلى أن «المحافظة اهتمت بالاستعاضة عن الأعمدة الخشبية التي كانت منتشرة في الشارع لرفع بعض (التندات) (أي المظلات) منعا من اندلاع الحرائق، بأخرى خرسانية، ولكن بديكور خشبي بحيث تنسجم مع مفردات الشارع. ويقال إن هذه (التندات) كانت بأسماء القبائل العربية أو الأفريقية التي كانت تمر بالسوق لبيع منتجاتها فكان يخصص لكل منها واحدة، وأحيانا أكثر على حسب بضائعها».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)