مهرجان كان السينمائي 2017 في دورته الـ 70

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 14-05-2017، العدد : 10632، ص(16)
الصفحة : ثقافة
العرب - أمير العمري


مهرجان كان السينمائي يحتفل بعيده السبعين


’ أشباح إسماعيل’ في الافتتاح، وللمرة الأولى في تاريخه يعترف المهرجان رسميا بالأعمال التلفزيونية حيث يعرض إضافة إلى ’قمة البحيرة’ حلقتين من المسلسل الجديد ’توين بيكس’.

تفتتح يوم الأربعاء الـ17 من مايو الدورة السبعون من مهرجان كان السينمائي الدولي، أهم المهرجانات السينمائية في العالم، بالفيلم الفرنسي “أشباح إسماعيل” للمخرج أرنو ديسبليشين، وبطولة ماريون كوتيار وشارلوت غينسبورغ ولوي كاريل وماتيو أمالريك. ويعرض الفيلم خارج المسابقة تفاديا لاستحواذه على اهتمام خاص لا يتوفّر لغيره من الأفلام التي تتنافس على “السعفة الذهبية”، الجائزة الكبرى التي تمنح لأحسن فيلم.

في مسابقة المهرجان 19 فيلما. وقد راعى المدير الفني للمهرجان تيري فريمو أن تتضمن أسماء جديدة نسبيا أو ليس من المألوف مشاركتها في مسابقة “كان”، مبتعدا ولو قليلا عن أفلام كبار المخرجين الراسخين التي كانت تُقبل أحيانا، بغض النظر عن مستواها الفني، بل كانت تُدرج في برنامج المسابقة حتى قبل أن تكون قد انتهت تماما من مرحلة المونتاج بضمان أسماء مخرجيها فقط.

ومع ذلك لا تخلو المسابقة من أسماء عدد من المخرجين المرموقين الذين سبق أن شاركوا بأفلامهم، بل وفازوا أيضا بجوائز رئيسية وأهمها السعفة الذهبية، فهناك على سبيل المثال المخرج النمساوي مايكل هانيكه الحائز على السعفة الذهبية مرّتين والذي يشارك بفيلمه الجديد “نهاية سعيدة”.

وهناك المخرج الكوري هونغ سانغسو الذي سبق أن شارك بفيلمه “بلد آخر” في مسابقة كان، ويشارك هذه المرة بفيلم “اليوم التالي” بطولة الممثلة المفضلة لديه “من هي كيم” التي قامت ببطولة فيلمه السابق “وحيدة على الشاطئ ليلا” الذي شاهدناه ونشرنا عنه في هذه الصفحة، من مسابقة مهرجان برلين الأخير، وهي تشارك أيضا في فيلمه الثاني الذي يشارك خارج المسابقة في كان “قسم العروض الخاصة” بعنوان “كاميرا كلير”.

والفيلم من الإنتاج الفرنسي وبطولة الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير التي سبق أن شاركت في بطولة فيلم سانغسو “بلد آخر”. وبهذا يكون للمخرج الكوري ثلاثة أفلام جديدة في المهرجان، ويكون قد أنجز أربعة أفلام في 2017!

يعود المخرج اليوناني يورغوس لانيتموس إلى مسابقة “كان” بفيلم جديد هو “مقتل الغزال المقدس” يستكمل فيه أحداث فيلمه السابق “سرطان البحر” الذي شارك في المسابقة قبل عامين ونال جائزة أحسن سيناريو، والفيلم الجديد بطولة نيكول كيدمان وكولن فيرول، وصوّر في أيرلندا وهو من الإنتاج الأيرلندي.

نصيب نيكول كيدمان

جدير بالذكر أن نيكول كيدمان تقوم ببطولة أربعة من الأفلام المشاركة بالمهرجان، فإضافة إلى الفيلمين السابقين هناك أيضا فيلم “الفاتن” للمخرجة الأميركية صوفيا كوبولا الذي سيعرض بالمسابقة أيضا (أمام كولن فيرول أيضا!)، وفيلم “كيف تتحدث مع الفتيات في الحفلات” للمخرج جون كاميرون ميتشيل (وهو فيلم رومانسي من أفلام الخيال العلمي وسيعرض خارج المسابقة)، وحلقة تلفزيونية من مسلسل “قمة البحيرة” للمخرجة النيوزيلاندية الشهيرة جين كامبيون التي سبق أن حازت السعفة الذهبية عن فيلمها “البيانو” قبل 24 عاما.

