مجلة الجديد اللندنية - العدد 21 - أكتوبر (تشرين الأول) 2016

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 20-10-2016، العدد: 100428، ص(15)
الصفحة : ثقافة
العرب - عواد علي


المخيال التديني يأخذ المجتمعات العربية إلى محرقة الصراع


تواصل مجلة “الجديد” في عددها الحادي والعشرين والصادر أخيرا لشهر أكتوبر 2016 مشروعها الثقافي والفكري في رصد أكثر القضايا الشائكة وتناولها بالنقد والتحليل من قبل أقلام عربية مختلفة تسعى إلى طرح أفكارها بحرية بغية التأسيس لسجال فكري ناجع. إضافة إلى ذلك تقدم الجديد في كل مرة نصوصا إبداعية من شعر وقصص ومسرح، علاوة على مقالات ودراسات نقدية تكشف خفايا الساحات الأدبية العربية ومنتجاتها.

يتضمن العدد الـ21 من مجلة الجديد الثقافية، الصادر في الأول من أكتوبر الحالي، ملفين؛ الأول خاص بـ”المخيال التديني”، تواصل به المجلة مشروعها في قراءة الأفكار والموضوعات والقضايا التي تشغل الفكر العربي والرأي العام في البلدان العربية، على مفترق الصراع الدامي في أكثر من بلد عربي، لا سيما بين قارئي الدين ومفسريه بالعمل العنيف، وبين بقية الأطراف الصانعة للمشهد المجتمعي والفكري العربي، سواء أكانت من القوى الاجتماعية الطالعة من المتن أم من هوامشه الدينية والإثنية والفكرية. ويحتوي الملف الثاني على سجال نقدي يناقش المفكر صادق جلال العظم.

حيرة المثقفين العرب

تركز مقالات الملف الأول على الاشتباك الحاصل بين العقائد والتصورات الدينية والاجتماعية والسياسية، على قوس التحولات العاصفة وما أنتجته وتنتجه من هزات آخذة في خلخلة البنى المجتمعية، ومعها العقائد والأفكار والتصورات عن الحاضر والمستقبل، وذلك انطلاقا من قراءات هي: “تبدلات المخيال التديني- من الجمعي الشمولي إلى الفردي الذاتي كما تعكسه حركات التطرف والإرهاب الإسلاموي” لنجيب جورج عوض، و”في نقد نظرية التسامح” لعبدالمعطي سويد، و”الأناشيد الداعشية ورحلة البحث عن معنى” لأحمد ندا، و”غيبوبة العقل: أزمة العقلانية وأزمة الدولة في الخطاب الفكري العربي” لعلي حسن الفواز.

وتشارك في الملف الثاني نخبة من الأقلام العربية، من تونس والجزائر ومصر وسوريا وفلسطين والعراق، بعدد من المقالات التي نذكر منها: “العلمانية والاستشراق ومركّب النقص” لأبوبكر العيادي، “معضلة المفكرين العرب مع الغرب: صادق جلال العظم في لعنة التحريم نموذجا” لأثير عادل شواي، “غياب الفلسفة: حوار مع صادق جلال العظم” لأزراج عمر، “النقدان الجذري والذاتي وأوهام النخب.. جولة أولى” لعبدالرحمن بسيسو، “من كل بستان زهرة.. صادق جلال العظم والحوار الغائب” لبدرالدين عرودكي، “الأصولية المعكوسة عند صادق جلال العظم” لإبراهيم سعدي، “ثلاثة رؤوس لمثلث لكي أتفادى متاهة الدائرة” لسعد القرش، “رسالة إلى صادق العظم” لأحمد برقاوي، و”إعادة اكتشاف غرامشي.. اليسار الذي يتحسر عليه صادق جلال العظم” لسعيد خطيبي.

ويناقش أصحاب هذه المقالات المفكر صادق جلال العظم في أفكاره التي طرحها على صفحات العدد الماضي من “الجديد”، والتي تناول فيها عددا من الموضوعات الفكرية الشائكة، اتصلت على نحو خاص بثلاثة مواضيع أساسية، الأول تمثل في السياق المتعلق بالمسافة الفاصلة بين ظهور كتابه الشهير “نقد الفكر الديني” واللحظة الحاضرة، وقد تفشى الفكر الديني وتفاقم في جل المجتمعات العربية منتجاً خلاصته المتطرفة والعنيفة المتمثلة في “داعش” وأخواته. والثاني في النقد الذي وجهه العظم لأفكار إدوارد سعيد في “الاستشراق”، والثالث حول الأسباب التي حتّمت غياب الفلسفة من بين الموضوعات الفكرية الفاعلة في بنية الثقافة العربية.

