ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

زينة مقام أبو زمعة البلوي في تونس تلهم نساء القيروان في حرفية النسيج Tunisie - Tunis

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاربعـاء 15 ذو القعـدة 1432 هـ 12 اكتوبر 2011 العدد 12006
الصفحة : عين الشرق
تونس : المنجي السعيداني


فيه تعقد الزيجات ويجرى الختان.. وتقصده الفتيات لزيادة حظهن في الزواج


مشهد للمقام من الخارج وبه يستريح الزوار من عناء السفر

من مقام الصحابي أبو زمعة البلوي اتخذت نساء القيروان الكثير من الزينة نقلتها بحرفية من الجدران إلى الصوف فباتت بدائع تخلد «الزربية القيروانية» وتعطي هيبة لنقوشها وزخارفها.

في القيروان جامع عقبة بن نافع وسيدي الصحبي (مقام الصحابي الجليل أبو زمعة البلوي) كما يطلق عليه التونسيون التسمية، وفسقية الأغالبة تلك هي أهم معالم المدينة الإسلامية في صميمها وتصاميمها.

يقول عبد العزيز الهمامي (شاعر من القيروان) إن في المكان سكينة خاصة يوفرها المقام والمسجد والمدرسة، إذ إن مقام أبو زمعة البلوي الذي يتوفر على المزار والجامع والمدرسة يعطيك إحساسا كبيرا بالأمل، لذلك يعقد سكان القيروان والمناطق القريبة منها، وكذلك تونسيون من مختلف المناطق، النية ويتوجهون بالدعاء إلى «سيدي الصحبي» عله يعينهم على قضاء الحوائج. ويضيف قائلا لـ«الشرق الأوسط» في القيروان تأتي فتيات عازبات إلى المقام يطلبن التسهيل والبخت والحظ في نيل نصيب في الزواج.

المكان شاسع يوحي بأن كل من يدخله سيرتاح، فالأروقة البيضاء الناصعة البياض والهندسة المرسومة بعناية ومئذنة المسجد التي تتراءى متلألئة بالعين المجردة من مسافة بعيدة وتزيدها الحجارة الأنيقة ذات الطراز الأندلسي الموريسكي.

أقيمت هذه الزاوية تخليدا لذكرى الصحابي الجليل أبو زمعة عبيد بن أرقم البلوي الذي وافته المنية سنة 34 للهجرة (656 للميلاد) خلال الفتوحات الإسلامية لأفريقية على أثر معركة الجيوش البيزنطية قرب عين جلولة التي تبعد نحو 30 كيلومترا غرب القيروان وقد دفن جثمانه في موضع القيروان قبل تأسيسها.

وكان المقام يتمثل خلال القرن 9 للهجرة الموافق لـ15 للميلاد في فنية بسيطة مسورة، في حين يرجع تاريخ بناء المدرسة إلى عهد حمودة باشا سنة 1072 للهجرة الموافق لعام 1663 ميلادي. كما تشير إلى ذلك اللوحة الرخامية المثبتة فوق المدخل. وتولى محمد بن مراد باي إعادة بناء الضريح سنة 1096 للهجرة (1685 ميلادي). ويتألف المقام من مخزن المواد والمنتوجات المتأتية من الأحباس والهبات. أما الجانب العلوي فهو مخصص للباشا، وكان يستعمل أيضا لإقامة الباي (حاكم تونس) المكلف الجباية، ثم في فترة لاحقة استعمل كمأوى للضيوف الكبار الوافدين على الزاوية.

وتوجد بالمقام مدرسة وهي ملاصقة للمخزن وتمثل النموذج للمدرسة التونسية، وتتميز ببيت الصلاة المستطيل والعميق الذي يتألف من بلاطتين طوليتين بمحرابهما الذي تعلوه قبة محمولة على أصناف مضلعة وله صحنان؛ أحدهما تحيط به الأروقة من الجهات الـ4 وتتوزع حوله غرف الطلبة وتنتصب عند الزاوية الشمالية الشرقية المئذنة ذات التأثيرات الأندلسية والمزخرفة بمربعات «القاشاني» التي تعلوها عقود متجاورة ومتوأمة ومزخرفة أيضا بشرفات مسننة فريدة من نوعها في العمارة القيروانية، تذكرنا بمئذنتي جامع تلمسان في المغرب وجامع القصبة بتونس العاصمة.

وهذه التأثيرات الأندلسية ليست غريبة عن عالم القيروان بداية من العهد العثماني، لا سيما أن المشرفين على أشغال بناء المدرسة في مقام أبو زمعة البلوي هما من أصل أندلسي، وهما الأخوان أحمد ومصطفى المذكوران في النقيشة.

أما بالنسبة للضريح فيتم الوصول إليه عبر مدخل منكسر يؤدي إلى بهو طويل نسبيا وتحتوي زخارفه أيضا على نماذج من الفن الأندلسي. ويحد هذا البهو من جهتي الشمال والجنوب رواقان بأعمدة وعقود متجاورة من الطراز القيرواني تفصلهما تيجان من الطراز الكورنتي الحديث منحوت عليها الهلال البارز رمز الدولة العثمانية. ويفتح هذا البهو على قاعة مغطاة بقبة مزخرفة بالجص «نقش حديدة» على الطراز الأندلسي. وهذه القاعة تفتح بدورها على الصحن الكبير المخصص لإقامة المناسك المختلفة وتحيط به أيضا 4 أروقة جدرانها مزخرفة بـ«القاشاني» الملون وتعلوها لوحات من الجص المزخرف المنقوش.

أما مقام أبو زمعة البلوي فهو عبارة عن قاعة مربعة تغطيها قبة مزخرفة بزخارف حديثة ومنوعة تعود إلى القرن 13 للهجرة (19 ميلادي) ويبرز مقام الصحابي أبو زمعة البلوي بانسجام كبير بين مختلف مكوناته المعمارية وروعة الزخرفة وهو يعكس التأثيرات الجديدة على العمارة التونسية: التركية من ناحية والمنطبعة بمسحة بيزنطية، والأندلسية من ناحية ثانية والمتأتية عبر الهجرات الأندلسية إلى تونس.

وتختلط هذه التأثيرات بالموروث المحلي الذي خلفته المدرسة المعمارية القيروانية، وهو ما يبرز القدرة على احتواء قدر كبير من الفنون. ويقول فهمي العلاني من سكان القيروان أن أبو زمعة البلوي يعتبر الشخصية الأكثر زيارة من قبل التونسيين وفي مقامه تعقد الزيجات ويختتن الأطفال الصغار، وإليه تهدى أول «زربية» تنسجها أنامل الفتاة القيروانية. وأعرق وأشهر ما تلقاه المقام من زربيات كان من كاملة ابنة الحاكم العسكري التركي بمدينة القيروان وذلك سنة 1865 للميلاد وهو الذي استقدم السياج الحديدي المحيط بالقبر من مدينة القسطنطينية. وتخليدا لبره للمقام يرقد قبره وقبر ابنته كاملة بصحن مقام أبو زمعة البلوي.

مقام أبو زمعة البلوي في القيروان يعتبر من أهم المعالم التاريخية التي حظيت وما زالت تحظى باهتمام التونسيين وكل سكان المغرب العربي، فهو يحيل مباشرة على الفتوحات التاريخية التي عرفتها المنطقة.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)