الإعـلام المعـاصر .. ولغتنا العربية

, بقلم محمد بكري


جريدة رأي اليوم الإلكترونية


الخميس 26 يونيو/ حزيران 2014
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
عــلاء الشعبــي


يعتبـر الإعــلام بوسائلــه المـرئية والمسموعة والمقروءة – بشقيها الورقي والالكتروني-، من أهم جوانب التأثير وصناعة الرأي العام في العالم، لهذا تسيطر عليه القوى والمنظمات العالمية التي تعمل في نشاطات مختلفة ولها أهداف متعددة، كما يستخدم الإعلام من قبل الكثير من أصحاب المشاريع السياسية والفكرية والثقافية والتنويرية، فنجد آلاف القنوات التلفزيونية والإذاعية ناشرة خيوطها على سما الكون، في عصر السماوات المفتوحة، وملايين من الصحف والدوريات، بالإضافة إلى ملايين المواقع والمنتديات على الشبكة العنكبوتية، حيث يسعى كل فصيل إلى تحقيق أهداف معينة من وراء إنشاء القنوات الإعـلامية بكافـة أنواعها، وتختلف هـذه الأهـداف حسب المنهـج والفكر المراد نشرة أو التسويق له أو الغـرض المـراد نيلــــــــه.

أن الاهتمام بالإعلام موجود منذ القدم، وذلك لما له من دور هام في تغيير الأفكار والأحكام، وما يلعبه في تغيير القناعات المطلقة لدى العوام في أي مكان في العالم، فهو وحده القادر على جعل الكذبة الامجوج حقيقة كاملة لها طعم العسل المصفى، وقد اُستُخدِم الإعلام كسلاح ذو حدين في الكثير من الحروب الساخنة منها والباردة على مدار التاريخ، فكما هو بدرجة أساسية لإقناع العامة بقضيتهم وعدالتها هو أيضا وبنفس القدر من الأهمية لإرهاب الخصم أو ترغيبه أو تغيير قناعاته تجاه القضية التي يدافع عنها.

ونشهد اليوم طفرة غير عادية في عدد القنوات الفضائية والإذاعية، بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والمدونات الشخصية، والمنتديات الالكترونية، التي ظهرت وتكاثرت والتي لعبت وتلعب دورا بارزا في الحرب الثقافية الفكرية – حرب الثقافات – والتي زاد اشتعالها في الألفية الجديدة خصوصا بعد الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان حيث أدت هذه الحرب إلى تغيير جذري أو “التأثير العميق” في ثقافات ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وخاصة في وطننا العـــربي، فظهرت ثقافــــات جديدة غير متأصلــة حتى على مستـوى هــذه الدول – الباعثة – مما أنتج لنا حالة من انتزاع الهوية وتغيير الثقافة الأصيلة والمتجذرة عند الشعوب التي تملك بعد حضاري منذ آلاف السنين ولديها ارث ثقافي عميق ومتأصل.

وقـد لاحظنا اثر ذلك في ابتعاد العربي عن جذوره وتنكره لهويته أو محاولة انسلاخه من جسـد العــروبة، وبرز هـذا التأثر في الكثير من الجوانب الإنسانية في الوطن العربي وأبرزها التنكر للهوية، والانتماء والخلط في اللغة – إذا لم يكن استبدال -، والتي تعتبر الركيزة الأهم في إثبات الهوية والانتماء ومدى صلابتهما ومقاومتهما لرياح الإعلام العاتية والمتمردة، التي تريد سلخ الإنسان عن ثقافته وارثه الحضاري، وزعزعة قوميته، وقد ظهر اثر هذا الانسلاخ – عربيا- جليا في الكثير من الممارسات والسلوكيات التي يمارسها شبابنا اليوم، وكذلك في الحوارات والنقاشات التي تتم في الصفحات الالكترونية حيث نلمس انسلاخ غير عادي وتقزز مشين من عروبتهم ولغتهم.

كما نلمس هذا الابتعاد والعزوف عن استخدام اللغة العربية عندما نطالع كتابات الشباب على شبكة الانترنت سواء في صفحات التواصل الاجتماعي أو مواقع الدردشة ،أو في مدوناتهم الخاصة والتي يتم الكتابة فيها بلغة سهلة وركيكة، أو بالعامية أو باللغة المهجنة “العربيزية”التي تحمل في طياتها الكثير من المفردات الغريبة الأجنبية منها أو المفردات الشبابية التي يبتكرها الشباب للتعبير عن مكنوناته أو للتواصل فيما بينهم، مبتعدين في ذلك عن موروث عظيم وغني في اللغة العربية الفصحى.

