كامل التلمساني.. السريالي في مواجهة الواقعي. صدر عن دار الثقافة الجديدة كتاب “رحلة كامل التلمساني- السريالي في مواجهة الواقعي” لمحسن البلاسي


جريدة المدن الألكترونيّة
الجمعة 12-20-2021
المدن - ثقافة

صدر عن دار الثقافة الجديدة كتاب “رحلة كامل التلمساني- السريالي في مواجهة الواقعي” لمحسن البلاسي، جاء في الكتاب: “في عام 1936 دخل كامل التلمساني كلية الطب البيطري ليرضي عائلته، وظل يحاول مرة تلو الأخرى أن ينجح فيها لكن بلا جدوى، بسبب شهوة نزعاته الفنية التمردية ضد نظام التعليم وأساليب التلقين الفوقية الجامدة، كما أن حمى الفن قد ضربت رأسه فجعلته لا يرى سوى الفن ملاذا للتفكيك والتمرد.

وفي العام 1936 نفسه، بدأ كامل التلمساني يكتب مقالات ويرسم رسومات مصاحبة لقصص كتاب مثل طه حسين وغيره في مجلة مجلتي، التي كان يملكها أحمد الصاوي محمد، وهو أول رئيس تحرير مصري لصحيفة مصرية، بالإضافة لامتلاك أحمد الصاوي محمد لدار نشر بنفس الاسم، وهي نفس الدار التي نشرت الكتاب المنبوذ لـ أنور كامل، ذلك الكتاب الذي أحدث ضجة في هذا الوقت. وهناك، عند أحمد الصاوي، تعرف أنور كامل بـ كامل التلمساني، فعرفه كامل بـ جورج حنين وكان حلقة الوصل بينهما. كان هذا التعارف الثلاثي بذرة من بذور تأسيس جماعة الفن والحرية فيما بعد.

مات الملك فؤاد العام 1936 وجاء الملك فاروق الشاب الصغير الذي درس في إنجلترا إلى الحكم، وأثار موجة من التفاؤل بين صفوف الشعب المصري في البداية. وما بين عامي 1936 - 1937 كون كامل التلمساني مع راتب صديق وسعد الخادم وكمال الملاخ وفتحي البكري وعلي الديب جماعة الشرقيين الجدد، وكان أغلب ناشطيها وأعضائها من تلاميذ المدرسة السعيدية، ووقعوا بيان الاستشراق الجديد أو إعلان الشرقيين الجدد، وكانت اتجاهاتها الفنية والأيدلوجية تدعو للحفاظ على روح الثقافة والتراث والموروث الشعبي في الفن التشكيلي، وتحويل الفن الشعبي إلى شكل حداثي.

وفي أول بيان صدر لجماعة الشرقيين الجدد بتوقيع كامل التلمساني في يناير 1937، قال:”إن الحساسية الشرقية هي غطاؤنا"، ولكنه كتب أيضا في نفس البيان: “إن كان لجماعة”الشرقيين الجدد" حقا، فإنه يحمل في طياته ذلك الاعتراف الواضح المهذب بأحقية خروجه مع جماعته من ثنايا جعبة الفنانين الأجانب، تلك الجعبة التي نتحفظ على مراميها، وإن كنا لا نتجاهل – بالحق والإنصاف – وجهها الآخر الجواني في حركة التعبير الفني بصورة مستقلة للغاية".

ومن كلمة كامل التلمساني في إعلان الشرقيين الجدد: “لو تبينتم في أعمالي تعبيرا غامضا وجسيما، بل وحتى مستهجنا أيضا وخارجا على كل جمال كلاسيكي، وهو العنصر المنحدر عن ذلك الجانب اللعين المتأصل فيّ، والذي ليس سوى الانعكاس لأحاسيسنا المكبوتة كشرقيين، لو تبينتم ذلك فهنا يكمن اكتشافي، ولو كنت قد توصلت إلى العثور فحسب على المعالم الأولى لفن محلي جديد، فبهذا وحده سوف أعتبر نفسي فنانا”..

وكان كامل التلمساني في هذا الوقت يرتاد مكتبة راكاح ومقهى النورس في القاهرة، كما كان قريبا من جلسات ودوائر جماعة المحاولين والمشاركين في مجلة آن إيفور، وكان يذهب إلى تلك الأماكن دائما بصحبة جورج حنين ومجموعة من الفنانين الطليعيين. كما أنه كان كثير التردد على مرسم إيريك دي نيميس ومرسم ديفيد دي بيثيل. وهذا ما ساعده كثيرا في هذه الفترة في تطوير أدواته ورؤاه الفنية وتقنياته وربطها مع الحركة الفنية الطليعية والتقدمية في أوروبا، فكان إيريك دي نيميس في هذا الوقت يعقد دروسا مهمة في تاريخ الفن، وأثر في الكثير من الفنانين المصريين مثل كامل التلمساني وفؤاد كامل ورمسيس يونان وسمير رافع.

