الفوانيس المصرية وأغنية وحوي يا وحوي

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


05 يونيو (حزيران) 2016
جريدة القدس العربي
تحقيقات
القاهرة - من حسين محمود


“المخمس″ و”لوتس″ و”البرج” فوانيس مصرية تتراقص على إيقاع “وحوي يا وحوي”


“وحوي يا وحوي أيوحه.. روحت (ذهبت) يا شعبان.. جيت (جئت) يا رمضان”.. أغنية يُسمع صداها بقوة في مثل هذه الأيام التي تسبق قدوم شهر رمضان المبارك، في حي “السيدة زينب” أحد أشهر مناطق صناعة وبيع الفوانيس الرمضانية، بوسط العاصمة المصرية القاهرة.

وواكبت هذه الأغنية (المرتبطة بفانوس رمضان) افتتاح الإذاعة المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي، وتعود كلماتها لحسين حلمي المانسترلي، وهي مستوحاة من الفلكلور الشعبي، وهناك اختلاف حول من قام بتلحينها فبينما تشير بعض المصادر إلى أنها من ألحان الموسيقار أحمد شريف، يؤكد الإذاعي وجدي الحكيم أن الموسيقار أحمد عبد القادر هو من لحن هذه الأغنية.

و”وحوي يا وحوي أيوحه” هي كلمة ذات دلالة فرعونية تعني الترحاب أو أهلا بالقمر، وأيوحه هو اسم الدلع للملكة الفرعونية “إياح حتب”، زوجة أمير طيبة أواخر القرن الثامن عشر قبل الميلاد والذي تدهورت فيه الدولة الفرعونية وطمع فيها الهكسوس، فشجعت “إياح حتب” زوجها على مواجهة الهكسوس وعندما قتلوه دفعت بابنها الأكبر “كامس″ فمات محاربا مثل أبيه، ثم شجعت ابنها الثاني أحمس الذي نجح وانتصر على الهكسوس بمؤازرة وتشجيع أمه.

وبعد طردهم عاد أحمس منتصرا ومعه أمه التي ينقسم اسمها إلى “إياح” ومعناها القمر و”حتب” ومعناها الزمان أي “قمر الزمان”، أما وحوي فتعني أهلا أو مرحبا، وخرج المصريون لاستقبال أحمس وأمه حاملين المشاعل والمصابيح وهم يهتفون لها: “وحوي أيوحه” أي: مرحبا يا قمر، أو أهلا يا قمر.

وكعادة المصريين في شهر رمضان، يتجلى الفانوس الصاج المصري القديم في واجهات معارض “السيدة زينب” وقليل من محالها القديمة، مرفوع القامة كأنه ملكا على عرش الفوانيس، ليعيد في هذه الأيام من كل عام تاريخا مصريا تُسترجع بداياته الأولي في العهد الفاطمي (969م)، بأسمائه الشهيرة، مخمس، ولوتس والبرج، وفق صنّاع وباعة ومشترين.

إقبال المصريين على الفانوس الصاج عاد بقوة بعد قرار الحكومة المصرية العام الماضي بمنع استيراد الفوانيس من الصين، وعادت معها ابتسامات أسر تراها تلتقط معه صورا تذكارية في الحي المزدحم بمظاهر شهر رمضان.

عم “كامل السيد” (65 عاما)، أحد أشهر صُنّاع الفوانيس الصاج في حواري “السيدة زينب”، يجلس مستندا لحائط قديم يقابل محله العتيق، متذكرا “مهنة أجدادي.. وتاريخها يعود للفاطميين وما زالت مستمرة”.

لا يخاف عم “كامل”، وهو يقطع بآلة حادة، زجاج يستخدم في تزيين الفانوس الصاج، على مستقبل صناعته، ويواصل قائلا، “طول ما (طالما) فيه رمضان، هيكون (سيكون) الفانوس بتاعنا (الصاج) موجودا”.

بينما يلهو حفيده بفانوس “صاج”، صنعه عم “كامل” خصيصا له، يستكمل الأخير الحديث قائلا: “زمان كانت الفرحة تبتدي (تبدأ) بفانوس صاج وزينة رمضان، ورغم كلّ الظروف ما انقرضتش (لم تختف) وعاد ليتواجد الآن بالأسواق والناس بتقبل عليه (تشتريه)”.

ويتابع عم “كامل” أعمال مراحل التصنيع في محله الذي يضم أكثر من 5 عمال ذي أعمار مختلفة، رافضا مقارنة الفانوس المصري بنظيره الصيني، قائلا، “هذه ألعاب صينية وضعوا لها أغاني رمضان، ولا تعبر عن الفانوس نهائي”.

وعن عدم دعم الفانوس الصاج، بأغاني على نحو نظيره الصيني، كما هو محبوب، قال كامل: “ستكون التكلفة غالية، وحينها لن يتحملها المواطن”، لافتا أن الأسعار تبدأ من 10 جنيهات (نحو دولار)، إلى 1000 جنيه (نحو 100 دولار).

