ثقافة - سياحة - تراث - Culture - Tourisme - Patrimoine

الأركان شجرة مغربية ترفض الهجرة سرية كانت أو شرعية Maroc - Un arbre nommé Al-Arkân

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الاربعـاء 09 ربيـع الاول 1433 هـ 1 فبراير 2012 العدد 12118
الصفحة : عين الشرق
أكادير (المغرب) : فؤاد الفلوس


نمت في المكسيك وأميركا وأستراليا وإسرائيل لكنها بقيت «عاقرا»


تتواصل المحاولات من جانب عدد من البلدان لزراعة شجرة «الأركان» النادرة التي ارتبط اسمها بالمغرب. وكانت قد فشلت من قبل تجارب زراعة «الأركان» ولم يجد علماء وباحثون من دول أوروبية وعربية تفسيرا لهذا الفشل. وفي هذا السياق حاولت كل من المكسيك وبعض الولايات الأميركية واستراليا وإسرائيل زراعة شجرة «الأركان»، حيث وفرت لها الشروط المادية والتقنية وخبرات عالية، مستفيدة من التشابه بين مناخ جنوب المغرب وبعض مناطقها، لكن المثير أن هذه التجارب أدت إلى نمو أشجار «الأركان» لكن دون ثمار.

و«الأركان» ليست شجرة نادرة بل لها خصائص فريدة من نوعها، ونظرا لتميزها تطلق على هذه الشجرة مجموعة من الأسماء من بينها «الشجرة السحرية» و«الشجرة المباركة» و«الخشب الحديدي» و«شجرة الحياة»، أما علميا فأصلها من نبات اسمه «أركانيا سبينوزا»، ويرجع تاريخ الشجرة التي تعتبر من أقدم الأشجار في العالم إلى ملايين السنين، وتتميز بقدرتها البالغة على مقاومة الجفاف ومحاربة ظاهرة التصحر، وتعمل على حماية التربة والمحافظة على التوازن البيئي للمنطقة، ويرجع ذلك لكون جذورها تمتد كثيرا في باطن الأرض بحثا عن الماء لمسافة قد يصل عمقها إلى 200 متر، وتعيش شجرة «الأركان» من 100 إلى 200 سنة، ويصل ارتفاعها ما بين ثمانية إلى عشرة أمتار، ولها أغصان بها أشواك وأوراق صغيرة.

تنبت شجرة «الأركان» في المناطق الجنوبية الغربية من المغرب، التي تنفرد في العالم على اعتبارها المنطقة الوحيدة التي تنبت فيها هذه الشجرة، حيث تنتشر في ضواحي مدن الصويرة وأكادير وتارودانت وتزنيت وشيشاوة، وتمتد غاباتها على مساحات شاسعة تغطي أكثر من 800 ألف هكتار، وعلى الرغم من البحوث التي أجرت حول هذه الشجرة محليا ودوليا، لا تزال الشجرة غير معروفة مقارنة مع فوائدها الكامنة فيها والأسرار التي تحتفظ بها.

