تفوق الروايات المترجمة على العربية

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 15-09-2017، العدد : 10753، ص(15)
الصفحة : ثقافة
العرب - خلود الفلاح


لماذا تتفوق الروايات المترجمة على الروايات العربية


لا شك أن الروايات المترجمة تشهد في العالم العربي رواجا يفوق الروايات العربية، وهو ذات الأمر الذي ينطبق على كل أجناس الأدب تقريبا. وهناك من يقول إن الأدب المترجم فرصة للاطلاع على ثقافة الآخر والبعض يراه ورقة رابحة للناشر. وفي المقابل هناك من يفضل الكتب العربية لأنها بحسب رأيه تشبه واقعنا. كل الآراء قابلة للمناقشة. “العرب” تستطلع آراء كتاب ومترجمين عرب حول هذه الظاهرة متسائلة معهم إن كانت نوعا من التباهي فقط؟ وهل هناك مميزات تحسب مثلا للرواية المترجمة تفتقر إليها رواياتنا العربية؟ وهل الرواية مثل الخبر الصحافي يتطلب الطزاجة والجدة؟

لسنا في مجال مقارنة بين الرواية العربية والرواية المترجمة للعربية ولا يهمنا معرفة عدد قراء كل منهما أو ما طبع على غلافها الأكثر مبيعا أو الطبعة العاشرة. هذا الاستطلاع بني على ملاحظة لماذا يعرف القارئ اسم روائي ياباني ونادرا ما يعرف اسم روائي عربي.

دور المترجمين

تؤكد إيناس العباسي الروائية والمترجمة التونسية أنها ستتحدث كقارئة، وبحسب قولها هي مدمنة على قراءة الأدب المترجم، تقول “المترجمون العرب هم الذين يقودون ذائقتنا ولدينا مترجمون أسماؤهم على الكتب بصمة ثقة وجودة؛ جودة الاختيار وجودة الترجمة. هناك أربعة أو خمسة أسماء أقرأ الكتب التي يترجمونها فقط لأن أسماءهم موجودة، لا أقرأ اسم الكاتب الأصلي فأنا لدي ثقة مطلقة بما يترجمه. كل من الأساتذة، صالح علماني وخالد الجبيلي وعبدالقادر عبداللي وأحمد الصمعي. فلو

لا ترجمات صالح علماني لما اكتشفنا أدب أميركا اللاتينية. ولو لا الترجمة البديعة التي أنجزها المرحوم عبدالقادر عبداللي لرواية “اسمي أحمر” لأورهان باموق وغيرها من الروايات والمجموعات القصصية (مباشرة عن اللغة التركية) لفاتتنا قراءة تحف أدبية بترجمة رائعة. اليوم هناك أصوات شابة جديدة تترجم من لغات أخرى وتقع على عاتقها مهمة كبيرة ألا وهي تشكيل ذائقة جديدة ووعي جديد لمجابهة كل ما يحيطنا من حملات ظلامية تهاجم الأدب والفن بصفة عامة”.

وتشير المترجمة المصرية يارا المصري إلى أن للمترجمين دورا كبيرا في إثراء اللغات المختلفة بالترجمة منها وإليها، وهذا الدور هو ما لعبه ويلعبه المترجمون العرب، عبر العصور المختلفة وصولا إلى العصر الحديث، ونظرا إلى عوامل الاتصال في الزمن الراهن، فإن ذيوع وانتشار الأعمال الإبداعية ومنها الرواية، أصبحا أكثر اتساعا في العالم، وإذا أخذنا جائزة نوبل على سبيل المثال، فإن الروائي الفائز بها سرعان ما يبادر المترجمون إلى ترجمة أعماله إلى معظم لغات العالم.

وقد ارتبط عنصر جائزة نوبل بالذات وغيرها من الجوائز العالمية بمعيار الجودة، سواء في ذهن المترجم أو القارئ، وينطبق الأمر ذاته بالطبع على العالم العربي، ومن هنا ولأسباب أخرى كثيرة، تلقى الأعمال الروائية المترجمة ذيوعا وانتشارا وقبولا لدى القارئ العربي، لكن القول إن ذلك الذيوع والانتشار والقبول يفوق أو يوازي أو يقل عن قبول الأعمال الروائية العربية، فأمرٌ يحتاج إلى تمحيص ودراسة دقيقة، حتى نصل إلى حكم يمكن الاطمئنان إليه في الإجابة عن السؤال المطروح.