وعلى ذكر التلفزيون، يعترف مهرجان كان للمرة الأولى في تاريخه رسميا بالأعمال التلفزيونية، فيعرض إضافة إلى “قمة البحيرة” حلقتين من المسلسل الجديد “توين بيكس” للمخرج الأميركي ديفيد لينش الذي يستكمل فيه ما بدأه قبل أكثر من ربع قرن في مسلسل بنفس الاسم، حاز شهرة كبيرة، ثم تحول إلى فيلم سينمائي عرض في مسابقة مهرجان كان (1992) بعنوان “توين بيكس: النار تلاحقني”.

وكان عرض فيلم “كارلوس” للمخرج الفرنسي أوليفييه أسايس قبل سبع سنوات في كان، وهو فيلم تلفزيوني يقع في خمس ساعات ونصف، قد تسبب في وقوع مشكلة بين المدير الفني تيري فريمو ورئيس المهرجان وقتذاك جيل جيكوب، فبينما أصر الأول على عرض الفيلم المصور أصلا للتلفزيون على شكل حلقات، عارض الثاني بدعوى أن عرضه يشكل مخالفة لتقاليد مهرجان كان الذي لا يعرض أعمالا مصنوعة للتلفزيون.

لكن التطور الطبيعي فرض التنازل للأخير خاصة عندما يتعلق الأمر بأسماء مرموقة في مجال الإخراج مثل ديفيد لينش، ولأنها -كما قال فريمو- تخرج للتلفزيون ولكن بأسلوب السينما. وفي المؤتمر الصحافي الذي أعلنت خلاله تفاصيل الدورة الجديدة صرح بيير ليسكير رئيس المهرجان بأن مدينة كان ستشهد ابتداء من العام القادم مهرجانا سنويا مخصصا للدراما التلفزيونية يقام سنويا في شهر أبريل.

في الذكرى السبعين

في القسم الخاص الذي ابتدع هذا العام تحت عنوان “أحداث الذكرى السبعين”، يعرض الفيلم القصير (17 دقيقة) “تعالى واسبح” وهو أول فيلم من إخراج الممثلة الأميركية كريستين ستيوارت، رغم أنه سبق عرضه في مهرجان سندانس الأميركي. كما يعرض في نفس القسم الفيلم القصير “24 إطارا قبل وبعد لوميير” آخر أفلام المخرج الإيراني الراحل عباس كياروستامي الذي عرضه للمرة الأولى بمهرجان فينيسيا في سبتمبر الماضي.

داخل المسابقة هناك أيضا فيلم “في الإظلام التدريجي” للمخرج الألماني من أصل تركي فاتح أكين، وهو أول الأفلام الألمانية للممثلة الألمانية ديان روغر التي شاركت في أفلام كثيرة أميركية وفرنسية. ويدور الفيلم في أوساط المهاجرين الأتراك في ألمانيا في سياق بوليسي مشوّق، وقد صوّره أكين في هامبورغ واليونان وهو من الإنتاج المشترك بين ألمانيا وفرنسا.

المخرج الفرنسي ميشيل هازانافشيوس صاحب فيلم “الفنان” (الصامت) الذي أثار إعجاب الجميع في مهرجان كان قبل ست سنوات ومضى ليحصل على “الأوسكار”، يعود بفيلم جديد هو “المهيب” الذي يروي فيه قصة حياة المخرج الفرنسي الكبير جون لوك غودار (86 سنة) أحد أهم رواد حركة الموجة الجديدة الفرنسية، وهو لا يزال يواصل العمل بل وقد أنجز فيلما جديدا بعنوان “الصورة والعفو” وهو بمثابة الجزء الثاني من فيلمه السابق “وداعا للغة” (2014) وكان من المتوقع أن يشارك هذا الفيلم في كان، لكن ربما لم ينته غودار بعد من إعداده للعرض. ومن فرنسا يشارك أيضا مخرج جديد هو روبين كامبيللو بفيلم “120 دقة في الدقيقة” (إشارة إلى دقات القلب).

