السيد أحمد عبدالجواد وشخصيته الملتبسة في الثلاثية. المناخ الواقعي العجيب استدعاه نجيب محفوظ من جوهر حياته في حي الجمالية في مناطق الثلاثية
تعد شخصية السيد أحمد عبدالجواد أو “سي السيد” كما يطلق عليه مجازا من الشخصيات الروائية الملتبسة في عالم الرواية، بسبب تلك المفارقة الضخمة التي تلتبس طبيعة ممارساته داخل بيته، وما يجرى خارج نطاق أسرته، فعالمه الذاتي عالم متناقض تحكمه مفارقات الشخصية والتباس ممارساتها هو داخل الأسرة يتلبس ثوب الأب القدوة الصالحة العارف بأمور وأحوال ومقدرات أسرته، بينما هو خارجها صورة متناقضة تماما يعيش في مباذله وملاذاته في صحبة النساء والعوالم والراقصات وخلان الكأس والخمر.
وشخصيته كما يطلق عليها نقديا مصطلح “البطل الإشكالي” شخصية تحمل من مفارقات الواقع كثيرا من جوانبها، ولعلي أستعير مقولة الشاعرة ملك عبدالعزيز في مقدمتها لكتاب “نماذج بشرية” للدكتور محمد مندور، الذي استعارته من بحث الدكتور مندور في شخصية من شخصيات كتابه وصّدرت بها هذا الكتّاب كبحث خاص في نماذج إبداعية للبشر الذين يحتويهم هذا الكتاب، يقول الإثنان: “للكاتب الإيطالي المعروف بيراندللو Piranedllo رواية مسرحية هي”ست شخصيات تبحث عن مؤلف يبرزها إلى الوجود"، وهذا هو معنى الخلق في الأدب. ولكم من شخصية لا تزال مبعثرة غامضة حائرة، حتى يتاح لها مؤلف يجمع أشتاتها ويوضح معالمها ويدعم حياتها، فإذا هي أبقى على الزمن من البشر، وإذا بها تجتاز الأجيال مستقلة الوجود في مأمن من الفناء، لأنها أعمق في الحياة من كل حي، وأصدق دلالة من كل واقع". (1)
ولعل شخصية السيد أحمد عبدالجواد في ثلاثية نجيب محفوظ من الشخصيات التي بحثت لنفسها عن مؤلف يبرزها إلى الوجود ويضعها في حالتها التي ظهرت عليها في الثلاثية لتكون رمزا خالدا لشخصية الرجل الشرقي في هذا العمل الروائي الملحمي الكبير، حتى وجدت نفسها أمام نجيب محفوظ فحققت لنفسها وللثلاثية هذا الحضور وهذا الوجود، وشكّلت حالة من حالات الحضور الخاص في عالم الرواية وأيضا في عالم السينما حين تم تجسيد أبعادها في عالم السينما والتليفزيون، مما أوجد نوعا من التوهج والألق الشديد لهذه الشخصية المنقولة من صفحات الورق إلى الشاشة، مما زاد في حضورها على المستوى الجماهيري بعد أن كان حضورها على المستوى الأدبي لا يتعدى قراء الثلاثية...