ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

الأسطى محمد سنّان الأسلحة البيضاء : لن أتخلى عن مهنتي ولو بكنوز الدنيا Egypte - Le Caire - Artisanat

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاثنيـن 09 جمـادى الثانى 1433 هـ 30 ابريل 2012 العدد 12207
الصفحة : عين الشرق
القاهرة (مصر) : محمد السويدي


ورثها عن أجداده.. ويشتد الطلب عليه في رمضان ومواسم الأعياد


«الأسطى» محمد يمارس سن الأسلحة البيضاء بالحجر الجبلي الجيري

«لم أكن أتخيل يوما ما أن أكون سنانا للأسلحة البيضاء».. هكذا بدأ «الأسطى» محمد حسن إسماعيل، الذي يعد أشهر سنان (صقال) للسكاكين والمقصات والأسلحة البيضاء في منطقة «المدبح» الشعبية بحي السيدة زينب القاهري، حديثه لـ«الشرق الأوسط»، ثم تابع مبينا أنه منذ صغره كان يتمنى أن يعمل بمهنة من التراث الشعبي، ولقد وجدها في مهنة سن الأسلحة البيضاء على «الحجر»، التي ما عاد يعمل بها حاليا سوى قلة من المهنيين.

وبالرغم من الوسائل الحديثة في سن الأسلحة والآلات الحادة، فإن كثيرين في مصر يفضلون عملية السن بالطرق التقليدية، ويقصدون محل «السنان» الخمسيني، الذي يحتفظ بمهنة أجداده رافضا التخلي عنها «ولو بكنوز الدنيا»، على حد قوله.

يقول «الأسطى» محمد: «عملت بهذه المهنة منذ أواخر فترة السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي. كان عمري وقتها 15 سنة، بعد أن قررت ألا أكمل تعليمي بسبب الظروف الصعبة التي كنا نمر بها، وكنت أحضر من مكان إقامتي بمدينة بنها (45 كلم شمال القاهرة) إلى منطقة (المدبح) للعمل مع جدي وأخوالي، الذين كنت مرتبطا بهم بشدة، وتعلمت منهم مهنة السن على حجر المياه أو الحجر الجبلي الجيري».

يدخل الرجل حروف السكين بين باطن يده والحجر الدائر أمامه، وهو يحركه بإحدى قدميه، بينما يحرك السكين يمنة ويسرة حتى تصبح حادة. ويفعل «الأسطى» محمد ذلك من دون خوف.. وأيضا من دون أن يتعرض لجرح أو قطع في يديه، واصفا السر بـ«المهارة في السن على حجر المياه»، وهي كما يقول مهارة لا تتوافر إلا لقليل من «السنانين».

ثم يكمل شرحه قائلا «سن الأسلحة البيضاء بالحجر الجبلي الجيري هو أصل عملية مهنة السن، التي يعود تاريخها إلى العصر الفرعوني، وصولا إلى الدولة الإسلامية في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ومن ثم شهدت المهنة ازدهارا في مصر إبان عهد الدولة الفاطمية، وبالتحديد في منطقتي الحسين والسيدة زينب.. حيث كانت السيوف وغيرها من الأسلحة البيضاء تسن - أو تصقل - على الحجر مع سكب المياه على السلاح لإزالة (الرايش) المترسب على السلاح نتيجة السن. ويتميز السن على الحجر عن السن بماكينات الجلخ الكهربائية بأن الحجر يجعل السكين حادة و(روحها حلوة) وتقطع من دون انحراف يمينا أو يسارا من دون حدوث اعوجاج لها».

ثم يوضح «الأسطى» محمد أن كثيرا من محلات سن الأسلحة البيضاء تستخدم حاليا أسطوانات الجلخ الكهربائية، مقابل قلة قليلة ما زالت تحتفظ بالحجر الجبلي، وحجة أصحابها الأمان والسرعة في هذه الأسطوانات، «إلا أنهم في المقابل، يعترفون بأن السن على الحجر أفضل للسلاح وأفضل لمستخدمه.. ولكنهم يخشون من خطورته في لحظة قلة تركيز، إذ قد يودي التركيز المشتت أو الناقص بذراع السنان أو حتى حياته». ويضيف أنه لا بد من تغيير حجر السن كل 4 أشهر بسبب تعرضه للتفتت بفعل المياه المستخدمة في السن، كما أن وزنه لا بد أن يتجاوز 400 كيلوغرام.

ويشير «الأسطى» محمد إلى أن المحل ذا الشكل التقليدي الذي يعمل فيه يزيد عمره على 60 سنة، كما يشير إلى أن جده «الحاج» توفيق كان من رواد تلك المهنة في خمسينات وستينات القرن الماضي، وهو من ورث منه المهنة والمحل. ولكن ماذا عن توريثه المهنة والمحل لأولاده؟

الإجابة كانت صريحة وسلبية. فهو، كما يقول، يرفض توريث المهنة لأولاده، «لأنها مصدر خطر على حياتهم، كما أن مكسبها قليل». ويستطرد موضحا «هذه المهنة رزقها يوما بيوم، ولو جلست يوما من غير عمل بسبب ظروف مرضية مثلا، لا أحصّل دخلا مقابل ذلك اليوم»، مبينا أن المقابل الذي يحصل عليه يكون قروشا قليلة تتراوح بين 150 قرشا وحتى 3 جنيهات (نصف دولار) لجميع الأسلحة، وأن سن أي سلاح يستغرق من 3 إلى 10 دقائق.

ويشير «الأسطى» محمد إلى أن شهر رمضان والأيام الأولى من ذي الحجة السابقة على عيد الأضحى هي أكثر مواسم العمل في العام، إذ يزدحم المحل بالزبائن التي تأتي لسن أسلحتها. أما عن زبائن السن على الحجر، فيقول «غالبيتهم من أصحاب محلات الجزارة، والمطاعم الكبرى والفنادق، أما ربات البيوت فيأتين إليّ لسن السكاكين الصغيرة والمخارط المنزلية والمقصات. وللزبون مطلق الحرية في اختيار طريقة سن أدواته، سواء بالحجر أو بأسطوانات الجلخ».

ويذكر «الأسطى» محمد أن هناك فئات من الزبائن يرفض سن الأسلحة لهم، وعنهم يقول «لا أنسى أبدا وصايا أبي وأمي لي عندما بدأت العمل هنا.. كانا يقولان لي (لا تسن أسلحة للمجرمين والبلطجية ولو بكنوز الدنيا).. ولا تزال هذه الوصية ترن في أذني. وكثيرا ما يأتي إلى المحل أفراد تظهر عليهم علامات الإجرام يريدون سن سكين أو شيء آخر يحملونه، فأرفض متعللا بأن الحجر (بايش).. أي أنه غير صالح للعمل حيث يتلف حروف الأسلحة فيحرمها من حدتها».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)