الدبكة اللبنانية مع الأخوين رحباني تخلت عن ببغائيتها

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
السبت - 25 ذو القعدة 1435 هـ - 20 سبتمبر 2014 مـ - رقم العدد 13080
الصفحة : يوميات الشرق
بيروت : مازن مجوز


فن متعدد الأنواع توارثته الأجيال منذ القدم


في كل عرس أو حفل في المشرق العربي، يسارع الناس إلى مواكبة الفرح من خلال ما يسمى «حلقة دبكة» يصطف فيها الراقصون على شكل قوس أو دائرة، ويدبكون بطريقتهم، من دون الحاجة إلى كثير من الموسيقى بل يكفيهم شخص يحمل طبلة أو مجوزا ليضبط إيقاع خطواتهم.

وقديما قيل: «إذا أردت أن تحكم على حضارة وطن فانظر إلى مدى تعلق شعبه بتراثه»، فـ«العونة»، و«الدبكة» من التراث؛ وتعني التكاتف وشد الأيدي، والغناء، وتعني الفرح والمشاركة.

والدبكة قديمة في لبنان، إلا أنها بدأت تتطور منذ عام 1957 عندما أقيم أول مهرجان لـ«الدبكة الشعبية» في مدينة بعلبك في البقاع، ومن حينها بدأ هذا الفن ينتشر محليا، وإقليميا، ودوليا، عبر فرق لبنانية راقصة.

من داخل مزرعته في مدينة الشمس يقول الفنان علي حليحل، العاشق للخيل، و«الميجانا»، و«الدلعونة»، و«الدبكة»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «اخترت اللون البدوي والجبلي وطبعت بصمة له في الغناء.. المغني والملحن زكي ناصيف هو من دفعني للاشتراك في (استوديو الفن) وقال لي علينا أن نحافظ على هذا اللون».

ويضيف: «للدبكة أنواع منها (الدلعونة/ الشمالية)، و(الهوارة) و(الغزيل) و(البداوية) و(السويلي) و(الحدو)، و(الكرادية العادية) وتختلف طرق تأديتها حسب الأغنية أو اللحن، ولا تقام إلا بالشراكة بين مجموعة متراصة من النساء والرجال، وكلما كان العدد أكبر تصبح (الدبكة) أجمل».

ويؤكد أساتذة الرقص اللبناني أنه مهما غزت لبنان من فنون، فإن ذلك لن يؤثر على تراثنا وحضارتنا بل يمكن الاستفادة منه، فمع مرور الزمن ما لبثت أن تحولت «الدبكة» إلى فن له مكانته، وباتت العمود الفقري للفلكلور اللبناني، واستمرارية للتراث والعادات والتقاليد التي ورثها اللبنانيون منذ القدم عن الأجداد والآباء، ليصبح محل اعتزاز وفخر للبنانيين. فـ«الدبكة» اللبنانية جذورها بدوية، وهي رقص جماعي قبلي، وتعد «الدبكة» من طباع الشعب اللبناني؛ حيث تملك كل بيئة، وكل منطقة، وكل عشيرة، رقصاتها وطقوسها، حسب جغرافيتها بدءا من عائلة آل صلح في بعلبك، وكان يعد زكريا صلح (أبو يحي)، ومحمد صلح (أبو ماجد) أهل الدبكة فيها، مرورا بأهل حوران في سوريا، وصولا إلى الأكراد في القامشلي. ولا ننسى رقصات أبناء البترون في جبل لبنان، وقد أحصيت أكثر من 10 أشكال منها، فيما لدى أبناء عكار 4 دبكات أهمها «دبكة عرب» ذات الجذور العكارية التي وصلت لاحقا إلى مدينة تلكلخ في سوريا.

