الصناعة النحاسية بالجزائر… حرفة من زمن العثمانيين مهددة بالزوال

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


15 أكتوبر / تشرين أول 2015
جريدة القدس العربي
قسنطينة ـ من عبد الكريم لونيس ـ الأناضول


يعد النقش على النحاس من أقدم الحرف اليدوية التي تشتهر بها مدينة قسنطينة (430 كلم شرق الجزائر العاصمة)، بوصفه فن يعبر عن هوية المدينة وسكانها، وتمتد جذوره للحقبة العثمانية.

والنقش مهنة عريقة تقتات منها العديد من العائلات، غير أنها أصبحت مهددة بالزوال في السنوات الأخيرة، بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية وتراجع الإقبال على المنتجات النحاسية، بحسب حرفيين.

عمر خناوي (60 عاماً)، حرفي يمارس هذه المهنة، منذ 25 سنة، في المنطقة الحرفية باردو، بقسنطينة، يقول: ” النقش على النحاس يعتبر من الموروثات التاريخية في قسنطينة حيث أن له امتداد في مختلف الحضارات التي مرت عبر المدينة”.

ويضيف للأناضول: “النقش يعبر عن هوية سكان المدينة، باعتباره أداة ووسيلة للتأريخ من خلال النقوش على مختلف منتجات الصناعة النحاسية”.

غير أن هذه الحرفة، فقدت بريقها في الفترة الأخيرة، بحسب خناوي، الذي أرجع ذلك إلى “تراجع الإقبال عليها، سواء من طرف الحرفيين الذين تركوها، جراء ارتفاع تكاليف الإنتاج، أو المواطنين بسبب غلاء المنتجات وتحولهم إلى استعمال مواد معدنية أخرى مصنعة لسد متطلباتهم اليومية خاصة المستوردة منها، بما في ذلك تلك التي كانت تستخدم في جهاز العروس قبل انتقالها إلى بيت زوجها”.

ويتطلب النقش على النحاس، أدوات مختلفة يمكن وصفها بأنها بدائية، لكن الاستغناء عنها غير ممكن، لأنها أساس ممارسة هذه الحرفة، وتتمثل حسب ما وقف عليه مراسل الأناضول، في منضدة خشبية صغيرة، ومطارق حديدية متعددة الأنواع والأحجام، وأقلام فولاذية للحفر، وبعض الأحماض المؤثرة التي تُستعمل في التعشيق (التلميع).

وعلى الرغم من طغيان الأدوات المعدنية المختلفة، إلا أن المنتجات النحاسية التي تستخدم في الزينة، وتكون مزخرفة بالنقوش، لا تزال محافظة على مكانتها وسحرها بالأسواق القديمة لمدينة قسنطينة.

ففي المدينة ينتشر عدد من الحرفيين الذين رفضوا ترك المهنة، وابتدعوا طرقاً جديدة لاستمالة الزبائن، وتلبية رغباتهم كالنقش حسب الطلب، ووضع الصور على التحف الفنية والتعشيق، وغيرها من الأساليب، وذلك من أجل الحفاظ على هذه الحرفة من الزوال.

ويرى الحرفي منصف مشعاري (55 عاماً)، أن هذه الحرفة “في طريقها للزوال، إذا لم يتم الاهتمام بها وتدعيمها، لأن قسنطينة التي كانت تعد مركزاً لذلك، بدأت تفقد بريقها، حيث أن الكثير من المحلات أغلقت أبوابها، ومئات الحرفيين تركوها، لأنها لم تعد تؤمن لهم حتى قوتهم اليومي”.

ويقول للأناضول: “أنا موجود اليوم في محلي ولا أزال أمارس هذه المهنة، كوني ورثتها عن أجدادي، ولن أتركها أبداً، لأني وعدتهم بأن أحافظ عليها وأسير على دربهم”.

والأواني النحاسية لا تعكس قيمة جمالية فقط، وإنما ترمز لتاريخ وأحداث مختلفة، وفي هذا الصدد يقول مزداد عمار (68 عاماً) وهو حرفي، منذ 49 عاماً :” من بين الأواني النحاسية التاريخية، نجد البقراج، الذي يعني اللغة العربية (البُقْ) هو الفم، و(راج) الذي يعني اهتز بغليان الماء، وهو آنية لتقديم الشاي، ويعود ظهوره إلى الدولة العثمانية، كما يعد رمزاً لقواتها المسلحة، والجيش الإنكشاري، حيث أن البقراج كان يأخذ في شكله ما يرمز لرداء الجندي التركي”.

ويمضي قائلاً للأناضول: “يوجد أيضاً وعاء يسمى (الطبسي) وهو صحن كبير بغطاء يشبه قبة المسجد، وعليه نقوش ورسوم إسلامية، ويستخدم في الأفراح والولائم، حيث يوضع فيه الكسكس ليأكل منه الضيوف في صورة ترمز للاتحاد، والتمسك بتعاليم الدين الإسلامي “.

والشيء المميز في الأواني النحاسية التي يتم إنتاجها بقسنطينة، هو النقوش الموجودة عليها، التي تميزها عن غيرها في باقي المدن الجزائرية، وحتى الدول العربية.

وعن ذلك، يقول الحرفي رياض سقني للأناضول “المميز في الصناعة النحاسية القسنطينة، هي طريقة النقش التي ترمز وتعكس عادات وتقاليد المنطقة ومختلف الحضارات، وأهم هذه النقوشات هي نقشة (الزقوقو)، وهو الثمر الذي تنتجه شجرة الصنوبر، وكان في الماضي أكل الفقراء، ثم تحول إلى رمز للغنى والرفاهية”.

عن موقع جريدة القدس العربي الجديد

عن موقع جريدة القدس العربي


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)