حوار مع الروائي (التونسي - الفرنسي) الحبيب السالمي

, بقلم محمد بكري


الحبيب السالمي : لم نتصوّر التونسي سلفياً على الطريقة الأفغانية


جريدة الحياة


الثلاثاء، ١٠ يونيو/ حزيران ٢٠١٤
جريدة الحياة
القاهرة - أحمد مجدي همّام


يقيم الروائي التونسي الحبيب السالمي في باريس منذ ثلاثين عاماً، إلا أن الجنوب التونسي، وتحديداً قرية (العلا) حيث وُلِد، تطل في الكثير من أعماله. التلاقح الحضاري بين الجنوب العربي، والشمال الأوروبي يزين أعماله بفضاءات مكانية مختلفة، وبأبطال متعددي الجنسية والخلفية الثقافية. عبر هذه الرقعة الجغرافية الواسعة، يقدم السالمي عالمه الروائي، ويطرح إشكاليات مثل الهوية والفروق الحضارية الشاسعة بين جنوب المتوسط وشماله.

في رصيد الكاتب التونسي مجموعتان قصصيتان وتسع روايات، منها: «أسرار عبدالله»، «عشّاق بيّة»، «روائح ماري كلير»، وآخرها «عواطف وزوّارها» الصادرة عن دار الآداب البيروتية. عدا عن وصوله مرتين الى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، فإن السالمي فاز بـ «جائزة الماجدي بن ظاهر للأدب العربي»، التي ترعاها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. كان معه هذا الحوار:

> في روايتك «عواطف وزوَّارها»، ثمة حضور قوي لجدلية المشرق والمغرب العربيين على مستوى الهوية والثقافة والشخصية. هل تؤمن حقاً بهذه الثنائية، وتحديداً على المستوى الأدبي والثقافي، وما يشاع عن مركزية مشرقية وتهميش للمنتج المغاربي والذي تجلى في مقولة الصاحب بن عباد: «هذه بضاعتنا رُدَّت إلينا»؟

 جدلية المشرق والمغرب كما قاربتها في هذه الرواية ليست سوى مظهر واحد من مظاهر تنوع الذات العربية وتعددها وثرائها وتعقيداتها أيضاً. ما أردتُ أن أبرزه من خلال هذه الجدلية هو أن الذات العربية ليست دائرة واحدة منغلقة على نفسها وإنما هي عدد لا نهائي من الدوائر التي تتساكن وتتداخل وتتقاطع. الشخصيات الرئيسة في الرواية وهي تقيم كلها في باريس تتحدر من فضاءات متشابهة ومختلفة في الآن ذاته: تونس، مصر، الجزائر، فلسطين، المغرب. وكل شخصية تجرجر ماضيها خلفها، كما أنها تعيش نوعاً من الصدام مع نفسها أولاً، ثم مع الآخر، سواء كان هذا الآخر مغاربياً أو مشرقياً أو أوروبياً. هذا الاختلاف الذي دأب الخطاب العربي السائد على محوه وإلغائه أو تهميشه لأسباب أيديولوجية، أجده مثرياً، إذ يحرّض على السؤال ويدفع إلى خلخلة اليقينيات. إنها رواية عن تعدد الهويات وتقاطعاتها داخل الذات الواحدة.

أما مقولة «المركز والهامش»، فأنا لا أؤمن بها. والدليل على ذلك هو أن رواياتي التسع صدرت في بيروت وأن قرّائي في بلدان المشرق العربي هم أكثر بكثير من قرّائي في المغرب العربي.

> اخترت على مستوى الحوار خلفية فصيحة تتخللها اختراقات عامية وفق لهجة المتكلم وجنسيته. لماذا لم تختر الفصحى وحدها أو العامية وحدها؟

 في أغلب رواياتي أمزج بين الفصحى والعامية في الحوار بطريقة تجعل المعنى واضحاً لدى القارئ في أي بلد عربي وتضفي في الوقت ذاته نكهة على الحوار وتجعله أقرب إلى الصيغة الشفهية. وفي هذه الرواية أوليت العامية اهتماماً أكبر لأن اللغة بتلويناتها العامية وفروقاتها الدلالية وموسيقاها تعكس هذا الثراء في الذات العربية الذي أشرتُ إليه في إجابتي عن السؤال الأول. لكنني حافظت على التوازن بين الفصحى والعامية.

