“المتوسط والعالم المتوسطي” لفرنان بروديل : أكثر من مجرد بحر. عالم بأسره تقاذفته الحضارات واستوعب كل ما أنتجه البشر
“لقد أحببت البحر الأبيض المتوسط بقدر كبير من الشغف، ربما كان ذلك لأني آتٍ من الشمال، مثل آخرين كُثر وبعد آخرين كثر. وكان من شأني أن أكرس له وبكل فرح سنوات دراسة طويلة. وفي المقابل آمل أن جزءاً من هذا الفرح وكثيراً من نوره سوف تضيء صفحات هذا الكتاب”. هذه العبارات يصدِّر بها المؤرخ الفرنسي فرنان بروديل الطبعة الأولى الصادرة عام 1949 لواحد من أوائل كتبه الكبيرة والمؤسسة، التي يمكن القول إنها أسهمت في تغيير صورة الدراسات التاريخية في فرنسا والعالم مقربة التاريخ من الجغرافيا بصورة حاسمة ونهائية.
والكتاب الذي نعنيه هنا هو “المتوسط والعالم المتوسطي في زمن فردينان الثاني”، حتى وإن كان موضوعنا اليوم كتاب آخر لبروديل لن يصدر إلا بعد هذا الكتاب بربع قرن وأكثر، ويحمل عنواناً أوضح كثيراً وأكثر بساطة هو “المتوسط”. ولا بد أن نوضح هنا أمراً، ليس ثمة علاقة بين الكتابين تجعلهما مكملين لبعضهما البعض باستثناء اشتغال بروديل عليهما معاً، انطلاقاً من غرامه الشغوف بالمتوسط. ولعل من الضروري أولاً أيضاً أن نتطرق إلى ما يمكن اعتباره جذور ذلك الشغف عبر حكاية يرويها بروديل بنفسه...