متحف جديد

معهد العالم العربي في باريس يدشن متحفه الجديد الذي يحتضن حضارات وديانات وقوميات مختلفة L’Institut du Monde arabe à Paris inaugure le nouveau musée

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الخميـس 01 ربيـع الثانـى 1433 هـ 23 فبراير 2012 العدد 12140
الصفحة : يوميات الشرق
باريس : «الشرق الأوسط»


دشن معهد العالم العربي في باريس متحفه الجديد في حفل جرى هذا الاسبوع، ليعيد الألق إلى صالات احتلت 4 طوابق ورسمت مسارات الزيارة فيها بطريقة مريحة وحديثة وتلبي التتابع الموضوعي للآثار المعروضة. لقد انتهى ذلك التساؤل القديم حول التداخل بين ما هو موجود في متحف «اللوفر» ومتحف «رصيف برانلي» في باريس ومتاحف فرنسية أخرى، مثلا، وبين مقتنيات المعهد من قطع فنية وأثرية. إن شواهد حضاراتنا وتاريخنا كثيرة ومتنوعة ولا بأس من أن تتاح للمشاهد في أكثر من عنوان، فكيف إذا سمحت الاستعارة بتجميع الكثير منها في مكان واحد؟

المتحف الجديد، الذي يرتكز على الفضاء الجغرافي للدول العربية المؤسسة للمعهد بالاشتراك مع فرنسا، يتيح للزائر اكتشاف ثقافة مجتمعات العالم العربي في أصولها ونشوئها واستمرارية جذورها الحية. وقد جاء هذا الخيار حصيلة دراسة تهدف لإعطاء متحف معهد العالم العربي معناه وتميزه في الوقت الذي يستعد فيه متحف «اللوفر» لافتتاح قسم خاص بفنون الإسلام.

وقع الاختيار على ماري فواسي التي كانت مسؤولة متحف الفنون الآسيوية في نيس، لتتولى الإشراف على مشروع تجديد المتحف بالتعاون مع إيريك ديلبون، مدير مجموعات المعهد. وكان منهجها يعتمد على الالتقاء باختصاصيين وعلماء يعملون داخل مؤسسات متنوعة، منها المركز الوطني للبحث العلمي، وجامعة السوربون، ومدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، والمكتبة الوطنية الفرنسية، ومعهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي في مدينة «إكس أون بروفانس» جنوب فرنسا، ومتحفي «اللوفر» و«رصيف برانلي»، كل ذلك لتكوين «مجموعات تفكير» بنوع المتحف الذي يراد له أن يرى النور.

ومن هذه المبادلات، انبثقت نقاط أساسية لمفهوم المتحف الجديد. وساعدت لقاءات علماء الآثار والمؤرخين وأمناء المتاحف والأنثروبولوجيين واللسانيين، وأيضا بعض المثقفين المعنيين بهذا التنوع الثقافي، في تجميع الصورة المطلوبة. وأصبح بعض الخبراء المشاركين في اللقاءات مستشارين في المشروع، ضمانة لحقيقته العلمية.

يخبرنا دليل المعرض أن هذه الورشة من التحليل ثم التركيب، تختلف عن التنظيم التقليدي للمؤسسات الفرنسية، وهي قد ساعدت على خلق نوع من الانسجام أو التجاوب بين قطع أثرية مختلفة تماما، بعيدة في التدرج الزمني، بهدف إعادة تشكيل الوجوه الكثيرة للثقافة في شموليتها ككل.

لقد كان للمعهد متحفه السابق، لكن القائمين عليه أرادوا منح الجمهور متحفا مبتكرا ومنبثقا عن طريقة جديدة في التفكير والتخطيط، يليق بعالم عربي عريق ومتجدد وبمؤسسة من وزن المعهد الذي يحمل اسمه. فقد كان صعبا، من قبل، على من يرغب في الوصول إلى معرفة شاملة للعالم العربي أن يحقق هدفه. وكانت المعلومات متفرقة في مختلف المؤسسات والأقسام الأركيولوجية في «اللوفر» وغيره ولا تتيح نظرة شاملة واضحة. وقد تطلب الأمر 3 سنوات من أجل إنجاز هذا المشروع على أحسن حال، بدعم مالي من دولة الكويت والمملكة العربية السعودية ومؤسسة «جان - لوك لاغاردير» الفرنسية.