> تستحضر دوماً أجواء القرية التونسية حتى وإن كانت باريس هي الفضاء المكاني لأحداث الرواية. اخترت هنا أن تكون أخت البطل التي تراسله من تونس هي صوت قرية العلا أو حضارة الجنوب المتكلسة. ما سر ولعك بحضور الريف التونسي؟

 ليس هناك أي سر. كل ما في الأمر هو أنني أمضيت الـ17 عاماً الأولى من حياتي في قرية العلا. الهواء الأول الذي استنشقته هو هواؤها. والألوان الأولى التي رأيتها هي ألوانها. والروائح الأولى التي شممتها هي روائحها. العلا تسكن كل خلية في جسدي. لكن العلا مثل غيرها من الأمكنة التي عشت فيها لا تحضر بمفردها في رواياتي. ثمة دائماً حركة ذهاب وإياب بين الأمكنة. في الواقع الموضوعي تمتلك هذه الأمكنة وجوداً مستقلاً. لكنها تمتزج في الكتابة وتتداخل بل وتتبادل الأدوار لسبب بسيط وهو أن الحدود بين الواقع والخيال وبين الوعي واللاوعي تتلاشى في الكتابة.

> تميل إلى انتقاد وضع المرأة المشرقية وترصد القمع والازدواجية التي تحياها المرأة العربية حتى أن بعض رواياتك يحمل رمزاً مباشراً لذلك عبر عناوينها. إلى ماذا تعزو هذا التوجه النسوي؟

 لست كاتباً نسوياً. لكنني أحب المرأة وأحترمها كثيراً. أعتقد أن مشكلتنا في العالم العربي هي أننا لم ندرك جيداً إلى حد الآن ما يمكن أن نتعلمه من المرأة لو أفسحنا لها المجال للتعبير عن أحاسيسها وأفكارها بحرية. أنظر إلى الدور العظيم الذي قامت به المرأة التونسية والمرأة المصرية في الربيع العربي. إن صمود تونس ومصر الآن أمام هجمات الظلاميين يعود في جزء كبير منه إلى المرأة. وهذه ليست مجرد مصادفة بالطبع، فتونس ومصر عرفتا مبكراً حركة إصلاحية تنادي بتحرر المرأة. أما العناوين التي أشرت إليها، فلا تعني إطلاقاً أن المرأة هي موضوع هذه الروايات وأنني لا أكتب إلا عن النساء.

> يبدو الجانب الإيروتيكي والمشهد الجنسي ركناً أساسياً في عالمك الروائي. كيف ترى توظيف الجنس في الأدب عموماً وفي رواياتك خصوصاً؟

 في الأساطير الإغريقية «إيروس» الحب وقد جعل منه علم النفس رمزاً للرغبة والحياة. أما نقيضه «ثاناتوس» وهو الموت فقد صار يرمز إلى العدم وإلى كل ما يؤدي إلى الفناء والهلاك. الإيروسية هي إذاً أصل الحياة. وهذه الفكرة لا نجدها في الثقافة الغربية فقط وإنما أيضاً في الثقافة العربية الإسلامية، فالجنس في «الروض العاطر في نزهة الخاطر» للشيخ النفزاوي هو نعمة من السماء. متعة صوفية للروح قبل الجسد. هبة الحياة ونبعها الأول. مادة الكتابة كما أتمثلها هي الحياة. والجنس هو أحد أهم تجليات هذه الحياة. لذا من الطبيعي جداً أن يكون حاضراً في رواياتي. السؤال الحقيقي هو كيف يتجسد هذا الحضور لكي يكون ذا دلالة درامية لا مجرد زخرف خارجي لإبهار القارئ أو استثارته استثارة مبتذلة. للجنس منطقه وإيقاعه. لا بد من أن يرد ضمن تلافيف الحياة. لا بد من أن يكون ضمن نسيجها الحي النابض.