يتذكر عم كامل، أسماء الفانوس الصاج قديما وحديثا مثل فاروق، تاج الملك، مخمس، لوتس، البرج، لافتا أنها أسماء تجارية فقط.

“خليل” و”إسلام” نجلا عم كامل، علي أعتاب الثلاثين من عمرهما، يجلسان في مدخل المحل القديم، يمارسان أمام بؤرة نار قوية خطوات جديدة لصناعة الفانوس الصاج، التي تعلموها من الوالد.

مراحل التصنيع، وفق النجلين، تبدأ بعد تقطيع الصاج والزجاج، بتشكيل الأول وتلوين الثاني، ثم مرحلة التجميع واللحام في وقت تصنيع يستغرق ما بين ساعة إلى 10 ساعات حسب حجم الفانوس ذاته.

أشرف الجويشي (43 عاما)، عامل آخر في مهنة عم “كامل”، يمتهنها منذ 15 عاما، يرى أن “صناعة الفانوس الصاج ستستمر، ولن يؤثر فيها الشغل الصيني”.

على مسافة ليست بعيدة، من ورشة تصنيع الفوانيس الصاج المصرية ، تتصدر واجهات معارض حي “السيدة زينب”، أحجام مختلفة من الفانوس ذاته، وهو ما يراه البائع “سنبل ابراهيم” (28 عاما) أنها “تعبير عن شهر رمضان هي والفوانيس الخشب (مصنوعة من الخشب) والخيامي (مصنوع من قماش خيام شهير)”، وكلها قريبة من أشكال الفانوس الصاج، عكس الصيني المعروف بأشكاله المرتبط باللعب والشخصيات الكرتونية والأغاني.

“إبراهيم” البائع الذي يجتهد أن يروج بضاعته للمشترين ويحمل كما من الجنيهات كحصيلة أولية لمبيعاته، يقول لـ”الأناضول”، “الفانوس الصاج بدأ يأخذ وضعا في السوق (أي تعلو مبيعاته)، مقارنة بالسنوات السابقة، بينما الصيني مع منعه بقرار حكومي والتحايل عليه بشراء الألعاب من الصين وتزويدها بأصوات أغاني رمضان، لن يساعد في استمراره طويلا”، ويستدرك، “لكن الأطفال تطلبه من أجل الأغاني”.

وأوضح، أن الأسعار في الفوانيس المصرية (الصاج والخشب والخيامة) تبدأ من 10 جنيهات وحتى 1000 جنيه، حسب الحجم والشكل، وفي نظيره الصيني تبدأ من 30 جنيها (4 دولار) وحتى 85 جنيها (10 دولار).

ووفق باعة، “فالفانوس الخشبي والخيامي، تصنيعهما محلي، ويتخذان شكل الفانوس الصاج التقليدي، فالأول تفرغ فيها ألواح خشبية رقيقة بماكينة على شكل الفانوس، ثم يتم تجميع القطع الخشبية حسب أحجامها، ولصقها بصمغ (مادة لاصقة)، ويضاف لها أحيانا، شريحة صوتية تحمل أغاني رمضان، وأنوار”.

والفانونس الخيامي، ينطلق أيضا من شكل الفانوس الصاج التقليدي، ويبدأ مرحلة عمل فانوس الخيامية بتصميم شكل الفانوس بالكامل من الصاج، ثم تغطيته بقماش الخيامية الشهير بطريقة الحياكة اليدوية، مع إضفاء بعض اللمسات عليه، مثل الإكسسوارات والحبال لتزيينه.

في زواية أخري تمتليء بالفوانيس الصاج في أحد المعارض، وقفت أسر تلتقط صورا أمامه، وهي تبتسم، وقالت سيدة (تحفظت على ذكر اسمها)، وهي تلتقط صورة تذكارية لنجلها الصغير “الفانوس ده (هذا) تاريخنا، ومن غيره ما يبقاش (لا يكون) رمضان”.

“حنان فتحي (33 عاما)”، مصرية لا تري فرحة رمضان بغير فانوس صاج، غير أنها تقول “رغم ذلك اشتريت لنجلي فانوسا صينيا، نظرا للأغاني التي ترددها والمحبوبة لهم، أما للبيت فاشتريت فانوس صاج للزينة”.

وتعرف معظم شوارع وأحياء مصر، وفق “حنان” تعليق فوانيس صاج أو خشب أو خيامي، على واجهات المنازل، والمحال، على امتداد محافظات الجمهورية، ولا تعرف تعليقا لفوانيس صينية، التي تأتي للزينة في المنازل وللعب الأطفال، وتختم قائلة “من فات قديمه تاه”.

عن موقع جريدة القدس العربي


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.


عن صورة المقال

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)