البحث عن الزمن المفقود... السيرة الذاتية التي غيرت في تاريخ الأدب للأديب الفرنسي مارسيل بروست من ترجمة إلياس بديوي

صدرت مؤخراً النسخة الكاملة (7 أجزاء) للرائعة الأدبية “البحث عن الزمن المفقود” للأديب الفرنسي مارسيل بروست. هذا العمل الضخم كان قد صدر بالعربية في التسعينيات من القرن الماضي، عن دار شرقيات، من ترجمة إلياس بديوي، إلا أنه لم يكمل الجزء السادس والسابع منه، فأتم ذلك د. جمال شحيد. ومنذ التسعينيات يشقى القارئ العربي بالعثور على نسخ من هذه التحفة النادرة لعمل أدبي لابد لكل قارئ أن يقرأ أو يسمع عنه. أعاد د. شحيد التدقيق في كامل الأجزاء السبعة، لتصدر كاملة في طبعة جديدة من منشورات الجمل.

هذا العمل الأدبي هو سيرة ذاتية، لكنها قد تكون السيرة الذاتية الأكثر أهمية في تاريخ الكتابة، لأن هذه السيرة الذاتية دخلت في تاريخ الأدب مطورةً في الأساليب السردية. لا يوجد في تاريخ الأدب إسهام لنوع السيرة الذاتية في تطوير التقنيات السردية، إلا مع “البحث عن الزمن المفقود”. فقد أسهم هذا العمل الأدبي في تطوير أسلوب سردي جديد في حينها، أُطلق عليه اسم تيار الوعي في السرد، الذي كان يعمل عليه بالإضافة إلى الفرنسي بروست، وفي الفترة ذاتها، كل من البريطانية فرجينيا وولف، الإيرلندي جيمس جويس والأميركي ويليام فوكنر. كل منهم أسهم في ترسيخ ما سيطلق عليه تيار الوعي في الأدب، بدايات القرن العشرين، والذي أدخل على النص تقنيات المونولوج الداخلي.

ترافقت هذه التغيرات في الأدب مع اكتشاف التحليل النفسي من قبل سيغموند فرويد، وظهور نظريات الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون، عن الزمن، الذاكرة والتلقي. لذلك، أصبح النص عبارة عن مونولوج السارد وهو يتلقى العالم، عبر الحواس، الزمن، الذهن وبالتحديد عند بروست، عبر الذاكرة. إن هذا التجديد الأدبي نظر إلى الزمن نظرة جديدة، فلا حدود فاصلة بين الماضي والحاضر، بل كلاهما في تداخل مستمر، فتيار الوعي يتنقل بين الماضي، الحاضر، واللحظة التي يعيشها الذهن، وهكذا تموجت الحدود الصارمة بين الأزمنة. هذه النظرية في جريان الزمن كرستها كتابات بروست في “البحث عن الزمن المفقود”، حيث يتنقل وعي السارد باستمرار بين الماضي واللحظة، ليصف كيفية تلقيه للعالم عبر الحواس والذهن، وتعود اللحظة لتبزغ من جديد بين الحين والآخر في السرد. القصة بمجملها تنطلق من لحظة ذكرى تفتتح الفصل الأول، لتسترجع كامل الحكاية الممتدة على طيلة سنوات عمر الكاتب.

هذا العمل الأدبي السيري يتألف من 7 أجزاء، وتوزعت على 4300 صفحة، كما يحتوي على مليون ونصف المليون كلمة، ويتجاوز عدد الشخصيات الحاضرة في الكتاب الـ 2000 شخصية. عناوين الأجزاء: “جانب منزل سوان”، “في ظلال ربيع الفتيات”، “جانب منازل غرمانت”، “سدوم وعمورة”، وهو الجزء الذي تأخرت ترجمته للعربية لأن لجان السلامة الفكرية العربية كانت حرمت ترجمته، بسبب ما يتضمنه من كلام صريح عن المثلية الجنسية، “السجينة”، “الهاربة أو ألبرتين تختفي” و"الزمن المستعاد". كتبت هذه الأجزاء السبعة بين أعوام 1906-1922، ونشر جزء منها في حياة المؤلف وجزء بعد مماته، بين أعوام 1913-1927. وحاز الجزء الأول منها على جائزة غونكور، لتكون أول سيرة ذاتية تحوز على جائزة أدبية...

حقوق النشر

تم نقل هذا المقال بهدف تربوي وبصفة غير تجارية بناء على ما جاء في الفقرة الثانية من الفقرة 5 من شروط استخدام موقع رصيف 22 الإلكتروني على الموقع الإلكتروني “رصيف 22” :

... علماً أن الموقع يحترم، بالقدر الذي نقتبس فيه المواد من حين لآخر من مصادر أخرى بغية دعم مختلف التفسيرات والمؤلفات الواردة في هذا السياق، حق الآخرين في “الاستخدام العادل” للمواد التي يتضمنها الموقع؛ وبناءً على ذلك، فإنه يجوز للمستخدم من حين لآخر، اقتباس واستخدام المواد الموجودة على الموقع الإلكتروني بما يتماشى مع مبادئ “الاستخدام العادل”.

رابط : المقال على موقع رصيف 22

أخبار أخرى

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)