بير بيترسون، رواية

اللعنة على نهر الوقت تنفي كل قناعاتنا ترجمة - Traduction

, بقلم محمد بكري

جريدة السفير
الثلاثاء 18/09/2012 - العدد 12286
عناية جابر


جريدة السفير اللبنانية


القسوة والإنكار المطلق للحنان في رواية بير بيترسون


رواية بير بيترسون: «اللعنة على نهر الوقت» عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر» آسرة، للكاتب النرويجي الذي حازت أعماله جوائز أدبية، عالمية مرموقة، والرواية نفسها صنفت ضمن قوائم الكتب الأكثر مبيعاً.

«اللعنة على نهر الوقت» تحكي تاريخاً قريباً في حياة النرويج (1989)، حيث الشيوعية تنهار في جميع أنحاء اوروبا. أرفيد يانسن ابن السابعة والثلاثين (بطل الرواية) يحاول في سرد شفيف ومتقن، اعادة النظر بكل ما يحدث، عبر عملية «فلاش باك» او استرجاع لذكريات جميلة جمعته مع أخوته، كذلك لقاءاته الأولى مع الحبيبة التي تصبح في ما بعد زوجته.

مع شخصيات بير بيترسون، خصوصاً شخصية الأم مركز الاستقطاب في الرواية، استطاع الروائي ابتداع فضاءات ثقافية إلى جانب كونها إنسانية، خصبة وأصيلة بشكل غير عادي، إلى درجة ان يجد القارئ في شخصية الأم، عرضاً لأفكار الكاتب أيضاً، مع ان بيترسون يحاول ان يحمي نفسه أحياناً من عملية عرض الأفكار هذه، عبر تقديم الشخصية بقسوة تامة تنقض تماماً ما نعرفه عن الحنان الأزلي للأمهات بشكل عام. من الكلمة الأولى في الرواية، نرى على النغمة الحاسمة، نغمة الحزن المستنفرة التجريبية والمتسائلة. كل السرد تقريباً في رواية بيترسون يصب في باب «الكيتش» الذي جوهره الأصلي الإنكار المطلق للحنان. كل ذلك التأمل حول «الكيتش» في شخصية الأم، حيوي ومهم بالنسبة إلى الكاتب، ففيه الكثير من التأمل والتجربة والدراسة، حتى لنلمح وجداناً ما وراء كل ذلك، لكن النغمة مع ذلك تبقى حزينة ومتحسرة، من خصوصية هذا السرد الروائي.

الشاب أرفيد يانسن، يضع كل سنواته الماضية على المحك، موقفه النهائي مما يجري في البلد ومما يجري من شؤونه الشخصية، خصوصاً علاقته بأمه التي ألمَّ بها مرض عضال، والتي حتى المرض لم يقرّبه منها أو يجعلهما كائنين متفاهمين، كذلك علاقته بزوجته وفكرة الانفصال عنها، وعموماً الخيبة من انهيار الطموحات (في الصعيد العام والخاص) وسقوط الأحلام.

وحيداً منفرداً دون سائر أخوته، يقف يانسن بعد تسرب الرمل من ساعة عمره ليسأل نفسه: هل بمقدوري الآن، وبعد كل ما حدث، أن أضع أسساً لحياتي؟

بيترسون في سرده البارع، وفي تلاعبه بالزمن والأحداث، وفي تصويره الثاقب للعلاقة المعقدة بين البطل وأمه، يحمل هذه الرواية كل ميزاته التي تطبع أعماله، وأكثرها تعاطفه الإنساني (جذر السرد)، ولكن الخفي والمستتر بين السطور، وليس على غرار ما يتبدى للقارئ العادي. ومهما كانت جوانب الحياة التي تكتشفها الرواية، فهي تكتشفها كشيء جميل أولاً، وعلى شكل مغامرة ثانياً، والقراء بشكل عام يحبون المغامرة، ويجدونها جميلة. لم يمنحنا بيترسون أي أمل في روايته. لا، ليس أملاً بل هو شيء آخر، يشبه الموقف المستكبر للحياة، والجمال الغريب الأسود، فالجمال عنده هو إمكانية النصر الأخيرة للإنسان الذي لم يعد قادراً على الأمل.

نتساءل إزاء سرده القاسي عن أمه القاسية فعلاً، أيهما صحيح وأيهما خطأ؟ هل والدة البطل في الروايــة امرأة لا تطاق؟ أم انها شجاعة ومؤثرة في النفــس؟ وماذا عن البطل نفسه؟ هل هو حساس وكريم النفس؟ أم شخصية عدوانية عاطفية، ومفتون بنفسه؟

كلما قرأنا رواية بيترسون بانتباه أكبر، أصبحت الإجابة أكثر صعوبة، لان الرواية (اللعنة على نهر الوقت) قاسية فعلاً، وليس فيها من جوانب السخرية الملطفة للسرد، ليس بسبب انها تنقل لنا الحقائق، بل لأنها تنكر علينا قناعاتنا، وتكشف لنا العالم بكل غموضه والتباساته.

عن موقع جريدة السفير اللبنانية


صدر العدد الأول من جريدة السفير في 26 آذار 1974، وكانت ولا تزال تحمل شعاري “صوت الذين لا صوت لهم” و “جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”.
اليوم، وبفضل تقنيات الاتصال الحديثة والإنترنت، تخطت السفير مصاعب الرقابة والتكاليف الباهظة للطباعة في الخارج وتمكنت من الوصول إلى قرائها في القارات الخمس.
تتضمن صفحات السفير الأخبار والتغطية الميدانية للأحداث في السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع والرياضة والترفيه، بالإضافة إلى التحقيقات الميدانية والعلمية والبيئية.
وتتولى تغطية الأحداث اليومية مجموعة صحفيو السفير ومراسلوها في واشنطن وباريس ولندن والقاهرة وفلسطين ودمشق وعمان وموسكو وروما وبون، مستعينون كذلك بالخدمات الإخبارية التي توفرها وكالات الأنباء العالمية.
لقراءة المزيد


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)