ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

المغرب : صاغة الصويرة يحافظون على الفضة ضمن حلي النساء Maroc, Essaouira

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الثلاثـاء 12 ذو الحجـة 1432 هـ 8 نوفمبر 2011 العدد 12033
الصفحة : عين الشرق
الصويرة (المغرب) : صفاء الصبري


نقوشها الخاصة توارثتها الأجيال وتعد مثالا على الأناقة


تصوير محمد طيفور

تحتل الفضة مكانة متميزة داخل البيوت المغربية؛ فبالإضافة إلى أنها أساسية بين حلي النساء والفتيات، ولا يمكن الاستغناء عنها، توجد كذلك مصنوعات فضية ضمن الأواني المنزلية والديكورات التقليدية التي لم تستطع القطع الحديثة القضاء عليها. وأكثر من ذلك كله، أصبحت الفضة جزءا من ديكور البيوت الحديثة ومستلزمات أناقتها.

مدينة الصويرة واحدة من مدن المغرب الرائدة في فن النقش على الفضة، وتعد هذه المدينة الرابضة على شاطئ المحيط الأطلسي، جنوب غربي الدار البيضاء، حقا من «عواصم» الحرف التقليدية العريقة في المغرب. وهي تشتهر على صعيد الحرف التقليدية، بجانب الفضة، بريادتها الذائعة الصيت في فن النقش على خشب «العرعار».

عدد الصناع العاملين في صناعة النقش على الفضة في الصويرة لا يتعدى الـ160 صانعا، إلا أن هذه المدينة تنفرد عن باقي المدن المغربية، بنقش خاص بها يعرف باسم «الدك الصويري» (النقش الصويري) الذي شكل مدرسة خاصة. و«الدك» هو عبارة عن نقش خاص بالصويرة، مع الإشارة إلى أن كل مدينة مغربية تقريبا أتقنت نوعا خاصا تميزت به. ولكن «الدك الصويري» يعد بالإجماع الأكثر تميزا والأصعب إنجازا، ويعتبره كثيرون دليلا ناطقا على أناقة المرأة.

وهنا يجدر القول، إن هذا الطابع المتميز لـ«دك» للمدينة جاء بتضافر جهود الصاغة الذين هاجروا إلى الصويرة منذ زمن بعيد، من مناطق سوس وشيشاوة وتارودانت (كلها في الجنوب المغربي)، بالإضافة إلى يهود الصويرة، وكذلك بعض أبناء قبائل «حاحا»، وهي مجموعات قبلية أمازيغية عريقة تتكون من 12 قبيلة.

«الدك الصويري» عانى في بعض الفترات من شيء من التهميش، وذلك بعدما ترك عدد من الحرفيين هذه المهنة، مما أثر بشكل سلبي على صناعة الحلي الفضية، وهذا على الرغم من كون قطاع الحلي الفضية من القطاعات المنظمة بالمدينة. ففيها ثلاث «قيساريات»، و«القيسارية» هي عبارة عن مجموعة من الدكاكين المتجاورة تكون في العادة مخصصة لعرض منتج معينة. وهي تستقبل يوميا أعدادا لا يستهان بها من الزوار المغاربة والأجانب، إضافة إلى الزوار المحليين، وهي: «قيسارية الصائغين» وهي عريقة بعراقة الحرفة، و«قيسارية بن بكار» و«قيسارية الكنوز» اللتان أسستا عام 1982. «القيساريات» الثلاث مفتوحة إحداها على الأخرى، وتوجد كلها في شارع الاستقلال. أما الصناع التقليديون لحرفة الحلي الفضية فيعملون داخل دكاكين صغيرة، ويستعملون أدوات تقليدية.

تعتمد الحرفة على مهارة «المعلم»، الذي يلقن الحرفة للأجيال الصاعدة، أما طريقة العمل وأسرار المهنة فهي عند الأجيال السابقة شبه احتكار عائلي تتوارثه أبا عن جد. ويوزّع العمل داخل بعض هذه الدكاكين الصغيرة بين الصناع، فهناك مَن يصهر المعدن، ومَن يحفر أو يرصع بالأحجار الكريمة، وأما عن الإشكال التي ينتجها هؤلاء الصاغة فهي عبارة عن مجموعة متكاملة من الحلي، مثل الخواتم المتنوعة والأساور المختلفة والأقراط المتباينة الأحجام، والأحزمة والخلاخل.

هذه الحلي، طبعا، تستعمل في المناسبات المهمة، مثل حفلات الزواج والختان والأعياد الدينية، وبالإضافة إلى قيمتها الجمالية، تعد الحلي الفضية هذه وسيلة للادخار نظرا لقيمتها المادية.

تعتبر مدن الصويرة ومراكش وفاس وتطوان أهم مراكز صناعة الحلي في المغرب. ويمكن التمييز بين حلي هذه المدن من خلال تقنيات صياغتها، لا سيما أنها كانت تحمل في غالب الأحيان أختام المدن التي صنعت فيها. أما الحلي القروية فهي تختلف من منطقة إلى أخرى، وتتشكل مجموع الزينة النسائية في الغالب من تاج وزينة للضفائر وأقراط وخلالات وصدريات وأسورة وخواتم وخلاخل. وغالبا ما يستعمل معدن الفضة في صياغة هذه الحلي، وأحيانا يلجأ الصاغة إلى مواد أخرى، مثل النحاس والبرونز وخليط من النحاس والقصدير أو الرصاص.

وكما سبقت الإشارة، تخصصت بعض المراكز في تقنيات وأشكال معينة أكسبتها شهرة واسعة. وتتميز الحلي الحضرية التي تصاغ في مدن مثل فاس ومكناس ومراكش والصويرة وتطوان وطنجة، عن نظيراتها في الأرياف بالدقة العالية في الإنجاز.

وتُستوحى الزخارف التي يعتمد عليها الصاغة لتزيين الحلي الحضرية من أشكال زخرفية ذات أصول أمازيغية وأندلسية. كما أن الطابع السائد في تزيين هذه الحلي هو عبارة عن تشكيلات نباتية وهندسية مرصعة إما بالأحجار الكريمة أو الزجاج، وهو ما يضفي على الحلي الحضرية رونقا خاصا.

من جهة ثانية، حرص المغاربة على المحافظة على التقاليد والأصالة التي تتميز بها الحرف المغربية، مما جعلهم يوسعون مجال استخدام الفضة من الحلي ليشمل أيضا الأواني المنزلية التقليدية، وحتى اليوم لا يخلو بيت مغربي من الأواني الفضية، وبالأخص طقم أواني الشاي الذي يضم الصينية وإبريق الشاي (البراد)، ويمكن كذلك استعمال كؤوس للشاي مزخرفة بقطع من أسلاك من الفضة، التي تغلف الكؤوس بطريقة بديعة، هذا بالإضافة إلى أنها تستعمل في الديكورات المنزلية والإكسسوارات الرجالية التقليدية مثل الخناجر.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)