ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

الفطايرية في تونس : تقاليد وأصول عمرها 350 سنة Tunisie - Tunis

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الخميـس 28 ذو الحجـة 1432 هـ 24 نوفمبر 2011 العدد 12049
الصفحة : عين الشرق
تونس : عبد الباقي خليفة


من عادات العريس أن تحضر له الفطائر مع البيض في الصباح


سي رضوان في محله يحضر الفطائر («الشرق الأوسط»)

كان علينا التوجّه فجرا إلى مضارب «الفطايرية»، حيث يكون الازدحام على أشده لتناول فطيرة بالبيض أو فطيرة السفنج قبل التوجه إلى العمل، أو لتناول فطور الصباح مع الأسرة كما هي عادة كثيرين، حيث يستحسن عدد كبير من التونسيين أن تكون الفطائر - أو «الفطاير» - ضمن وجبة الصباح. إلا أن أسبابا غير متوقّعة أخّرت وصولنا إلى تلك المضارب، فصرفنا النظر عن إنهاء العمل في ذلك اليوم في انتظار اليوم التالي، وكانت المفاجأة الكبرى أن وجدنا بعض «الفطايرية» ما زالوا يعملون، مع أن الساعة كانت تشير إلى قرابة منتصف النهار.

ما كان سبب تأخر إغلاق محلات الفطائر قدوم زبائن من مسافات بعيدة إلى السوق ولم يفطروا في منازلهم أو في المطاعم المنتشرة على الطرق فحسب، أو خلود كثيرين إلى النوم في ساعة متأخرة كما هي عادة البعض، وإنما لتزايد الطلبات في ذلك اليوم على الفطائر. فقط توالت الطلبات من قبل أصحاب المحلات التي توجد فيها أجهزة تلفزيون حيث كان الجميع في السوق يشاهد أعمال أول اجتماع لـ«المجلس التأسيسي» الذي أفرزته انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فكانت الأعين مسمّرة على التلفزيون والأيدي ممدودة إلى الفطائر والأفواه تعمل.

«الفطايري» رضوان بن صالح العزعوزي (45 سنة)، وهو أب لطفلين، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه «هذه الصناعة الغذائية جاءت من الأندلس، وهي متوارثة في أسرتنا منذ 350 سنة». وأردف «لقد ورثنا المهنة أبا عن جد، وأخذها الصغير عن الكبير حتى وصلت إلينا، ولكنني قد أكون آخر من يمارس هذه المهنة من شجرة الأسرة لأن الجيل الجديد تعلّم، وما عاد يرضى بممارسة هذه المهنة».

وشرح رضوان قائلا «في الوقت الحاضر لا يوجد مَن يريد تعلم هذه أصول هذه المهنة سواء من أبنائنا أو غيرهم، فالجميع يريد كرسيا وجهاز حاسوب (لاب توب) وسيارة ومصروف جيب.. ولا يهمه من أين يأتي كل ذلك»، مضيفا «كثير من الشباب اليوم يريدون أن يجدوا كل شيء أمامهم من دون أن يعملوا شيئا، وهذا طبعا مستحيل. للأسف شبان كثيرون يعيشون في عالمهم الخاص، وليس الواقع المعيش».

رضوان العزعوزي يعمل مع أخيه نور الدين (50 سنة)، وهو أب لأربعة، وبينما هو يتولّى صنع الفطائر، يعمل أخوه نادلا ومحاسبا في محلهما المتواضع وسط مدينة القيروان، وفي مكان استراتيجي قرب سوق السجاد (الزرابي) وسوق الذهب وسوق البلاغجية (النعال)، وفي مكان مفتوح على الشارع العام.

وعن التغييرات التي حصلت في صناعة الفطائر، قال رضوان العزعوزي «نعم، حصلت تغييرات ولكن للأسوأ. ففي السابق كانت الفطائر تصنع بدقيق القمح الصلب وزيت الزيتون والبيض بيض دجاج (دياري) الذي يربّى دجاجه في المزارع الطبيعية خارج المستودعات، ويسمى في مصر (البلدي)، أما اليوم فنصنعه بالدقيق المستورد والزيت النباتي وبيض دجاج المزارع أو ما نسميه في تونس «الدجاج الأبيض». ومع أنه لا توجد فوارق كبيرة بين بيض الدجاج الملون الدياري ودجاج المزارع فإن ثمة ميزة كبيرة لزيت الزيتون ودقيق القمح الصلب وأفضليتهما على غيرهما من الزيوت».

ويرجع رضوان الأسباب إلى «ضعف الطاقة الشرائية للمواطنين.. وليس إلى أي سبب آخر»، مفسّرا «لتر زيت الزيتون سعره 5.500 دينار تونسي، وهذا لا يشجعني على بيع الفطيرة بـ300 مليم فقط وهو سعرها الحالي، كما أن القمح غالٍ جدا ويجري تصديره إلى فرنسا وإيطاليا ودول أخرى بينما نأكل نحن دقيقا لا نعرف مصدره».

في الواقع، صناعة الفطاير في تونس من المهن التي تحتاج إلى جهد ليلي في إعداد العجين وتخميره، والتبكير فجرا لفتح المحلات واستقبال الزبائن. وهنا أوضح رضوان العزعوزي «نحن نعمل من الساعة الرابعة فجرا وحتى الثانية عشرة بعد الزوال (الغروب)، وأحيانا الواحدة بعد الظهر» واستطرد «نأتي إلى هنا ونحن نحمل العجين المخمّر في البيت، ونتفقّد أدوات العمل، ثم نتوجّه إلى صلاة الفجر، حيث نصلي جماعة في المسجد، ثم نعود إلى المحل لاستقبال الزبائن».

وما عاد العجين يعد باليد، لأن ذلك العمل الشاق كان يستهلك وقتا طويلا، بل اقتنى العزعوزي مع أخيه آلة عجن اختصرت مدة الساعتين والثلاث في العجن باليد إلى نصف ساعة تقريبا، وتابع «الماكينة أراحتنا من الكثير من التعب، ووفّرت علينا الكثير من الجهد.. ولم يقتصر التغيير على مستوى نوعية المواد وتوافر آلة للعجن فحسب، بل استعيض عن الحطب الذي كان يوقد به تحت آنية قلي الفطائر، بالغاز.. وهذا تغيير يسهل على الفطايري عمله ولكن في المذاق وفي الصحة هناك قول آخر».

هذا، ومن عادات العريس في تونس، أن تحضر له الفطائر مع البيض في الصباح، كما أخبرنا بعض الزبائن الذين كانوا في محل «سي» رضوان، ولم يبخلوا بالثناء على فطائره وعليه وعلى أخيه، وهنا قال «عندما تأتينا طلبات خاصة للعرسان، أو حتى للمنازل، نقلي الفطائر بزيت الزيتون، وبالطبع يختلف السعر قليلا في هذه الحالة»، وأردف «وإلى جانب الفطائر التقليدية، والفطائر بالبيض، هناك الفطائر بالبصل، ويسمى البريط، والسفنج، وهو يصنع من الدقيق فقط مع البيض، بينما تصنع الفطائر التقليدية بالفرينة والدقيق معا».

أما جواب السؤال حول الدخل اليومي والشهري للمحل الذي يعيل أسرتين تتكوّنان من 10 أفراد، فكان ببلاغة شديدة «مستورة والحمد لله».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)