الناقد التونسي رضا الأبيض يلاحق الروائح في روايات عربية. حاسة الشم لها قيمة مميزة ودائمة لارتباطها في الذاكرة مع أحداث ومواقف
يتأمل الباحث التونسي رضا الأبيض في دراسته “كتابة الرائحة في نماذج من الرواية العربية” (دار زينب، تونس) حضور الروائح في الرواية العربية، بعد أن تغاضى عنها النقد العربي، فلم يكتب تاريخها، ولم ينتبه إلى إنشائيتها، ولم يقرأ رموزها. وعلى قدر إهمال النقد العربي لتاريخ الشم في الثقافة العربية، اهتم النقاد الغربيون بحضور الروائح في تاريخهم وثقافتهم وفي نصوص أدبهم، فتبسطوا في الحديث عنها، مبرزين علاقتها بمختلف الفنون.
وبسبب من هذا، عاد الباحث إلى المراجع الفرنسية والإنجليزية يستأنس بها، سواء تلك التي اهتمت بتاريخ الروائح أنثروبولوجياً وفلسفياً، أو تلك التي تدبرت نماذج من الأدب تتقصى حضور الرائحة فيها وتبحث في رمزيتها.
أشار الباحث منذ البداية إلى أن الحواس الخمس ظلت، في الثقافة الإنسانية، محتقرة، مهمشة، مقارنة بالعقل والروح والنفس، ولم تلتفت إليها هذه الثقافة إلا في العصور الحديثة. فمنذ القرن السادس عشر اعتبرالمفكر الفرنسي مونتاني الحواس “بداية المعرفة ونهايتها، إنها سيداتنا، من خلالها تنتقل معارفنا”، لكن على الرغم من إعادة الاعتبار للحواس، ظلت حاسة الشم محتقرة، بل عدت أدنى الحواس وأكثرها حيوانية. حتى فرويد ذهب إلى أن الشم حاسة ترتبط بالسلوك الغريزي عند الحيوان، ولذلك فهي حاضرة بقوة في المراحل الأولى من طفولة الإنسان، قبل أن يقمعها شرطاً لانخراطه في مرحلة المدنية والحضارة. فالتسامي بالغرائز، حسب فرويد، مقدمة إلى بناء الحضارة وسبيل إلى تحقيق السعادة. وهذا التسامي يكون بالإشباع الرمزي من قبيل ممارسة الفن والاشتغال بالعلم...