وتتابع المصري “عن تجربتي في الترجمة عن اللغة الصينية، فأنا كجميع المترجمين، آخذ في الاعتبار الجوائز التي حصل عليها الكاتب وشهرته، ومدى انتشار أعماله في بلده الصين، لكن الأهم من هذا كله هو قناعتي الشخصية بالعمل وجدوى ترجمته إلى اللغة العربية، وعمَّا إذا كانت ترجمة عمل كرواية الذوَّاقة للكاتب الصيني الراحل لو وين فو يمكن أن تشكل تحديا في إثراء مهاراتي في الترجمة وفي فهم مناخ الصين وثقافتها في عمل كهذا. وهو ما يقع بشكل أو بآخر على عاتق القارئ حينما يقرأ روايات مترجمة كـ‘لعبة الكريات الزجاجية‘ لهرمان هسَّة أو ‘مئة عام من العزلة‘ لماركيز أو غيرهما من الفائزين أو غير الفائزين بجائزة نوبل التي أصبحت نوعا من الموضة لرواج الترجمة عن كتَّاب من هذه اللغة أو تلك”.

الروائي العربي مظلوم

يرفض المترجم الليبي عطية الأوجلي ما يقال عن تفوق الرواية المترجمة على الرواية العربية، يقول “رغم ذلك يمكننا الحديث عن إسهامات المترجمين العرب في تطور الرواية العربية وفي جسر العلاقة بينها وبين القارئ العربي، وهو الرأي الذي أريده، وأجد أسبابه في كون العديد من المترجمين هم من الأدباء ومن كبار المثقفين.

فمترجمون أمثال منير بعلبكي وسامي الدروبي وجبرا إبراهيم جبرا، وممدوح عدوان، وبسام حجار، وأسامة أسبر، وآدم فتحي، وصالح علماني، ومحمد علي اليوسفي، وأسامة منزلجي، وإسكندر حبش وخليفة التليسي ونجيب الحصادي اشتهروا بجودة الإنتاج، وحسن الاختيار، وباللغة الراقية الجذابة، وتمكنوا من خلق جمهور لهم وخلق جماعات تلق جديدة. هم أيضا كانوا على معرفة واسعة بالبيئة الثقافية والسياسية التي نما فيها النص وغالبا ما ارتبط البعض منهم بعلاقة شغف ومحبة مع كاتب ما أو كتاب ما فينعكس ذلك على روح الإبداع لديهم”.

ويتابع “الترجمة في نهاية المطاف هي إعادة خلق للنصوص بروح جديدة ولغة جديدة، حيث يضيف المترجم رؤيته للنص ويفصح عن قدراته في التواصل مع القارئ العربي. وعليه أرى أن إسهمامات المترجمين كانت كبيرة وإن لم تكن لوحدها، حيث لا ننسى جهود الناشرين والمكتبات وبالطبع القراء”.

الأجنبي أكثر رواجا

يقول الروائي المصري ناصر عراق “هناك قول لابن خلدون في مقدمته يؤكد فيه أن ‘المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده‘، وهو قول صائب تماما، إذ علينا الاعتراف بأن بلادنا العربية توقفت عن صدارة المشهد العالمي منذ قرون بعيدة، وأننا أصبحنا عالة على الحضارة الحديثة، حيث أننا لم نخترع شيئا ذا قيمة منذ المئات من السنين، وكل ما نستخدمه في حياتنا اليومية منذ مئتي عام وحتى الآن ابتكره الغرب، وليس العرب، من أول القطار والجريدة والسيارة والطائرة حتى المطبعة والثلاجة والتلفزيون والموبايل إلى آخره.

وإذا انتقلنا إلى مجال الفكر والأدب والفن، فسنكتشف بسهولة أننا لم ننجب فيلسوفا مهما يطاول ديكارت أو هيغل أو شوبنهور أو سارتر، كما أننا لم نخترع المسرح ولا السينما ولا الشكل الروائي الحديث الذي ساد العالم كله منذ أصدر الروائي الإسباني سيرفانتس الجزء الأول من رائعته ‘دون كيخوت‘ عام”.

