مشاهدة فيلم أريد حلاً
https://www.twitch.tv/videos/45428039
https://www.facebook.com/100044550668957/videos/527387694331819/
مشاهدة فيلم زوجتي والكلب
خطأ في التنفيذ plugins/oembed/modeles/oembed.html
خطأ في التنفيذ plugins/oembed/modeles/oembed.html
سعيد مرزوق الفنان الذي صوّر خيبة الحلم وآلام المرأة المصرية
الجمعة، ١٩ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤
جريدة الحياة
ابراهيم العريس
لم يحقق سعيد مرزوق خلال مسار إبداعي بدأ تلفزيونياً لينتهي صامتاً وسط الآلام، ودام خمسين عاماً، سوى أربعة عشر فيلماً طويلاً وبعض الأفلام القصيرة. صحيح أنه في هذا الإنتاج الضئيل نسبياً يظل متفوقاً، من الناحية الكمية على توفيق صالح، أحد كبار السينما المصرية الذي رحل قبل فترة، لكنه يقلّ إنتاجاً عن مجايليه من رفاقه أبناء ذلك الجيل الذي بدا في حقيقة الأمر مطحوناً بين جيل الكبار الذين أسسوا السينما المصرية الجادة – شاهين وأبو سيف والشيخ وبركات - وجيل الثمانينات الذي عرف كيف يعطي مصر بتواقيع محمد خان وعاطف الطيب ورأفت الميهي وخيري بشارة وداود عبد السيد وصولاً إلى يسري نصرالله ورضوان الكاشف، واحداً من ألمع تياراتها السينمائية في تاريخها.
غروب عبدالناصر
سعيد مرزوق ومجايلوه من أمثال حسين كمال وأشرف فهمي وممدوح شكري وشادي عبدالسلام – وهذان الأخيران بفيلم طويل واحد لكل منهما – وحتى علي عبدالخالق ومحمد راضي وصولاً إلى نادر جلال، يبدون كأبناء جيل واحد، كان أشبه بضحية ابتلعت مما قبلها كما مما بعدها، بخاصة أن الهرج السياسي وأحوال النكسات والهزائم كانت قد باغتتهم، وهم في عز «حلم الصعود القومي والتقدمي» فكان لا بد لأفلامهم من أن تتحمل تبعات تلك المباغتة. وفي هذا الإطار بالتحديد قد يكون في إمكاننا، مع استعراض أفلام سعيد مرزوق على ضوء رحيله المفجع قبل أيام، أن ندرك أنه ربما كان الأكثر تأثراً بانهيار الحلم، هو الذي كان قبل ولُوجه السينما الروائية الطويلة، يضخ السينما القصيرة التسجيلية وربما التلفزة المصرية أيضاً بشرائط تحاول التباهي بالسلام ومسيرة عبدالناصر وكشف «أعداء الحرية» على النمط الذي كان مزدهراً في ذلك الحين. وربما يمكننا الإشارة هنا إلى أن مرزوق وصل إلى ذروة ذلك التعبير الحماسي عن الحلم قبل غروبه، في عز غروب الحلم حين حقق شريطه «دموع السلام» (1970) الذي اعتبر «أفضل فيلم» عبّر عن رحيل الرئيس عبدالناصر الذي ارتبط الحلم باسمه. وكان سعيد مرزوق في ذلك الحين واحداً من الذين يعتبرون رحيل عبدالناصر أشد وطأة ومدعاة للخوف من هزيمة حزيران (يونيو) 1967 التي انصرف مجايلوه إلى تحليلها.
من هنا، إذا كان مرزوق، وقد شارف على الثلاثين من عمره وراح يغرق أكثر وأكثر في التفكير حول الهزيمة وعلاقتها بالفرد، قد أحس بأن الوقت قد حان كي يقول ما عنده مما يعتبره ما - وراء - الحلم، فإنه اختار أن تكون باكورته في عام 1971 فيلماً شديد السوداوية يكاد عنوانه وحده أن يشكل برنامج رفض وألم متكاملين «زوجتي والكلب» – راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة. والحقيقة أن هذا الفيلم حاز مكانته كواحد من أبرز نتاجات ذلك العام فور عرضه ليجعل من مخرجه واحداً من أبرز السينمائيين الغاضبين في تلك المرحلة. واللافت هنا هو أن مرزوق الذي بدا عالي الحرفية كتابة وإخراجاً وإدارة للممثلين منذ عمله الأول ذاك، كان واحداً من قلة من مبدعي السينما المصرية لم يدرسوا السينما في معهد داخل مصر ولا في أكاديمية خارجها. وهو حتى لو شاء ذلك، ما كان في وسعه أن يفعل بسبب فقره وتيتمه المبكر الذي جعله منذ مراهقته مسؤولاً عن أم وأربة إخوة.
