ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

الشمري يوقد نار قهوته 13 سنة من دون توقف.. مرحبا بـالخطار والزوار Arabie Saoudite - Traditions

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاحـد 11 ربيـع الثانـى 1433 هـ 4 مارس 2012 العدد 12150
الصفحة : عين الشرق
حائل : هدى الصالح


في «مضيفة» تتحدى الحداثة.. ولا تغيب عنها أحاديث وحكاياه


في منزل ضيافة خلف الشمري.. ذكريات كرم «حاتمي» من الماضي البعيد («الشرق الأوسط»)

بعدما كانت «الشبة» محل تنافس بين سكان البادية في الأيام الخوالي، فإن «الشبة» - التي تعرف أيضا بـ«شبة النار» و«شبة الضوء» كدليل الجود والكرم لأهل الصحراء العربية - طوتها، في أيامنا هذه، الحداثة المدنية، التي طمست أو كادت تطمس سحر حياة الصحراء وقيمها الجميلة المتوارثة.

اليوم، بل قُل منذ أكثر من 13 سنة، يحرص مواطن سعودي، هو خلف الشمري، على استعادة تلك القيم والتقاليد، مبقيا على ناره مشبوبة وألسنة لهبها متصاعدة، كرمز صامد للجود والكرم التقليدي في وجه تطور ظروف الحياة المدنية، متخذا من حبوب القهوة العربية الأصيلة شعارا لمنزله.

ومن بين جبلي أجا وسلمى، في شمال المملكة العربية السعودية، وتحديدا مدينة حائل، في بلاد طيء، يسعد خلف الشمري «بإبقاء أبواب منزله مشرعة و(شبته) مشتعلة طوال اليوم»، ويعتز بأنه غدا أشبه بدليل للمسافرين والضيوف وعابري السبيل - أو ما يعرفون أيضا بـ«الخطار» - من مختلف دول الخليج العربي. وهو هنا يتذكر أبيات ابن منطقته دغيم الظلماوي، المتوفى بالقرن الـ12، في قصيدته من الشعر النبطي التي يقول فيها: يا كليب شب النار يا كليب شبة عليك شبة والحطب لك يجابي وعلي أنا يا كليب هيله وحبه وعليك تقليط الدلال العذابي ولا يغيب عن الشمري كرم أسطورة الجود في التاريخ العربي، حاتم الطائي، أو «حاتم طيء»، خاصة أنه أبقى ذكرا له لا يقتصر على قصره و«موقدته» الشهيرة، وإنما يشمل أيضا مجد شعر أهل طيء، وهو أمر يعتبره واجبا لا بد من الحفاظ عليه.

وحقا، ما إن يفد زائر على خلف الشمري، حتى يشاهد منزلا عصريا، لكن أبوابه مشرعة دائما متأهبة للترحيب بالضيف أنى أتى ومن أي مكان وفد، منذ بزوغ الفجر وحتى بعد منتصف الليل.

وما إن يخطو الضيف قليلا باتجاه مقدمة المنزل حتى يشاهد كل أنواع القهوة العربية، وكذلك الشاي، أو مختلف أدوات القهوة أو «المعاميل».

وعلى الرغم من غياب سحر «شبة» النار عن الصحراء في منزل خلف، وبين جدرانه، فإنه أصر، خلال لقاء «الشرق الأوسط» به، ووفق تعبيره على «تسخير نعم الحياة العصرية في الإبقاء على معالم عيشة الصحراء. فلا المشب ولا المنافيخ ولا الملاقط وما يعرف بـ(المجراف)، وكلها من المعدات اللازمة لإيقاد النار، بقيت موجودة ومعروفة عند أبناء الجيل الجديد، لكن خلف استعاض عنها بموقد الغاز، الذي اصطلح على تسميته (الدافور)، لا سيما أن الهدف هو هو، لا يتغير، أي شعلة نار ورائحة قهوة».

خلف الشمري، الذي عمل عسكريا لعدة سنوات في الحرس الوطني السعودي، تحدى الجميع في سبيل الإبقاء على دار ضيافته مشرعة طوال الوقت، حتى أثناء سفره. لكنه، في المقابل، لم يكن أفضل حالا من قدوته حاتم الطائي، الذي هجره أبوه لكرمه الواسع الذي بلغ درجة أنه لم يُبقِ على شيء من إبله؛ إذ إنه عانى طلاقه من زوجته الأولى وهجران الثانية له، بعدما ضاقتا ذرعا بطول مكوثه مع زواره، في ظل ضيق الحال. ومع هذا فإنه يصبر ويرضي نفسه في الوقت ذاته، مرددا البيتين الشهيرين لحاتم الطائي عندما يقول: وإني لعف الفقر مشترك الغنى وتارك شكلا لا يوافقه شكلي وشكلي شكل لا يقوم لمثله من الناس إلا كل ذي نيقة مثلي «شبة» خلف الشمري ما زالت صامدة وحارة منذ 13 سنة بلا انقطاع. وهذا على الرغم من تواضع ما يتقاضاه شهريا كمرتب تقاعدي؛ فمرتبه التقاعدي لا يتعدى 2000 ريال سعودي، ينفقه على 8 أولاد، لكن مجالسه تظل ملاذا دافئا للحديث عن أخبار الماضي ونوادره وسيره، ناهيك عن المساجلات الشعرية والحديث الذي لا يكاد ينتهي عن «مزايين» الإبل وأماكن الربيع وما إلى ذلك. وهو هنا يقول معلقا: «لم أجلب التلفاز إلى مضيفتي.. أحتاجه في يوم ما. لا كرة القدم ولا الحديث عن الثورات العربية لهما مكان هنا».

ومع أن خلف يمضي الساعات الطوال في منزل ضيافته مع زواره و«خطاره» من مختلف فئات المجتمع وطبقاته، من الميسورين إلى المحتاجين، فإن هؤلاء كما دخلوا مجهولين يخرجون كما دخلوا، فهو لا يسأل عن هويتهم ولا يكترث لمكانتهم ولا يميز بين كبيرهم وصغيرهم. والغريب أنه لم يشعر بأي فضول لأن يسأل كاتب هذه السطور عن اسمه أو جهة قدومه.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)