ويتابع عراق “هذه أحوالنا بصراحة، فقد غدونا ‘أمة مغلوبة‘ ينطبق عليها ما لاحظه ابن خلدون بذكاء خارق في عام 1377، عندما كتب مقدمته، أي قبل أكثر من ستة قرون، ومن ثم يصبح الاهتمام بما ينتجه الغرب الغالب أكثر من الاهتمام بما يبدعه العربي المغلوب أمرا مفهوما، فنرى القارئ العربي يهرع إلى الرواية المترجمة ليطالعها بنهم، أكثر مما يهتم بمتابعة إنتاج أحد الروائيين العرب، ولا ننسى بطبيعة الحال أن معظم الروايات التي تتم ترجمتها يحظى أصحابها بنعمة الفوز بجوائز عالمية مرموقة مثل نوبل”.

ويختم عراق حديثه برجاء ألا وهو عدم أخذ كلامه من باب التلذذ بجلد الذات، فهذا بعيد تماما عن خاطره، متسائلا متى نواجه بوعي وحسم المنظومة الفكرية التي قادتنا إلى هذا المستنقع لندمرها ونشيد بدلا منها منظومة فكرية جديدة تراعي العصر الحديث وتستلهم أهم منجزاته الفكرية والسياسية والتكنولوجية؟

وبدوره يقول الروائي والمترجم التونسي محمد علي اليوسفي إنه سيبدأ حديثه بفكرة طريفة خبِرها شخصيا، تتعلق بالمترجم المترجم (أي المتخصص في الترجمة أو المكتفي بها) والمترجم الكاتب (أي الذي يجمع بين ترجمة الرواية وكتابة روايته الخاصة). المترجم ينال شهرة تحت ظلال الكاتب الأصلي من جهة، كما أنه ينال مكافأة مالية مجزية خصوصا في السنوات الأخيرة عن ترجمة الكتب الأجنبية. أما إذا ألّف كتابا فحقوقه تكون شبه مهدورة ولا يعرف ماذا فعل الناشر، ولا كيف تتم المحاسبة المالية، إذا صح الأمر وكانت هناك مكافأة حقا.

ويتابع اليوسفي “الرواية العالمية مضمونة الوصول للقارئ العربي لأنه قارئ يجمع بين المثقفين، أو الكتاب والمؤلفين، والقرّاء العاديين. وفي حالة الروايات العربية لا يرى الروائي العربي أنه في حاجة ملحّة إلى قراءة مؤلفات زميله بعيدا عن المجاملة أو الإحراج.

الرواية الأجنبية تكون مختارة من قبل المترجم أو الناشر، ضمن الروايات الناجحة التي أثبتت رواجها في بلدانها. وهي في جانب آخر، ربما مغرض قليلا، تشبه البضاعة الأجنبية التي تكون مرغوبة أكثر، رغم أن بلدا مثل فرنسا يفضل قراؤه قراءة رواياتهم غير المترجمة التي تكون أكثر انتشارا عادة. نحن لا نترجم كل ما يكتب وينشر في الخارج، بل نفعل بالنسبة إلى الكتب الناجحة والرائجة. وبالتالي تصعب المقارنة بين الرواية المحلية في كل درجاتها وبين ما نترجم من روايات عالمية”.

ويضيف “الواقع ملموس، رغم ما يخالطه من استهتار في قسم كبير من الأعمال المترجمة التي لا يقضي عليها المترجم وحده، بل يشاركه الناشر أيضا في الجريمة، طلبا للربح وضغطا على المصاريف. فمن المعروف أنّ قلة قليلة من دور النشر العربية تهتم بمستوى المترجم وبمراجعة الكتاب وبمصاريف أخرى تتعلق بالتحرير والتدقيق والتصحيح.

وقد اطلعنا على فضائح كثيرة معيبة يكون ضحيتها القارئ الذي لا يجيد لغات أخرى غير لغته، وتجعل غيره يلجأ إلى القراءة بلغات أخرى غير اللغة المترجم إليها الكتاب، رغم أن من أدوار الترجمة توطين النصوص الأجنبية في اللغة الأصلية، وإثراء زاد القارئ بلغته المغتنية والمتجددة”.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)