عودة مخرج “الحوت”

إلى المسابقة يعود أيضا المخرج الروسي أندريه زفيجنتسيف الذي عرض فيلمه “ليفياثان” أو “الحوت” قبل ثلاث سنوات في مسابقة كان ونال جائزة أحسن سيناريو ثم مضى ليحصل على جوائز عديدة في مهرجانات أخرى. الفيلم الجديد بعنوان “محروم من الحب” يروي قصة تدور حول زوج وزوجة يرغبان في إتمام الطلاق بينهما لكنهما يتماسكان من أجل العثور على ولدهما الذي غادر المنزل بسبب مشاجراتهما المستمرة واختفى.

من الأسماء المألوفة التي تشارك في المسابقة المخرجة اليابانية ناومي كاواسي التي تشارك بفيلم “إشعاع”، والمخرج الفرنسي فرنسوا أوزو بفيلم “العاشق المزدوج”، ويعود المخرج الفرنسي جاك دويون بفيلم جديد عن حياة النحات الشهير “رودان”، ويعود أيضا الأميركي تود هاينز بفيلم “ووندرستروك”، والمخرجة البريطانية (من أسكتلندا) لين رامزي بفيلم “لم نكن هنا أبدا” وهي التي سبق أن شاركت في مسابقة كان بفيلم “يجب أن نتحدث عن كيفن” وكان فيلما متميزا كثيرا.

وإذا كانت معظم الأسماء المشاركة في المسابقة من الأسماء “المألوفة” أي التي سبق أن شاركت فما هو الجديد إذن؟ ولماذا يصر فريمو على أن هناك تغييرا جوهريا وأبوابا فتحت أمام المواهب الجديدة لأصحاب الأسماء “المجهولة”؟

الحقيقة أن أهم تغيير يمكن ملاحظته هو استبعاد أفلام هوليوود أو الأفلام التي تنتجها الشركات الأميركية الكبيرة بنجومها المشهورين، بل لقد فضل المهرجان أيضا ألا يفتتح بالفيلم الجديد للمخرج الأميركي وودي ألين “عجلة المتاهة” بطولة كيت وينسليت، مفضلا تسليط الأضواء على الفيلم الفرنسي “أشباح إسماعيل”. وتطغى الأفلام الفرنسية على المسابقة بدرجة كبيرة فهناك نحو ثمانية أفلام من الإنتاج الفرنسي أو تشترك فرنسا في إنتاجها في مسابقة لا يتجاوز عدد أفلامها 19 فيلما بعد إضافة فيلم “الميدان” للمخرج السويدي روبين أوستلوند الذي حصل فيلمه “قوة عظمى” على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة قسم “نظرة ما” عام 2014.

ومن الولايات المتحدة تشارك أربعة أفلام مستقلة هي “الفاتن” لصوفيا كوبولا و"ووندرستوك" لتود هاينز و"وقت سعيد" لثنائي من المخرجين الشباب هما بن وجوشوا سافدي و"قصص ميروفيتز" للمخرج نوح بومباش. وهناك فيلم “مخلوق رقيق” وهو عن رواية لديستويفسكي ومن الإنتاج الفرنسي وإخراج الأوكراني سيرغي لوزنيتسا الذي اشتهر بفيلم “ميدان” التسجيلي، وفيلم مجري هو “قمر جوبيتر” للمخرج كورنيلموندروتشو.

خارج المسابقة

خارج المسابقة هناك 41 فيلما تعرض في أربعة أقسام هي عروض منتصف الليل وقسم العروض الخاصة وأفلام خارج التسابق وعروض منتصف الليل، ولكن أهمها قسم “نظرة ما” (18 فيلما) الذي سيعرض الفيلم الجديد للمخرج البولندي رومان بولانسكي “بعد تاريخ حقيقي”، وفيلم “طبيعة الزمن” للمخرج الجزائري كريم الموسوي، والفيلم التونسي “على كفّ عفريت” للمخرجة كوثر بن هنية، الذي يروي قصة اغتصاب فتاة في تونس على أيدي رجلي شرطة وهي القصة التي شغلت الرأي العام التونسي في 2012، ويصور الفيلم كيف تنتقل الفتاة طوال ليلة كاملة بين أقسام الشرطة والمستشفيات من أجل إثبات الحادث الذي تعرضت له وما تلقاه من تعنت ولامبالاة خلال ذلك. ويعود المخرج الإيراني المنشق محمد روسولوف بفيلم جديد هو “بقايا”، ويعرض الممثل والمخرج الفرنسي ماتيو أمالريك فيلما من إخراجه هو “باربره”. ويعرض المهرجان للمرة الأولى فيلما طويلا للأطفال.