كما نشرت دار مجلتي، المملوكة لأحمد الصاوي محمد، الكتاب الأهم في هذا الوقت لرمسيس يونان، بعنوان: غاية الرسام العصري، عام 1938، والذي تأثر به كامل التلمساني كثيرا، كما تأثر به أخوه الأصغر حسن التلمساني، وكان بمثابة تمهيد نظري لتأسيس جماعة الفن والحرية فيما بعد. فقد كان هذا الكتاب بمثابة انعطافة جذرية في الشق النظري للفن التشكيلي في مصر، حيث يمثل طرحه دعوة لإعادة النظر في منجزات وإنتاج الحركة التشكيلية المصرية في الماضي. وطرح وجهات نظر حداثية تعادي فنون الطبقات الأرستقراطية الحاكمة في هذا الوقت، وقدم نداءً نظريا لإعادة خلق فني جديد حداثي وتقدمي يجسد واقعه المعاصر. ودعا للتمرد الحاد على منتج جيل الرواد الأكاديمي، العاجز عن التعبير عن صراعات الواقع. كما وجه الكتاب دعوة للهجوم على كل ما هو ثابت ومشلول وقائم على قواعد جامدة في الفن، فكان من أوائل الكتب التي تناولت المدرسة التكعيبية والوحشية والتعبيرية والسريالية كمدارس فنية تقدمية حداثية، يجب أن تحل محل المدارس الكلاسيكية القديمة.

كما أن رمسيس يونان قدم السريالية في هذا الكتاب بشكل حماسي، حيث اعتبرها نوعا من الواقعية النفسية. ودعا في كتابه إلى تنمية الأفكار السريالية في أوساط الحركة التشكيلية المصرية، وهو ما أثر في كامل التلمساني ومعاصريه".

ويضم كتاب محسن البلاسي، رصدا وتحليلا وتوثيقا لرحلة أحد رموز السريالية المصرية، ويقول عنه الناقد الفني سمير غريب في مقدمته للكتاب: «يلحظ قارئ هذا الكتاب المجهود الضخم الواضح في تجميع قدر كبير من المعلومات حول كامل التلمساني وتضفيرها في مسيرة واحدة. هذه أول مرة تتم فيها كتابة كتاب خاص به. طالما تمنيت أن يحدث ذلك منذ تعرفت على كامل على الورق من خلال رسوماته وكتاباته وأنا أخوض تجربة اكتشاف جماعة الفن والحرية".

كما يتضمن الكتاب كلمة الشاعر السريالي عبدالقادر الجنابي: «كتاب جد مهم لأنه يسد ثغرة كبيرة في تاريخ السريالية المصرية. كامل التلمساني عمود أساسي في نشاطاتها.. مبدع أصيل يجب أن يعرفه قرّاء اليوم بهذا الشكل المفصل النقدي والدقيق الذي يجعل من التلمساني لوحة نابضة تتنزه فيها تواريخه بكل ما كانت تحمله من إرادة".

وفي كلمة للكاتبة الروائية مي التلمساني تقول:«نشأتُ على أسطورتين لكامل التلمساني، تتكاملان وتصبان الواحدة في الأخرى. الأولى سمعتها في بيت العائلة، والثانية تعرفت عليها بالقراءة والاطلاع على أرشيف العائلة الفني. تصوره الأسطورة الأولى بوصفه العم العزيز، المتوهج دائما، الغائب في بيروت. أحببته من الصور، ومن حديث جدتي وعماتي واشتياقهم الدائم للقائه، ومن أحاديث أمي عنه وعن أسباب سفره إلى لبنان. أما أبي فطالما تحدث عن كامل في حضوري، في سياق الاحتفاء بأفلامه وأيضا في جلسات جمعته بأصدقاء مثل أحمد كامل مرسي وإنجي أفلاطون وجماعة الفن والحياة. ارتبطت الأسطورة الثانية باسم التلمساني الفني ودور كل من الأخوة الثلاثة، كامل وحسن وعبدالقادر، في الحياة الفنية وفي طلائع الحركات الاشتراكية منذ الأربعينيات وحتى الثمانينيات من القرن العشرين. ثم جاء البحث ليسهم في تفتح ذهني وذاكرتي على معنى أسطورة كامل العائلية، ولكن في سياقها الجمعى والفنى وحثني للسعي لتكوين أرشيف لكامل من أوراق العائلة ومن كتاباته المتنوعة والغزيرة. إن دور كامل التلمساني في طليعة الحركة التشكيلية فنا ونقدا في الأربعينيات، وفي طليعة الواقعية المصرية في السينما، ثم كمستشار فني لفيروز والأخوين رحباني، يمثل محطات هامة في تاريخ حافل بالحركة والإنجاز ويتسق مع موجات التحرر التقدمية والتمردية في الفن، ذلك التحرر الذي لانزال حتى اليوم نسعى لملامسته وتحقيق بعض أهدافه.

رابط : المقال على موقع المدن

أخبار أخرى

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)