ووفق حليحل، فإن لكل نوع من أنواع «الدبكة» أصلا، فـ«البداوية» تعود للبدو الآتين من نجد في السعودية، وأصحابها أتوا منذ نحو 400 سنة وسكنوا هنا، ثم اعتمدوا عندنا «نقلة» مستحدثة خاصة بهم، لأنه ليس ثمة دبكة في نجد.
ويؤكد حليحل أن كل تراثنا آت في أصله، من نجد والفرات في بلاد الرافدين ومن سوريا، فيما أخذت فلسطين والأردن دبكة «الدلعونة» من بلاد الأرز، ومن هنا يأتي التشابه بين التراث الفلسطيني والأردني. وتعد رقصتا «الدلعونة»، و«الهوارة» في محافظتي جبل لبنان والبقاع وبعض قرى الجنوب، الأكثر شيوعا بين أنواع «الدبكة»، نظرا لحماستها وجمال تأديتها، وتقام خصوصا في الأعراس، والحفلات، والأعياد، وفي الساحات وعلى المسارح، وغيرها سواء كان ذلك في المدينة أو في الريف، ويبقى فحواها الرئيس الحفاظ على التراث. ولـ«الدبكة» محطات كثيرة في التاريخ العصري، فأول استقبال للبابا الراحل مار يوحنا بولس الثاني كان على صوت أناشيدها عندما وطأت قدماه أرض وطن الرسالة. ويتكون اللباس التقليدي لـ«الدبكة» كما هو معلوم، من السروال والقميص والجاكيت المطرز بطرق تقليدية، مع وضع الكوفية أو الطربوش على الرأس. هذه الرقصات تؤدى على ألحان آلات موسيقية تقليدية، مثل: الناي، والمجوز، والطبل، والرق، والكاتم، والمزهر، والمنجيرة، والدف، وغيرها.

وتوظف رقصة «الدبكة» أغنيات وإيقاعات «الميجانا»، و«الدلعونة»، و«الروزانا»، و«الهوارة»، وغيرها من الإيقاعات المتنوعة، من أجل إضفاء نوع من البهجة والفرح على العروض.

ومن المعروف أن الأخوين رحباني قدما بالتعاون مع عائلة جرّار، نسخا لبنانية مختلفة من «الدبكة» في أعمالهم القليلة الأولى، وفي ذلك كتب الباحث والناقد السوري جان الكسان: «أدركوا الوجدان الفولكلوري العميق، قبضوا على الوجدان الشعبي، الجمعي والتاريخي، وأطلقوه إلى فضاء جديد، فضاء مفتوح على الإمكانات الإبداعية كافة. لم يبق الفولكلور مع الرحابنة، خصوصا عاصي، مادة ثابتة وببغائية، بل تحول إلى كائن حي ينمو ويتطور، يتفرع ويرتفع».

وبينما كان الرحابنة مأخوذين بعفوية الدبكة بين «الفلاحين»، كانوا أيضا واعين بحدة لضرورة صقلها، ويُنقل عن الرحبانيين قولهما عن موضوع التدريب: «الباليه ليس مجرد مسألة خطوات.. والمشكلة مع الفلاح أنه لا يعرف كيف يتمرن». وانتقالا إلى مشاركات لبنان في معظم المهرجانات الفنية والثقافية في بعض البلاد العربية، نجد أن وزارة الثقافة اللبنانية تعتمد فرقا عدة، أبرزها: «برجا للفنون»، و«الفرسان للفنون الشعبية»، و«أصايل»، «موليا للرقص الشعبي»، و«فهد العبد الله للرقص الشعبي». ومن الملاحظ أن «دبكة» الناس العاديين تختلف عن تلك التي تقدمها الفرق المحترفة، كفرقة «كركلا» الشهيرة وذات الطابع الشعبي.

إشارة إلى أن الفرق المحلية أصبحت كثيرة وباتت توظف مهاراتها في حفلات الأعراس، وحتى في بعض الحفلات الخاصة أو الفيديو كليبات الغنائية كما هي حال فرقة «هياكل بعلبك» التي ينتمي أعضاؤها إلى آل صلح في بعلبك، وشاركت في كليبات لنانسي عجرم، وعاصي الحلاني، وملحم زين، وتتميز «الدبكة» البعلبكية بتوقيع الخطوات وسرعة الحركة وقوة الخبطة.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.
لقراءة المزيد


عن الصورة المرفقة بهذا المقال

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)