رئيس تحرير المجلة الشاعر نوري الجراح وصف في افتتاحية العدد المثقفين العرب بأنهم “حائرون، وحيرتهم هذه المرة أكثر حقيقية من أيّ وقت مضى، فالحريق يتّسع ورياح العالم تهب به من بيت إلى بيت وصولا إلى العواصم المنيعة، بل وإلى أسرة الآباء المؤسسين وقبور أجدادهم”. ويرى أن هذه الحال تجعلنا “نعيد طرح السؤال عن دور المثقّف في المجتمع والتاريخ، عن الطاقة والإمكانات والحدود، وعن علاقة المثقّف بذاته وبالنّاس، وعلاقته باللغة التي ينتج فيها خطاباته أو يستهلك فيها خطابات تتبنّاها ثقافته، وصولا إلى الخلاصة التي يمكن أن يرى فيها ذاته المجتمعية وارتباط تلك الذات بواجباتها المختلفة وما تنتجه هذه العلائق مجتمعة من أسئلة، هي في ذاتها مادّة لمراجعة لم تنجز نفسها، ما دمنا لم نصدم حتى الآن بحالات أو حتى حالة واحدة من المراجعة العميقة للعلاقة بين أهل الفكر والأفكار التي اعتنقوها، وبينهم وبين الطرائق التي اعتمدوها للتعبير عن هذه الأفكار والمعتقدات، وبينهم وبين السّلطات التي داروا في فلكها أو تواجهوا معها، سلطة الثقافة، وسلطة السياسة، وسلطة الدين، ولا بينهم وبين الناس”.

في باب “حوار” نقرأ حوارين: الأول مع المفكر والباحث المغربي محمد نورالدين أفاية، أجراه أحمد فرحات، يتحدث فيه عن قدرة المشتغلين المغاربة في حقل الفلسفة والعلوم الإنسانية على الإنصات إلى لغات وأفكار وانفتاحات فلاسفة العالم، وعلى استلهامها و”تبيئتها” داخل السياق المغربي الخاص.

فلسفة ونصوص
يسلّط المفكّر أفاية، أيضا، الضوء على المرحلة الراهنة، مؤكدا “أن الجميع فيها تحالف على منع التفكير الجدّي في ذواتنا، وفي تاريخنا، وفي حاضرنا، وفي جسدنا، وفي حياتنا، وحتى في موتنا”. كما يرى أن سطوة الاستبداد والتديّن السطحي حشرا المثقفين في زوايا ضيّقة جداً، فضلاً عن التبدّلات التي طرأت وتطرأ على نوعية اللغة وأنماط التواصل والخطاب وطبيعة المتلقين، وهي كلها عوامل لها تأثيرها على الثقافة والسياسة والنص المقدس.

أما الحوار الثاني فقد أجراه حبيب الواعي مع الشاعر الأميركي مايكل روتنبرغ، وضمنه قصيدة مترجمة له بعنوان “جلبة الصباح”. والشاعر روتنبرغ هو كاتب أغان أيضا، ورئيس تحرير مجلة ”بيغ بريدج” وناشرها على الإنترنت، والشريك المؤسس لحركة الشعر العالمي المعروفة بـ”100 ألف شاعر من أجل التغيير”، نشرت قصائده على نطاق واسع في مجلات أدبية عديدة، وله مجموعة دواوين شعرية.

نشرت المجلة في العدد جملة نصوص إبداعية تتوزع على: قصيدة للشاعر العراقي عبدالخالق كيطان بعنوان “في عُرف الشتاء”، اثنتي عشرة قصيدة للشاعر التونسي محمد ميلاد مستوحاة من ديوان “التحيّز للأشياء” للشاعر الفرنسي فرنسيس بونج، المعروف بدوره المهم في تطوير قصيدة النثر وتأثره بالسريالية، قصة “المظلة” للكاتبة الفلسطينية إيناس عبدالله، قصة “إرجاع أبي من العالم الآخر” للكاتب السوري مصطفى تاج الدين الموسى، وقصة “قلبي أم كلبي” للكاتب العراقي سعد هادي.

مقالات وأصوات

“الرواية المغايرة: الرواية الواعية بذاتها” هو عنوان دراسة الناقد العراقي محسن جاسم الموسوي، التي يقدم فيها قراءة تحليلية في مجموعة روايات عربية حديثة لإلياس خوري وربعي المدهون وسنان أنطون ومحمد ربيع ومحمد حياوي ليستدل من خلالها على تطورات في فن الرواية، مشخصا المشترك والمختلف بينها بما يمكن أن ينتج وعيا قرائيا جديدا يتعلق بالمنجز الروائي العربي. وتترك “الجديد” الباب مفتوحا للتشاكل مع هذه القراءة كما تفعل، باستمرار، مع كل قراءة أخرى أدبية أو فكرية تنشرها، لما في الحوار الفكري والأدبي، بداهة، من أهمية استثنائية، لا سيما في ظل تقهقر الحوار ونكوصه بفعل نزعات التطرف والاعتصام في قلاع الفكرة السائدة والتصورات الخالصة.

من مقالات العدد “أحوال المشرق العربي بعد قرن على اتفاقية سايكس-بيكو”، بقلم الكاتب والأكاديمي اللبناني خطار أبودياب، “نهاية الدين أم عودة الديني” بقلم الكاتب التونسي أبوبكر العيادي، و”في معنى الضحك”، للكاتب المسرحي والناقد المغربي عبدالكريم برشيد. أما “أصوات” العدد فهي: “الخريف العاري” للكاتبة الفلسطينية رفقة شقور، و”فهرنهايت 2016: موسم حرق الكتب ومن يكتبها” للكاتب المصري هاني حجاج.