وحسب الدليل، أيضا، فإن مفهوم المتحف الجديد يرتكز على العروبة، بالمعنى الواسع، وليس على الإسلام فحسب. وهو مفهوم يمتد ليشمل ما يتجاوز البلدان ويأخذ بعين الاعتبار التنوع «الإثنو - لساني»، لأن نشر الإسلام في تلك الأراضي الشاسعة لم يكن يعني فرض التعريب على السكان الأصليين الذين حافظ بعضهم على لغته وثقافته الخاصة، مثل الأمازيغ (البربر) والأكراد والآشوريين والكلدانيين والسريان. كما أن الدين الجديد لم يكن يؤدي إلى انقراض ديانات سابقة على الفتح الإسلامي، كالمسيحية واليهودية اللتين تشكلان جانبا من التراث الثقافي لهذا الجزء من العالم.

كان تبلور هذه الهوية العربية سابقا، تاريخيا، للإسلام الذي ظهر في القرن السابع. وقد تم التطرق إلى هذا التطور منذ بداياته في الألفية الأولى قبل الميلاد، وإلى اليوم. لذلك حاول القائمون على المتحف ربط الهوية بثقافات ما قبل التاريخ وبحضارات قديمة تتابعت في هذا الفضاء الجغرافي؛ من بينها حضارة بلاد الرافدين والحضارة المصرية والفارسية واليونانية والرومانية والبيزنطية وغيرها، وصولا إلى زمننا الحديث. إن مسار الهوية لا يمكن إلا أن يغتني باستمرار.

يقوم المتحف، في مساره الجديد، على خمسة موضوعات فرعية هي: «عربيات»، و«المقدس وصور الإلهي»، و«المدن»، و«التعبير عن الجمال»، و«زمن للعيش». ولم تكن 1200 قطعة مسجلة في قوائم متحف معهد العالم العربي كافية لتمثيل كل هذه الموضوعات، الأمر الذي قاد المعهد إلى طلب ودائع موجودة لدى المؤسسات الفرنسية، وأصبح الأمر ممكنا بفضل حصول المشروع، في العام الماضي، على مرتبة «متحف فرنسي» التي تجعله يستفيد معايير محددة. وقد أعار متحف «اللوفر»، وبالذات قسم التاريخ الشرقي القديم والتواريخ المصرية واليونانية والأترورية والرومانية القديمة، قطَعا فنية لمدة ثلاث سنوات، وجاءت قطع معارة أخرى من متحف «رصيف برانلي» المتخصص في الحضارات البدائية. كما أن قسمي المخطوطات، والعملات النقدية والميداليات والقطع القديمة في المكتبة الوطنية الفرنسية قدما مساعدتهما القيمة. وساهمت أقسام التاريخ القديم والتراث في المملكة العربية السعودية والبحرين والأردن وتونس وسوريا في المتحف الجديد، من خلال قطع معروفة وأخرى تعرض لأول مرة.

القطعة الأقدم، وهي معارة من الأردن، تعود إلى الألفية السابعة قبل الميلاد، وقد جاءت من موقع في «عين غزال» وتشهد على عبادات كونية لـ«لإلهة - الأُم»، رمز الخصوبة. ومن المدهشات الأخرى أن يرى الزائر باقة من أعمال فنانين معاصرين في مكان يحمل اسم «متحف»، مع ما تحيل إليه الكلمة من عصور ماضية.. إنه نوع من «مسار مروي» يمتد على مساحة 2400 متر مربع، وكأنك في رحلة انسيابية تصغي فيها إلى حكاية تنسجها القطع الأثرية والفنية والنصوص المرافقة الضوئية أو المؤطرة على الجدران. وهناك، أيضا، الصور والمؤثرات الصوتية التي تأخذ الزائر إلى أكثر من عشرين محطة بصرية في سينوغرافيا بالغة الأناقة من إبداع روبرتو أوستينيللي.

عن جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)