منيرة المهديّة (1884-1965)

, بقلم محمد بكري


موقع نقطة ضوء


موقع نقطة ضوء
السبت 16 مايو 2020
نقطة ضوء - تقارير
أيمن مصطفى


منيرة المهدية.. سلطانة الطرب



اشتهرت بأنها أول سيدة عربية قامت بتسجيل أسطوانات غنائية، حيث امتلكت الصوت العذب الرنان، كما كانت أول سيدة مصرية تقوم بالتمثيل على خشبة المسرح، وصاحبة أول فرقة استعراضية في الوطن العربي، إنها المطربة منيرة المهدية. ولدت “زكية حسن منصور” المشهورة بمنيرة المهدية في السادس عشر من مايو عام 1878 بقرية “المهدية” التابعة لمركز “ههيا” في محافظة الشرقية. توفي والدها وهي في سن صغيرة، حيث تولت شقيقتها رعايتها. بدأت “منيرة” حياتها الفنية كمطربة تقوم بإحياء الليالي والحفلات في مدينة الزقازيق، وفي عام 1905 سافرت إلى القاهرة ليذاع صيتها ثم قامت بافتتاح ملهى خاصًا بها أطلقت عليه اسم “نزهة النفوس”، حيث تحول هذا المكان إلى مُلتقى رجال الفكر والسياسة والصحافة آنذاك.

كانت منيرة المهدية أول سيدة مصرية تقوم بالوقوف على خشبة المسرح من خلال فرقة “عزيز عيد” المسرحية، وكانت المفارقة الغريبة أنها قامت بتجسيد دور رجل، وذلك في إحدى روايات الشيخ سلامة حجازي، وعقب نجاح المسرحية وتهافت الجماهير على مشاهدة العرض المسرحي. قامت منيرة المهدية بتكوين فرقة مسرحية وقدمت مجموعة من أشهر أعمال الشيخ سلامة حجازي لتبتكر إشراقة جديدة في عالم المسرح الغنائي المصري.

تزعمت “منيرة” حركة وطنية من خلال مسرحها الغنائي، فقد كان لها دور سياسي خلال أحداث ثورة 1919، ففي الوقت الذي كان ممنوعًا فيه التلفظ باسم الزعيم سعد زغلول، لدرجة أن قائد الاحتلال البريطاني أصدر أمرًا عسكريًا بسجن كُل من يتلفظ أو يذكر اسم سعد زغلول، لكن منيرة المهدية كان لها رأي آخر، حيث بادرت بتأييد الزعيم سعد زغلول من خلال مسرحها الغنائي وقامت بالتحايل والتلفظ باسمه والغناء له في أغنيتها الشهيرة التي كانت تقول" شال الحمام حط الحمام.. من مصر السعيدة لمّا السودان.. “زغلول” وقلبي مال إليه.. اندهله لمّا احتاج إليه"، ولم يتجرأ الإنجليز على إغلاق مقهى منيرة كما كانوا يفعلون مع باقي المقاهي والمسارح الأخرى آنذاك، حيث كانت منيرة تتمتع بعلاقات وطيدة مع كبار رجال الدولة في مصر.

صالت وجالت منيرة المهدية في كافة أنحاء العالم شرقًا وغربًا، حيث قامت بإحياء العديد من الحفلات الغنائية في العديد من الدول مثل تونس والعراق وسوريا والمغرب وتركيا ولبنان وفلسطين ونظراً للشهرة الواسعة التي حظيت بها، كان هناك العديد من المواقف والأحداث التي أكدت على نجوميتها، فخلال إحدى جولاتها الفنية بتركيا، وأثناء قيامها بالغناء أمام القائد التركي “مصطفى كمال أتاتورك” الذي كان من رواد مسرحها في القاهرة، وعندما أُسدل الستار إعلانًا بانتهاء الفقرة الغنائية التي كانت تقدمها، قام “أتاتورك” بالصياح معلنًا رغبته في عدم إنهاء الفقرة، وتم رفع الستار مرة أخرى لتظل منيرة المهدية تغني طوال الليل وسط أجواء من البهجة والسرور، كما قررت إحدى شركات بيع التبغ في سوريا أن تطلق اسم “دخان منيرة” على علب السجائر وتم طباعة صورة منيرة على الغلاف الخارجي للمنتجات.

قامت منيرة المهدية بغناء مجموعة كبيرة من الأغاني من أشهرها: “إرخي الستارة”، “حرج عليا بابا”، “اتمخطري يا حلوة” " جوز الحمام"، “داندورما”، “بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة”، “أسمر ملك روحي”، “يمامة حلوة”، “الشمس غابت”، “قد إيه الحب”، “أنا عشقت”، “جانا الفرح”، “ندرًا عليا”، “عليه سلام الله”.

تزوجت منيرة المهدية أربع مرات، كان أول زواج لها في عام 1905 من محمود جبر مدير أعمالها، وأستمر الارتباط لفترة زمنية طويلة حتى حدث نزاع بينهما أنتهى بالطلاق لتتزوج بعدها من حسن نديم ثم انفصلت عنه وتزوجت من حسن كمال وعقب وفاته تزوجت للمرة الرابعة من إبراهيم كمال ولم تنجب سوى أبنتها الوحيدة “نعمات”.

شاركت منيرة المهدية في تجربة سينمائية واحدة مع مجموعة من النجوم من خلال فيلم “الغندورة” للمخرج الإيطالي “ماريو فلوبي” وبطولة عباس فارس وأحمد علام، وبشاره واكيم وماري منيب وروحية خالد، وبحلول نهاية حقبة العشرينيات من القرن الماضي قامت منيرة المهدية بالابتعاد عن المجال الفني، حيث اعتزلت الفن لمدة عشرين عامًا، لكنها قررت العودة مرة أخرى إلى المسرح في عام 1948، حيث وجدت عقب عودتها اختلافًا كبيرًا في المشهد الفني، وظهور العديد من الأصوات الجديدة التي لاقت استحسانًا واضحًا عند الجماهير، حيث كان الظهور اللامع لأم كلثوم بموهبتها القوية، لتشهد الساحة الغنائية آنذاك صراعًا شديدًا بين القديم والحديث لتنتصر الحداثة وتعتزل منيرة المهدية الفن حيث تفرغت لحياتها الشخصية.

حصلت منيرة المهدية على العديد من الأوسمة والجوائز من عدد كبير من الملوك والرؤساء وتم إدراج اسمها في الكتاب الذهبي الخاص بملك إيطاليا، كما نالت وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1960، وأهداها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى. وتوفيت منيرة المهدية في الحادي عشر من مارس عام 1965 عن عمر ناهز الثمانين عامًا.

المقال على موقع نقطة ضوء

نقطة ضوء موقع ثقافي عربي شعاره ( ثقافة، فن، أدب، ابداع ) انطلق من القاهرة، عام 2005 وأعيد اطلاقه في ثوب جديد في يناير 2016. يؤمن محررو الموقع أن الحياة تبدأ بنقطة.. تبدأ بحركة.. والحركة تسبب موجة، وتلك الموجة في تكسرها يصدر عنها موجات عاكسة للضوء، تحمل أشعة وكل شعاع يختلف عن الآخر في انعكاسه... لقراءة المزيد.


منيرة المهديّة على مؤسّسة التّوثيق والبحث في الموسيقى العربيّة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)