الروائي والكاتب السوري عبدالله مكسور كتب في باب “فنون”، تحت عنوان “الأهوار: هنا غرست الآلهة البردي والقصب”، عن تجربة المصور الفوتوغرافي العراقي المقيم في بروكسل كريم إبراهيم، مبينا أن اللحظة التي تشدّه أكثر من غيرها، خلال مطاردته الصورة، هي تلك التي تكون أكثر تلاحماً مع الواقع، مهما كانت اللقطة حالمة أو مؤلمة، فتراه يسعى عبر عدسته لالتقاط كل ما هو مثير وغريب ويشبه الإنسان النقي المتصالح مع عالمه. ويرى مكسور أن الأمكنة التي يختارها المصوّر إبراهيم ذات طابع متشابه عندما تتعلّق بالبيئة الطبيعية التي يؤثّر فيها الإنسان، بينما الحركات التي يقوم بها الإنسان غير متجانسة أو ثابتة، إنها متحوّلة باتجاه الحدث الذي يفرض نفسه مهما كان ساكنا.

في باب “كتب” قدم الناقد المغربي سعيد الشفاج قراءةً لرواية “ابن القبطية” لوليد علاء الدين، مركزا على نسق التمثلات وعنف التأويل. وتناول الكاتب اللبناني مهيار أيوب كتاب “ميثاق الشرف.. كيف تحدث الثورات الأخلاقية” للكاتب الأميركي كوامي أنطوني أبياه، وقرأ الناقد السوري هيثم حسين رواية “عربة الأموات” للروائي السوداني منصور الصويم.

وفي “المختصر” عرض كمال البستاني، كما عودنا في كل عدد، مجموعة إصدارات حديثة، أغلبها روايات لكتّاب وكاتبات فرنسيين من أصول عربية، منها رواية “أغنية حلوة” للكاتبة المغربية ليلى سليماني، رواية “جانبي الغولي” للكاتب والفنان الجزائري مجيد شرفي، رواية “طبع الدموع” للموريتاني مبارك ولد بيروك، رواية “جسد أمي” للكاتبة والصحافية التونسية فوزية الزوراي، رواية “أحجار في جيبي” للكاتبة الجزائرية كوثر أديمي، كتاب “فسيفساء الإسلام” للباحث اللبناني سليمان مراد، محاورا الباحث الأميركي بيري أندرسن، كتاب “لأجل تاريخ الممكنات” للمؤرخين الفرنسيين كنتان دوليزموز وبيير سنغرافيلو، كتاب “النقاش كأسلوب حياة” للفيلسوف المغربي علي بنمخلوف، وكتاب “المرآة والخشبة” للفيلسوفة الفرنسية ميريام ريفو دالون.

يختم مؤسس المجلة وناشرها الكاتب هيثم الزبيدي العدد بكلمة عنوانها “ثقافة غربية ومنتجات شرقية” يفترض فيها، جدلا، أن من يريد أن يكسر سيطرة المركزية الغربية على الثقافة في العالم، عليه أن يدير ظهره لها ويتجه إلى الشرق البعيد: الصين واليابان وكوريا الجنوبية وبقية النمور الآسيوية، وإلى الهند وإيران وتركيا، أو إلى أوروبا الشرقية.

لكن ماذا سيجد من منتجات ثقافية في هذه العوالم البديلة؟ بلاد الفيض الإنتاجي التقني والصناعي والعمراني، في الصين واليابان وكوريا الجنوبية تستطيع أن ترسل له كل شهر هاتفا جديدا بتقنيات عالية وسلعا لا أول لها ولا آخر، لكن ما نوعية الأفلام التي يمكن أن يحصل عليها؟ لا شك في أنها أفلام أشبه بنقوش المزهريات والسنادين واللوحات الفنية حيث البركة والقصب والسمكة البرتقالية، تكرار في تكرار.

لم يحرص الصينيون على ترجمة أعمالهم الأدبية إلى العربية، وما تُرجم منها محدود. أما شعر الهايكو الياباني فليس أكثر من صرعة دخلت عالم الثقافة العربية ومرت عليه مرور الكرام. ورغم أن لروسيا نتاجا ثقافيا واسعا، فإنه لا يزال امتدادا للحقبة السوفييتية، حيث استبدل النزعة الشيوعية بنزعة قومية روسية حاضرة بقوة.

ويستبعد الزبيدي أن يكون المنتج الثقافي الهندي والتركي، خاصة في مجالي السينما والدراما التلفزيونية، خياراً في هذا السياق، كونه ذا طابع ميلودرامي ممل… أما المنتج الثقافي الإيراني فهو كئيب في المحصلة.

وفي الوقت الذي يعترف فيه الزبيدي بأن ما كتبه في مقاله ينطوي على الكثير من التعميم، بل والإجحاف، يرى أنه لا مفر من التعميم.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر


تعريف مجلة الجديد اللندنية

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)