ومن جيل الموجة الجديدة تأتي المخرجة الفرنسية أنييس فاردا (88 عاما) بفيلم تسجيلي جديد هو “وجوه.. وجوه” عن موضوع اللاجئين الأجانب في أوروبا. ورغم الغياب التام عن البرنامج الرسمي للسينما الإسرائيلية للمرة الأولى منذ سنوات إلا أن المخرج الفرنسي الصهيوني المعروف كلود لانزمان (صاحب فيلمي “شوا” و"تساهال") يعود إلى المهرجان وهو في الحادية والتسعين من عمره بفيلم تسجيلي جديد بعنوان “نابالم” يقال إنه استغرق ست سنوات في صنعه، ويعرض في قسم “العروض الخاصة”. وقد صور الفيلم في كوريا الشمالية. أما المخرج الإسرائيلي المعروف أموس غيتاي فيشارك بفيلم جديد بعنوان “غرب نهر الأردن” في تظاهرة “نصف شهر المخرجين”.

ومن الأفلام التسجيلية التي وجدت طريقها إلى المهرجان الفيلم الجديد عن قضايا البيئة وظاهرة الاحتباس الحراري، الجزء الثاني من فيلم “حقيقية غير مريحة” (2006) لنائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور الذي لم يكفّ عن تنبيه العالم من مخاطر تلوّث البيئة. والفيلم الجديد بعنوان “حقيقة غير مريحة: وقت العمل”. كما تشارك الممثلة البريطانية فانيسا ريدغريف بفيلم من إخراجها عن قضية اللاجئين وهو بمثابة بحث تاريخي في جذور القضية، والفيلم من النوع التسجيلي الطويل (74 دقيقة) وهو بعنوان “أسى البحر”.

قضية اللاجئين

يحظى موضوع اللاجئين باهتمام كبير برز في عدد من أفلام المهرجان في مقدمتها فيلم “يوم سعيد” لمايكل هانيكه، ثم الفيلم المجري “قمر جوبيتر”، ثم فيلم فانيسا ريدغريف المشار إليه، ثم الفيلم الفرنسي “120 دقة في الدقيقة”. ولعل من دلائل الانفتاح الكبير للمهرجان على أنواع جديدة مختلفة من الأفلام مشاركة عمل ينتمي إلى ما يمكن أن نطلق عليه “سينما الواقع” الشبيهة ببرامج “تلفزيون الواقع”، وهو فيلم “لحم ورمل” للمخرج المكسيكي الشهير أليخاندرو غونزاليس إيناريتو الذي يتناول أيضا قضية اللاجئين والمهاجرين من المكسيك إلى الولايات المتحدة.

في جعبة مهرجان كان دائما الكثير من المفاجآت، والكشف عن قائمة الأفلام نفسها لا يكفي لمعرفة كلّ ما يمكن أن يثار من قضايا تستقطب عادة اهتمام الصحافة ووسائل الإعلام. وإذا كانت السياسة تفرض نفسها على كثير من الأفلام فلعلّ هذا أمرٌ طبيعيٌ بحكم التحديات التي يشهدها عالم اليوم وهو ما أشار إليه رئيس المهرجان في كلمته. وقال مدير المهرجان إن هناك 12 فيلما من إخراج مخرجات (نساء) في البرنامج الرسمي، وتسعة أفلام هي الأولى لمخرجيها، وقد تم اختيار أفلام البرنامج الرسمي (60 فيلما) من بين 1930 فيلما تقدمت للمهرجان.