تتعدد فوائد شجرة «الأركان» الصحية والطبية والغذائية، إلا أن الاستغلال المفرط لغاباتها من طرف رعاة الماشية ومنتجي حطب الوقود والفحم الخشبي، بات يشكل تهديدا حقيقيا يستدعي تضافر الجهود من أجل الحفاظ على إرث هذه الشجرة، التي لطالما كانت إرثا ورمزا حضاريا ارتبط اسمه بالمغرب. يطلق المغاربة على زيت شجرة «الأركان» «الذهب الأخضر»، وهو زيت شبيه بلون زيت الزيتون لكنه داكن قليلا، ومذاقه يشبه مذاق الجوز، يعد من أثمن وأغلى الزيوت في العالم وأندرها نظرا لكثرة فوائده، حيث أثبتت الدراسات والتحاليل التي أجريت على عينات من زيت «الأركان»، فائدته في علاج العديد من الأمراض، فهو يخفض نسبة الكولسترول في الدم ويقوي قدرة الجسم الدفاعية وهو مضاد للأكسدة، حيث برهنت الأبحاث قدرة هذا الزيت على علاج بعض أنواع السرطان والروماتيزم، لاحتوائه على مضادات التأكسد الطبيعية بنسبة كبيرة تصل إلى 700 غرام في الكيلوغرام، ويشتمل على مضادات تأكد علميا أنها تمنع الإصابة بأمراض السرطان والشرايين والشيخوخة، كما أن زيت «الأركان» غني بفيتامين «أوه» (ينطق هذا الحرف بالفرنسية) ويستخدم في مواد العناية بالجلد والتجميل، ودأبت المغربيات على استعماله لترطيب البشرة وتغذية الشعر والأظافر وحالات سقوط الجنين والاكزيما وحب الشباب وعلاج الحصبة لدى الأطفال.

تبدأ شجرة «الأركان» في الإثمار بعد خمس سنوات وتبلغ ذروة إنتاجها على مدى 50 سنة بعد ذلك، ويتطلب إنتاج لتر واحد من زيتها ثلاثة كيلوغرامات من بذور نباتها، كما يصنع من لب بذرتها إضافة إلى استخراج الزيت عجين بني اللون يسمى «آملو» يتم تحليته بالعسل ويطلى بها خبز وجبة الإفطار، إلى جانب قشور تلك الحبات التي تستعمل غذاء للماشية.

وفي عام 1988 اعتبرت منظمة اليونسكو غابات «الأركان» إرثا عالميا في مجال التنوع الإحيائي، وهو ما يعني حماية الأصناف الطبيعية النباتية والحيوانية التي تحتويها مع ضمان حقوق السكان، وصنفت المنظمة محمية «الأركان» التي تمتد على مساحة 2,5 مليون هكتار كأول محمية للمحيط الحيوي في المغرب.

وبشأن الأخطار التي تتهدد شجرة «الأركان» نظم في أكادير أول مؤتمر دولي حول شجرة «الأركان»، شدد خلاله عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، على أهمية شجرة «الأركان» وقال إنها «شجرة مستوطنة تجسد تاريخا غنيا وثقافة متجذرة وحضارة عريقة وخاصيات إيكولوجية متميزة تتحدى الجفاف والتصحر»، ومضى يقول «إن الباحثين من مختلف العالم يجدون في هذه الشجرة مجالا خصبا يتيح لهم إشباع تعطشهم لتنمية المعارف والرصيد المعرفي».

وأوضح أن البحث العلمي والتقني مرتكز أساسي للتنمية المستدامة لشجر الأركان، وأن الهدف من المؤتمر هو تقاسم المعرفة العلمية والتقنية بين المختصين والفاعلين الاقتصاديين، والمساهمة في وضع الخطة الرامية إلى تنمية شجرة «الأركان» على أسس علمية صلبة. وقال أخنوش لـ«الشرق الأوسط»، إن المؤتمر هو الأول من نوعه للبحث العلمي حول شجرة «الأركان»، حيث تشكل غابات هذه الشجرة 800 ألف هكتار يعيش فيها عدد من السكان، وهي مساحة قليلة بالنسبة لهذا الشجر النادر والغني بالفوائد، واقترح أخنوش إنشاء معهد علمي لشجرة «الأركان» في أكادير. وأعرب المؤتمرون عن قلقهم وتخوفهم للأخطار التي تتهدد شجرة «الأركان» والتراجع الكبير الذي تعرفه على الرغم من مجهودات التشجير والتنمية المستدامة، مؤكدين أهمية الحفاظ عليها وتكثيف الجهود وتعميق البحث لاستخلاص المزيد من المزايا التي لا يزال البحث العلمي عاجزا عن كشفها في شجر «الأركان».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)