لا شك أن لغتنا العربية غنية بالمفردات و التعابير التي تثري أي موضوع وأي جانب من جوانب الحياة حيث لا يبرر استخدام أي لغة للتعبير بديلا عنها والتعليل أنها غير ملائمة للتعبير عن هذا الجانب أو ذاك حيث يعتبر الخطوة الأولى نحو التغريب.
لقد مهدت المواقع الالكترونية للكتابة السهلة والبسيطة البعيدة عن قواعد الكتابة الصحيحة والمنحرفة عن قواعد اللغة الأصيلة، وساهمت في ظهور كتابات بأقلام متهالكة، نتيجة لبعدها عن الرقابة اللغوية والتحرير اللغوي مما ينذر بأزوف الكارثة واقترابها وسوف تعصف بالجيل الشاب الذي ما زال طري.

هذا وأكثر يحصل ونخبنا الثقافية تنعم في نوم عميق لن يوقظها منه إلا انفجار ثقافي رهيب، وبداياته موجودة حيث نجد الكثير من التلاميذ والطلاب يبتعدون عن اللغة العربية ويشمئزون منها ومن معلميها ونجد اقل الدرجات العلمية في الجامعات والمدارس في مادة اللغة العربية، وليس الطالب أو التلميذ وحده الملام في هذا وإنما المعلم والأستاذ له دور وباع طويل في تعميق هذا الكره للغتنا العربية وترسيخه في عقول الطلاب والتلاميذ باستخدامهم المشين لها وممارساتهم الخاطئة في تعليمها.
إن اللائمة يجب أن تلقى على وزارتي التربية و التعليم، والتعليم العالي، في الوطن العربي ككل، التي أسهمتا وبشكل فعال في الوصول إلى هذه الحال، وذلك بسبب تواطئهما في ترك الحبل على الغارب، وعدم تحديث طرق تعليم اللغة العربية، واستبدال الطرق التقليدية بأخرى تسهل توصليهــا – أي اللغة العربية – إلى القلوب قبل الأذهان وبما يتناسب مع الحداثة التي نشهدها اليوم في كافة مناحي الحياة، بالإضافة إلى تخليها عن إحلالها محل اللهجات الدارجة، اقله في حصص المادة الدراسية أو محاضراتها في الجامعات.

إن ثورة المعلومات التي نعاصرها اليوم يجب أن يكون للغتنا منها نصيب، في التطوير والتحديث والمعاصرة وعدم استمرار الشكل التقليدي في تعليمها، حتى تكون لغتنا قادرة على الصمود والتجديد ومواكبة العصر، وحتى نضمن عدم ضياعها لدى الأجيال القادمة.

عن موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية


من تقديم مؤسس ورئيس تحرير جريدة رأي اليوم الإلكترونية :

سياستنا في هذه الصحيفة“رأي اليوم”، ان نكون مستقلين في زمن الاستقطابات الصحافية والاعلامية الصاخب، واول عناوين هذا الاستقلال هو تقليص المصاريف والنفقات، والتمسك بالمهنية العالية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع بقدر الامكان، والانحياز الى القارئ فقط واملاءاته، فنحن في منطقة ملتهبة، تخرج من حرب لتقع في اخرى، في ظل خطف لثورات الامل في التغيير الديمقراطي من قبل ثورات مضادة اعادت عقارب الساعة الى الوراء للأسف.

اخترنا اسم الصحيفة الذي يركز على “الرأي” ليس “تقليلا” من اهمية الخبر، وانما تعزيز له، ففي ظل الاحداث المتسارعة، وتصاعد عمليات التضليل والخداع من قبل مؤسسات عربية وعالمية جبارة تجسد قوى وامبراطوريات اعلامية كبرى، تبرخ على ميزانيات بمليارات الدولارات، رأينا ان هذه المرحلة تتطلب تركيزا اكبر على الرأي المستقل والتحليل المتعمق، وتسمية الامور باسمائها دون خوف.

لقراءة المزيد


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)