يرأس لجنة تحكيم المسابقة الرئيسية المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار، وترأس الممثلة الأميركية أوما ثيرمان لجنة تحكيم قسم “نظرة ما”، وترأس الممثلة الفرنسية ساندرين كيبرلين لجنة تحكيم مسابقة الكاميرا الذهبية لأحسن عمل أول. ويحمل شعار المهرجان صورة الممثلة الإيطالية كلوديا كاردينالي (من عام 1959). أما الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي فستقوم بتقديم حفل الافتتاح.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر



جريدة الحياة


الجمعة، ١٢ مايو/ أيار ٢٠١٧
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


مكان حتى للسينمات الصغيرة في أحضان الأفلام - العلامات


للعام الخامس عشر على التوالي ينظم مهرجان كان في دورته الجديدة التي تبدأ فعالياتها بعد أيام قليلة، تظاهرة لا يتوقف منظمو المهرجان عن إبداء حماستهم لها. وهي تلك التي تحمل عنوان «كلاسيكيات كان». والحقية أن العنوان يحتمل تأويلين، فهو من جهة يشير الى أفلام كلاسيكية من تاريخ السينما تعرض في «كان» من دون أن يشترط ذلك أن تكون عُرضت في أي من دوراته من قبل. بالتالي يتعلق الأمر بتاريخ السينما نفسه، وربما بما كان فات المهرجان في دوراته السابقة، فندم على ذلك وها هو يعوّض اليوم. ويشير من ناحية ثانية الى تلك الأفلام التي عُرضت في دورات سابقة لـ «كان»، ففازت أو لم تفز، لكنها في الحالتين باتت تشكل جزءاً من تاريخ المهرجان، وتاريخ السينما بالتالي. والحقيقة أن الجمهور الذي اعتاد أن يتابع هذه التظاهرة، اعتاد على المعنيين معاً وقدّر دائماً أهميتها وإن كان قد تبدّى غالباً جمهوراً محصوراً يتألف من غلاة محبي السينما إضافة الى بعض الفضوليين الذين يتطلعون إلى مشاهدة أعمال كبيرة مرّت في تاريخ الفن السابع ثم غابت عن الأعين.

النوعية لا الكمية مثلاً

إذاً لا يمكن القول إن التظاهرة تستقطب من متفرجي «كان» أعداداً مدهشة، وبخاصة أن الجديد الذي يعرضه المهرجان في تظاهراته العديدة لا يترك للهواة مجالاً للمغامرة بزيارة تاريخ هذا الفن. غير أن للمسألة جانباً آخر يبدو أكثر إغراء. فالحال أن النسخ التي تُعرض هنا من الأفلام القديمة هي عادة ما تكون نسخاً مرممة وتعرض في «كان» للمرة الأولى. وهذا يعطي الأفلام حياة جديدة تساعد الدعاية التي يؤمنها لها المهرجان، على أن تعاد عروضها من جديد. وبالتالي فإن أي فيلم «كلاسيكي» يعرض في التظاهرة، سيكون من حظه أن يقوم بعد ذلك بجولة عروض تؤمن كتابات جديدة عنه وعن مبدعه أو مبدعيه.

ومن المؤكد أن هذا لن يتغير كثيراً هذا العام. بل إن تغيّر فإلى الأفضل. وذلك بالتحديد لأن التظاهرة اختارت، في هذا العام، أن تقدم ما لا يقل عن ستة عشر فيلماً انتخبتها من مخزون عروضها ونجاحاتها السابقة. ومن بينها أفلام باتت أسطورية مع مرور الزمن، وذلك إضافة الى أفلام كانت في أعوام عرضها طرائف مثيرة للفضول ونسيت مع الزمن وها هي دورة «كان» لهذا العام تعيدها الى الواجهة، وربما لقيمتها التاريخية أكثر مما لقيمتها الفنية.

الأفلام «الكانيّة» الستة عشر التي تعرض في التظاهرة من أصل ثلاثة وعشرين فيلماً – الأفلام السبع المتبقية لم يسبق عرضها في دورات «كان» السابقة -، سبق لبعضها أن حاز السعفة الذهبية بينما اكتفى البعض الآخر بجوائز أقل مرتبة. وثمة من بينها أفلام لم تفز سوى بشرف المشاركة في واحدة أو أخرى من تظاهرات «كان» في الدورات الممتدة بين العام 1946 (بداية المهرجان الرسمية) والعام 1992. وهي في مجموعها أفلام نَعَتها بيان التظاهرة بأنها من الأعمال التي صنعت تاريخ المهرجان في شكل أو آخر.

في مقدمة الأفلام «معركة سكة الحديد» لرينيه كليمان وهو الفيلم الذي حقق وعرض فور انقضاء الحرب العالمية الأولى ليحكي فصلاً بطولياً منها. يومها مثل الفيلم فرنسا وفاز بجائزتين كبيرتين في أولى دورات المهرجان عام 1946: الجائزة العالمية الكبرى للمهرجان وجائزة لجنة التحكيم العالمية.

