الجمعة 12 أكتوبر 2018
جريدة الحياة
القاهرة - محمد عويس
نجيب محفوظ بين الرواية والفيلم
لدى المقارنة بين الرواية أي رواية والفيلم المأخوذ عنها يمكن الاستنتاج عموماً أن الرواية بقدر ما تحتفظ بخصائصها الأدبية والجمالية الخاصة باللغة الروائية باعتبارها منجزاً شخصياً، تتفوق دائماً على الفيلم الذي لا يستطيع أن يحافظ على المشاهد المتعددة للوصف الروائي، بل يختصرها مثلا إلى لقطة طويلة أو متوسطة ثم تدخل الكاميرا على الموضوع. لذلك تفقد الرواية خلال عملية التحويل الكثير من خصائصها الأسلوبية عندما تصبح فيلماً سينمائياً، وإن كان للفيلم السينمائي جمالياته التي يمكن أن تضاف الى رصيد الرواية كفن متطور.
وهذا وفق ما يقدمه سامح فتحي عبر كتابه الجديد «نجيب محفوظ بين الرواية والفيلم» (الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة). فالكاتب يتوسع هنا في التفريق بين رؤية محفوظ الروائية ورؤية المخرج وكاتب السيناريو للعمل من الوجهة السينمائية، مع الحرص على تقديم العملين بصورة تقريبية للقارئ، فمن لم يقرأ الرواية أو يشاهد الفيلم يستطيع تخيلهما جيداً. ومهما يكن فقد حرص المؤلف على تقديم لمحة من النقد عقب كل رواية، ثم تقديم العمل السينمائي المأخوذ عنها، وتقديم أبرز الاختلافات بين العمل الروائي والسينمائي، وأسباب تلك الاختلافات وتحليل للعمل السينمائي. إذ تحولت معظم روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية تضمنها هذا الكتاب، ومن أبرزها: القاهرة الجديدة، خان الخليلى، زقاق المدق، السراب، بداية ونهاية، بين القصرين، قصر الشوق، السكرية، اللص والكلاب، السمان والخريف، الطريق، الشحات، ثرثرة فوق النيل، ميرامار، الحب تحت المطر، الكرنك، قلب الليل، عصر الحب.
ويتطرق الكتاب أيضاً إلى طبيعة العلاقة القوية بين الرواية والسينما، فكلاهما في رأيه يتبادل المشهد والعناية برسمه كوحدة من وحدات البناء الكلى للعمل، ولكن المشهد الروائي أساس مادته الألفاظ بينما أساس مادة المشهد السينمائي الصورة، فالأعمال الروائية الكبيرة تتطلب عقولاً وقدرات سينمائية فائقة الإبداع، وتبقى عملية الاقتراب من العمل الروائي لتحويله سينمائياً مغامرة غير مضمونة النتائج وهى أصعب من أن يبدأ السينمائي من الصفر أي من صفر العمل السينمائي، من السيناريو السينمائي أو السيناريو الأدبي، لهذا لم تحول بعض الأعمال الروائية العظيمة إلى سينما.
وفي تناوله رواية «بداية ونهاية»، يشير الكاتب إلى أن الرواية نشرت عام 1949، ثم حولت إلى فيلم سينمائي بالعنوان ذاته عام 1960 من إخراج صلاح أبوسيف، وسيناريو صلاح عزالدين، وحوار أحمد شكري وكامل عبدالسلام، ومدير التصوير كمال كريم، وتم الطبع والتحميض في استديوهات جلال، وأتى الفيلم من تمثيل: فريد شوقي، عمر الشريف، أمينة رزق، سناء جميل، آمال فريد، كمال حسين، صلاح منصور.
وفي رؤيته النقدية للرواية يشير الكاتب إلى أنها عالجت الفترة الزمنية ما بين عام 1935 حتى عام 1939 من تاريخ مصر، وحاول نجيب محفوظ أن يصور فيها حياة الطبقات الثلاث الشعبية والمتوسطة والأرستقراطية في القاهرة وصراعاتها على طريق رسم حياة أسرة فقيرة، من خلال صراع ملحمي في مجتمع تشاركي يقوم على البقاء للأقوى وقد تفشت في الطبقة التي تنتمى إليها هذه الأسرة ظواهر عدة منها: الفقر، الظلم، الدعارة، الأمية، العمل الشاق، ورفض الواقع المزري أو قبوله كأمر محتوم. وتميزت الحبكة الروائية فى هذه الرواية بالتماسك والإتقان، أيضا بالتحرك بطريقة طبيعية خالية من الصدفة والافتعال، مركبة بطريقة مقبولة ومقنعة، لا يُشعر فيها بآلية العمل القصصي ما يجافي الحياة الإنسانية العادية حيث أتقن محفوظ توظيفه للوصف فى الرواية. وقد شهد نجيب محفوظ لصلاح أبوسيف بأنه «المخرج الوحيد العبقري» الذي استطاع أن يتفهم رؤاه وفكره الفلسفي والأدبي في رواياته التي أخرجها وجسدها سينمائيا، فكانت «بداية ونهاية» أعظم تلك الروايات على الإطلاق إظهاراً لمكنونها وما أراده نجيب محفوظ من خلالها. وكان كاتب السيناريو صلاح عزالدين من الإذاعيين الذين لم يؤثر عنهم أعمال سينمائية أخرى. كما كتب حوار الفيلم أحمد شكري وكامل عبدالسلام اللذان لم يسبق لهما الانخراط فى النشاط السينمائي بصورة لافتة وقد صار كل من السيناريو والحوار من تحف السينما المصرية ونموذجها الذي تقتدي به الأعمال الفنية لأنه مثال في فهم طبيعة النص الأدبي وكيفية بعثه على الشاشة الفضية.
جريدة الحياة
“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.
منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.
اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.
تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.
باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.