> ما سر هجرك للقصة القصيرة منذ ما يزيد عن ربع قرن؟

 كتبت قصصاً قصيرة بعد صدور «إمرأة الساعات الأربع»، ونشرت بعضها في مجلة «الكرمل» عندما كان يشرف على تحريرها محمود درويش وسليم بركات. لكنني لم أجمعها. قد أكتب في المستقبل قصصاً أخرى. وربما أضمها إلى هذه القصص وأنشرها في كتاب.

> كيف ترصد المشهد الروائي التونسي والعربي عموماً؟

 هناك روائيون مهمون في غالبية البلدان العربية. هناك تنوع في الثيمات والمقاربات الفنية. المشهد الروائي التونسي هو جزء من المشهد الروائي العربي.

> كيف تقوّم الجوائز الثقافية في العالم العربي من حيث النزاهة والفائدة والقيمة؟

 الجوائز مهمة من حيث قيمتها المادية. لكن عدا ذلك لا أعتقد أنها تضيف شيئاً أساسياً الى الكاتب.

> ما رأيك في قرار إلغاء معرض تونس للكتاب؟

 إنه قرار سيىء. تألمت حين بلغني الخبر.

> كيف تقوّم أداء وزارة الثقافة في تونس؟

 من الصعب تقويم وزارة تعاقب عليها ثلاثة وزراء خلال ثلاثة أعوام. وزارة الثقافة تمر بمرحلة انتقالية مثل كل مؤسسات الدولة في تونس.

> أخيراً صدرت الطبعة الثانية من الترجمة الألمانية لروايتك «روائح ماري كلير». كيف ترى ميزان الترجمة من وإلى العربية، خصوصاً أنك مقيم في عاصمة أوروبية.

 حركة ترجمة الأدب الأجنبي إلى العربية بطيئة جداً، فضلاً عن أن الترجمات غير دقيقة، بل ورديئة في بعض الأحيان. والخطأ ليس دائماً خطأ المترجمين. هناك مترجمون عرب جيدون. لكن لا شيء في العالم العربي يدفعهم إلى العمل برغبة وحماسة. لا المقابل المادي ولا اهتمام القارئ ولا رعاية المؤسسات الثقافية. أما ترجمة الأدب العربي الحديث إلى اللغات الأجنبية فقد شهدت بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب نوعاً من الحركة. لكن هذه الحركة تظل محدودة جداً، خصوصاً في بلدان مثل انكلترا وألمانيا وإسبانيا. إن ما يترجم من الأدب العربي قليل.

> هل تؤمن بالتصنيف الذي يضع عنواناً مثل «الأدب العربي في المهجر»؟

 لا أؤمن بهذا التصنيف. هناك أدب عربي واحد سواء كتب داخل البلدان العربية أو خارجها.

> بعد ثلاث سنوات من اندلاعها، ماذا أنجزت الثورة التونسية؟

 الحرية. لا شيء غير الحرية، وهي مكسب

> الإخوان والسلفيون، هل هما مكونان أصيلان من نسيج المجتمع التونسي؟ هل سيهضمهما المجتمع؟ هل يستطيعان الانخراط في دولة مؤسسات مدنية وحديثة؟

 لا أعتقد أنهما مكونان أصيلان من نسيج المجتمع التونسي. لكنهما موجودان الآن. الإخوان الذين تمثلهم حركة «النهضة» نعرفهم. أما السلفيون فقد فوجئنا بهم. لم نكن نتصور أن التونسي يمكن أن يكون سلفياً على الطريقة الأفغانية أو الباكستانية. كانت لدينا أوهام كثيرة. لا أتصور أنهم قادرون بحكم تكوينهم على الانخراط في دولة مؤسسات مدنية وحديثة. ولكنهم سيجدون أنفسهم مرغمين على ذلك إن أرادوا أن يقبلهم المجتمع التونسي.

> كيف ترى المآلات التي اتخذتها ثورات المنطقة العربية (الربيع العربي) وماذا تتوقع لها؟

 هناك اختلاف في هذه المآلات. البلدان التي استطاعت أن تبني في السابق مؤسسات وأن تبني مجتمعاً مدنياً مثل تونس ومصر ستعاني لبضعة أعوام أخرى لأن تأسيس الديموقراطية مسألة معقدة. لكنها لن تنهار وستتمكن من تجاوز هذه المرحلة الانتقالية الصعبة.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)