وفي العام 1953 كانت الجائزة الكبرى من نصيب «كلفة الخوف» تحفة الفرنسي هنري – جورج كلوزو، الذي قدم يومها بوصفه إنتاجاً فرنسياً/إيطالياً مشتركاً. وللمناسبة لا بد أن نذكر أن هذا العرض للفيلم في دورة «كان» بعد غيابه الطويل، إنما هو تمهيد لجولة عروض له ستطول خلال بقية شهور العام لمناسبة احتفالات بكلوزو نفسه، وضمن إطار عروض لأفلامه له أخرى.

لمتعة الفضول فقط

من العام 1906 اختارت الدورة أن تعرض الفيلم المجري «كورينتا» لسلطان فابري وهو عمل عرض في دورة ذلك العام لكنه لم يحقق أي فوز، لكنه اعتبر مثيراً للفضول عامها، إذ أتى من هنغاريا التي كانت تعيش صخباً سياسياً عمّت أخباره أوروبا كلها فكان عرض الفيلم مناسبة للتذكير بما يحدث في ذلك البلد، وشيء مثل هذا يمكن قوله عن الفيلم اللبناني «إلى أين؟» لجورج نصر الذي عرض في دورة العام 1957 من دون أن يفوز بأي جائزة طبعاً. وها هو يعرض في تظاهرة هذا العام بنسخة مرممة بمبادرة من مؤسسة «ليبان سينما».

أما من العام 1967 فيأتي ذلك الفيلم البديع الذي سجل عامها حضوراً كبيراً للسينما اليوغوسلافية (لكنه يقدم اليوم باسم صربيا الذي لم يكن موجوداً ولم يحمله الفيلم في ذلك العام!)، «قابلت حتى غجراً سعداء» لألكسندر بتروفيتش. ونعرف أن الفيلم فاز يومها بجوائز عدة من بينها جائزة المحكمين الكبرى – شراكة -، وجائزة النقد العالمي (فيبريشي).

ومن العام نفسه تُعرض تحفة سينمائية أخرى باتت منذ ذلك الحين من علامات تاريخ السينما: الفيلم الإنكليزي الذي حققه عامذاك المخرج الإيطالي الكبير ميكالآنجلو أنطونيوني عن قصة قصيرة للأرجنتيني خوليو كورتاثار، «بلو – آب» من بطولة فانيسا ردغريف التي سيكون حضورها في المهرجان مع عرض فيلمها «حزن بحر» مناسبة لمشاركتها في التظاهرة التي ستقام من حول الفيلم الذي فاز عام عرضه بالجائزة الدولية الكبرى للمهرجان.

وإذا كان العرض العائد الى العام 1969 يسمح باكتشاف واحد من الأفلام الإسرائيلية الأولى التي شاركت في مسابقة «كان» («حصار» لجيلبرتو تيفانو)، فإن عرض العام التالي 1970 يأتي ليضع المتفرجين أمام واحد من تلك الأفلام التي نقلت السينما العربية الجديدة، الآتية من موريتانيا في الشمال الأفريقي هذه المرة، الى واجهة اهتمامات السينمائيين في العالم كله، ونعني به «أيتها الشمس» لمحمد عبيد هندو، وهو الفيلم الذي تلى عرضه خلال العديد من السنوات التالية عروض عدد كبير من أفلام انتمت لتلك السينما العربية التي كانت حافلة بالوعود حينها.

ومن العام 1976 يأتي فيلم المخرج الوثائقي وعالم الإناسة الفرنسي الشهير، جان روش «باباتو، النصائح الثلاث». ليتلوه من العوض الأكثر إثارة للصخب والوصول الى حد الفضيحة في تاريخ تلك السنوات «الكانيّة» فيلم الياباني ناغيزا أوشيما «إمبراطورة الحواس» الذي، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، لم يعرض يومها في المسابقة الرسمية، بل في التظاهرة الموازية «أسبوعي المخرجين» حيث لم يفز بأي جائزة. لكن إباحيته وفّرت له سمعة ما بعدها من سمعة.

