“تحت سماء أليس”.. الفيلم الفرنسي عن لبنان الفائت

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الأربعاء 14-07-2021
الصفحة : ثقافة
روجيه عوطة


"تحت سماء أليس".. الفيلم الفرنسي عن لبنان الفائت


<article5855|cycle|docs=7134,7135>


إن وضعنا جانباً، لبعض الوقت، كيفية تقديم الحرب الأهلية اللبنانية، في فيلم كلوي مازلو “تحت سماء أليس” (يعرض حالياً في الصالات الفرنسية)، من الممكن القول إن هذا الفيلم قد تمكن من شيء أساسي فيه، وهو جوّه اللعبي. بالطبع، جوّه هذا ينطلق مباشرة من عنوانه، الذي يحيل الى رائعة لويس كارولا “أليس في بلاد العجائب”، بما هي قصة مرحة، قبل أن يرتبط الفيلم بعدد من العناصر التي استطاعت مازلو إحرازها.

لعل أول هذه العناصر، التركيب البصري للفيلم على نحوين. الأول، هو الأداء الحيّ، والثاني هو التحريك الصوري، ليكونا متداخلين. فالتحريك، في بعض اللحظات، يقاطع الأداء، إذ يكسر من وتيرته، كما أنه يُمتّن بُعدَه التخييلي. لكن هذا لا يعني أن الأداء رتيب، بل على العكس. فرغم التفاوت فيه بين الممثلين، الا أنه أتى خفيفاً، أكان في دراميته، أم في ظرافته. فلا هذه الدرامية استقرت على مغالاة، ولا هذه الظرافة انقلبت إلى إفراطها، إنما بقيا على سلاسة، من فاتحة الحكاية حتى نهايتها.

العنصر الثاني، الذي انتج الجو اللّعبي للفيلم، يتعلق بدوران وقائع الفيلم، بحيث أنها لم تكن، وفي تسلسلها، قطعية حيال بعضها البعض. بطريقة أخرى، يروي الفيلم حكاية أليس (آلبا رورواشر) التي تنتقل من سويسرا إلى لبنان في ستينات القرن المنصرم، للعمل كحاضنة أطفال لدى إحدى العائلات البيروتية، قبل أن تقع في حب جوزيف (وجدي معوض)، فيتزوجان وينجبان طفلتهما كأُسرة متناغمة. لاحقاً، ومع اندلاع الحرب، ينقلب عيشهم الهانئ، وهو عيش البرجوازية الصغيرة المدنية، إلى عيش مهدد بالقصف والتهجير والخطف والاحتلال. لم يحصل الانتقال من العيش الهادئ الى انقلابه رأساً على عقب، بفعل الحرب، بشكل حاد، بل بشكل متدرج. فزمن ما بعد الحرب كان مختلفاً عن زمن ما قبلها، لكن هذا لا يعني ان الأول قد انقطع ليبدأ الثاني، بل إنه تداخل معه. بين الزمنين، لا قطع، بل انتقال مرن، أشارت اليه شخصية الأرزة (نادين نعوس) بحركتها الساخرة والمهضومة.

العنصر الثالث هو الألوان، بحيث أن الفيلم، من ناحية ديكوره وأزيائه، كان ملوناً بطريقة لذيذة، تجعل من حكايته -وبحسب عالم أليس- ضرباً من الخيال أو من قبيل الحلم، الذي سرعان ما يتلاشى مهما طال. لكنه، حتى حين يتلاشى، لا يفعل ذلك كأنه يبلغ صدمة ما، إنما يتلاشى كأنه ينتقل إلى حلم ثانٍ. وهنا، عنصر رابع في الفيلم، وهو نهايته، التي لا تأتي كتكليل لكل دراما الحرب، بل تبدو أقرب إلى تغلب العلاقة العاطفية بين أليس وجوزيف عليها. بالتأكيد، في هذه النهاية، ثمة شيء غير محسوم، وهو إن كان فعلاً جوزف قد التحق بأليس أم لا. لكن، حتى لو كان التحاقه مجرد التحاق طيفي، فهو، وبهذه الصفة، يجعل من كل حكايتها مجرد حلم، كما أنه يشير إلى أن كل حكايتها المقبلة، التي يشكل هو جزءاً منها، هي حلم أيضاً.

بهذه العناصر، وربما غيرها، استطاعت مازلو أن تنتج الجو اللعبي للفيلم، الذي صار، وفي إثر ذلك الجو، يشبه الأفلام المُعدّة للمشاهدة العائلية. وبالتالي، صارت سمته الأساس إظهار لبنان، بحربه أو من دونها، كبلد ليس بعيداً ولا قريباً، إنما هكذا شبيه ببطاقة رُسمت عليها لوحة جميلة ومبتذلة في جمالها، موضوعها منظر فائت مع أنه لم يكن موجوداً يوماً. يمكن الاحتفاظ بهذه البطاقة، والعودة الى التفرج عليها من وقت إلى ثانٍ بمنزع نوستالجي، ويمكن رميها، ويمكن أيضاً النظر فيها ملياً حتى الوقوع على خرابها الذي يحضر داخلها بوضوح. في الواقع، أليس بقيت في اللوحة، تجنبت هذا الخراب، إلى أن جلست في السفينة، وكتبت بعض يومياتها التي كأنها لم تكن.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)