جذور حدوتة شاهين ؟

في العام 1980 كان موعد الفيلم الأميركي «كل هذا الصخب» لبوب فوس، وهو الفيلم الوحيد الآتي من السينما الأميركية والذي تضمه مجموعة العروض هذه. ونذكر أنه فاز يومها بالسعفة الذهبية، ولسوف يقال دائماً في حياتنا السينمائية العربية أن مشاهدة مخرجنا المصري يوسف شاهين له، كانت في خلفية ولادة الفيلم الشاهيني البديع «حدوتة مصرية»!

سعفة ذهبية أخرى هي تلك التي كانت من نصيب «رجل المرمر» الذي عرض في العام 1981 وهو الفيلم البولندي الذي حققه أندريه فايدا في ذلك العام ضمن روحية نضالات الاتحاد النقابي «تضامن» ما خلق جدالاً واسعاً حول السياسة والسينما وجعل لجنة التحكيم تتهم بالتسييس المقصود لفيم لم يره كثر واحداً من أفضل أفلام مبدعه. وكذلك سيكون الحال بعد عام واحد (1982) بالنسبة الى الفيلم التركي/الكردي «يول» – أي «الطريق» – الذي تقول حكايته أن مخرجه يلماز غوناي حققه وهو نزيل السجن بواسطة صديقه ومساعده شريف غورين. قيل يومها إن الفيلم على رغم نزاهته ومجازفته لا يستحق السعغة الذهبية التي فاز بها. ومن المؤكد أن العودة الى عرضه الآن بنسخة مرممة تعيد اليه ألوانه الجميلة، سيكون كفيلاً بمعرفة ما إذا كان السجال الذي انقضى عليه أكثر من ثلث قرن كان محقاً أو لا.

ومن العام 1983 يأتي فيلم «أغنية ناراياما» لشوهي إيمامورا الذي بدوره حقق السعفة الذهبية في ذلك العام ليكون بعد ذلك بسعفة ذهبية أخرى نالها في العام 1997 واحداً من قلة في تاريخ «كان» نالوا تلك الجائزة الأسمى أكثر من مرة. وأما من العام 1992 فيأتي، أخيراً في هذه المجموعة، فيلم الإسباني فكتور إيريس، المعروف كفنان تشكيلي بقدر ما هو معروف كسينمائي، «حلم النور» الذي لفت الأنظار حقاً بين عروض ذلك العام حيث نال جائزة الفيبريشي وجائزة النقاد شراكة. ومن الواضح أن عرضه الجديد سيرينا ما إذا كان هذا الفيلم التجريبي التشكيلي شديد الخصوصية قد عرف كيف يصمد أمام عاديات الزمن.

... ومن خارج «كان»

أما العروض السبعة الأخرى في التظاهرة نفسها، فتحتلها أفلام معظمها فرنسي في نسخ مرممة أيضاً، وهي تحضر في المهرجان «الكانيّ» للمة الأولى. وسنكون على التوالي: «مدام فلان....» (1953 لماكس أوفولس)، «الأطالانط» (1934، لجان فيغو، «دم أسود» (وهو فيلم حققه الفرنسي بيار شينال في الأرجنتين عام 1951)، «باباراتزي» (1963 لجاك نوزيار)، «حسناء النهار» (وهو طبعاً الفيلم الفرنسي التحفة الذي حققه لويس بونيال عام 1967). والى جانب هذه الأفلام الفرنسية الخمسة هناك فيلم أميركي واحد هو «ثمة نهر يعبر وسط المكان» (1992) أحد الأفلام النادرة التي حققها النجم الأميركي المخضرم روبرت ردفورد كمخرج. وأخيراً «لوتشيا» للكوبي هومبرتو سولاس (1968).

وأخيراً لما كان تاريخ العروض في «كان» لم يقتصر أبداً على الأفلام الطويلة سواء أكانت روائية أو وثائقية، تقدم التظاهرة نفسها على هامشها برنامجاً خاصاً يديره كريستيان جون وجاك كرمابون بعنوان «تاريخ قصير للأفلام القصيرة التي عرضت في «كان» بين 1951 – 1999» وكما يدل العنوان يضم البرمامج مجموعة من شرائط آتية من بلدان عدة ومن سنوات متفرقة، سبق لها جميعاً أن عرضت في تظاهرات «كانية» متنوعة.

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


الموقع الرسمي لمهرجان كان السينمائي

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)