فكيف قيّض لذلك اليتيم البائس أن يصــــبح سينمائياً، ثم واحداً من أفضل أبناء جيله، بفيلم أول واحد؟ الجواب هو: المراس والنهم إلى القراءة ومشاهدة الأفلام ورصد المجتمع من حوله وإحساسه بأن على كل مواطن أن يختار درباً يمكّنه من التغيير. وكان ذلك منذ تفرج ذات يوم وهو بعد مراهق على المخرج الأميركي سيسيل ب.دي ميللي يصـور في صحراء قرب القاهرة بعض مشاهد فيلمه التوراتي الشهير «الوصايا العشر». يومها افتتن الفتى بما يرى وراح يتردد على استـــديو مصــــر المجاور لبيته وقد قرر أن يكون جزءاً من ذلك العالم الساحر، ما افتتح واحدة من أجمل حكايات العصامية في السينما المصرية.
لغة البصر المميّزة
مع هذا، فإن لغـــة سعيد مرزوق السينمائية التي أتت نادرة في بصريّتها في السينما المصرية تدفعنـــا إلى الدهشة، إذ مكنت صاحبها من أن يبدو ومـــنذ فيلـــمه الأول مخرجاً/ مؤلفاً بالمعنى الذي كان سائداً في ذلك الحين. لغة تقوم على الإيجاز وشـــبه الغياب للثرثرة واختيار الممثلين على الضدّ مما كان معهوداً منهــم. وهذا ما سنـجده يتكرر بعد عام من «زوجتي والكلب» في فيلم مرزوق التالي «الخوف» (1972). صحيح أن هذا الفيلم هوجم بعض الشيء من جانب النقاد فيما لم يحقق لدى الجمهور ما كان متوقــعاً منه أن يحقق، لكنه لم يأت أدنى من الفيلم الأول في مجال عناصره السينمائية واختزالية عدد شخصياته – شاب وفتاة وحارس بناية – وأبعاده التقنية. ما أُخذ على المخرج يومها كان ضعف تركيبة السيناريو – وربما فقط مقارنة بقوة سيناريو «زوجتي والكلب» - الذي كُتب من حول حبكة شديدة القوة عن مصور يتعرف إلى صبية حسناء لاجئة من السويس بعد دمار هذه خلال هزيمة يونيو، ويبدأ معها رحلة حب وحياة تقودهما إلى البحث عن شقة في بناية قيد العمار حيث يفاجئهما حارس البناية كالوحش مطارداً إياهما خلال الجزء الأكبر من الفيلم.
في شكل عام، اعتبر «الخوف» أضأل شأناً من الفيلم الأول، وكان على مرزوق أن ينتظر العام التالي وتحقيقه فيلمه الثالث، وواحداً من تحف السينما المصرية «أريد حلاً»، كي يستعيد مكانته بسرعة كواحد من كبار مخرجي المرحلة. وكان الفيلم كما نعرف من تمثيل فاتن حمامة التي تألقت في عمل سيعتبر من أقوى أفلام السينما المصرية مناصرة لحقوق المرأة من خلال تلك السيدة التي تسعى إلى الطلاق من زوجها بعد عشرين عاماً من زواج أليم، والعقبات القانونية والاجتماعية التي تقف في وجهها. والحقيقة أن مرزوق، مع «أريد حلاً» كان قد بات مرتبطاً كلياً بالسينما الراصدة للواقع الاجتماعي والساعية إلى تغييره. صحيح أنه خلال سنواته التالية لم يتمكن أبداً من مضاهاة فيلميه الأول والثالث، لكنه في أعمال سينمائية وأحياناً تلفزيونية – في اقتباس عن توفيق الحكيم - حملت عناوين مثل «المذنبون» (1976)، عن قصة لنجيب محفوظ، و «حكاية وراء كل باب» (1979) «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» و «أيام الرعب» (1988) و «هدى ومعالي الوزير»، ثم خصوصاً فيلمه التجريبي الكبير «ألآي آي»، عرف على الأقل كيف يثبت مواقعه، لا سيما خلال حقبة كانت فيها السينما المصرية تطورت كثيراً في أشكالها ومضامينها على يد جيل الواقعية الجديدة، بخاصة أن السنوات التي راحت تفصل بين فيلم وآخر لمرزوق باتت أطول. هكذا حين حقق خلال التسعينات، ثم أخيراً في عام 2003، أفلامه الأربعة الأخيرة «السلاحف» و «المرأة والساطور» و «جنون الحياة» و «قصاقيص العشاق»، كان يبدو كأن سينماه لا تزال تحاول أن تقاوم وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة... والحقيقة أن تلك الفترة تزامنت على أية حال مع بدء استسلامه أمام ذلك المرض الذي سيقضي عليه بالتدريج خلال السنوات الأخيرة من حياته. سنوات أمضاها وهو يتساءل، من دون أدنى ريب، عما إذا كانت سينماه، أو حتى السينما المصرية في شكل عام، قد تمكنت من أن تساهم في التغيّرات التي طرأت على بلده الذي أحبه كثيراً، وكان دائماً قليل الافتراق عنه. والحقيقة أن فيلماً واحداً من أفلامه على الأقل كان يمكنه أن يعطيه نصف جواب على صعيد الموضوع والرصد الاجتماعي، وهو طبعاً «أريد حلاً» الذي اشتغل على صعيد الذهنيات والأحوال الشخصية بأكثر مما اشتغل أي فيلم مصري آخر في تاريخ هذه السينما. أما النصف الثاني من الجواب فيوفره بالتأكيد فيلمه الأول «زوجتي والكلب» الذي كان في زمنه، وربما لا يزال إلى اليوم، انتفاضة سينمائية حقيقية على مستوى اللغة وسبر سيكولوجية الشخصيات والبعد الأخلاقي في الفن السابع.
وفي يقيننا أن هذين الفيلمين وحدهما يمكنهما أن يشكلا مجداً سينمائياً لعمر بأسره.
يوم قال مرزوق أشياء كثيرة من خلال «زوجتي والكلب»
الجمعة، ١٩ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤
جريدة الحياة
إ. ع.
قد يبدو للوهلة الأولى غريباً أن يقدم مخرج مثل سعيد مرزوق، وكان في حينه معروفاً كمثقف ينحو الى الالتزام السياسي، في تلك السنوات التي كان فيها التزام الفنانين سياسياً، أمراً أقرب الى البديهية، ومشارك في حفلة الغضب العامة التي تلت هزيمة حزيران، على اخراج فيلم يبتعد كل البعد من الأجواء السياسية في مصر. والأغرب من هذا أن من المعروف عادة أن أي مخرج شاب يدنو من فنه للمرة الأولى إذا أتيحت له الفرصة، لا يمكنه أن يقاوم إغراء أن يضع كل أفكاره وبما في ذلك، طبعاً، أفكاره السياسية وذاتيته في العلاقة مع تلك الأفكار في فيلمه الأول، ليهدأ - سياسياً بين أمور أخرى - بعد ذلك متحولاً بالتدريج الى أعمال أكثر بعداً عنه وعن رغبته في التعبير عن ماضيه الخاص، أو الجماعي. لكن سعيد مرزوق أقدم على ذلك، من دون تردد، ما إن حقق في عام 1981، فيلمه «زوجتي والكلب»، ليتبين ان هذا الفيلم واحد من أهم ما حققته السينما المصرية في ذلك الحين. بل إن ثمة من بين المؤرخين والنقاد من يعتبر أن «زوجتي والكلب» يشكل البداية الحقيقية لما يسمى «سينما المؤلف» في مصر، طالما ان سعيد مرزوق كتب له القصة والسيناريو والحوار قبل أن يقدم على اخراجه... بل إن علاقة هذا الفيلم بمفهوم سينما المؤلف تتعدى هذا، الى مسألة اختيار الممثلين، حيث نعرف اليوم أن سعيد مرزوق حتى وإن كان قد اختار لبطولة الفيلم نجمين راسخين ونجماً صاعداً بقوة، فإنه في فيلمه استخدمهم على عكس ما هو متوقع منهم على الشاشة... إذ تحولوا لديه الى أبطال - مضادين: محمود مرسي الذي كان اشتهر بأدائه الرائع وأدواره الهادئة كرجل محترم، صار في «زوجتي والكلب» نوعاً من عطيل معاصر يعيش هواجسه وأفكاره القاتلة. وسعاد حسني التي كانت اعتادت البطولات المطلقة، معيدة الى النجمة في السينما المصرية دورها المحوري في الفيلم، تحولت هنا – في «زوجتي والكلب» - الى موضوع، ومحور صراع مفترض، انما داخلي، بين محمود مرسي زوجها في الفيلم، ونور الشريف «عشيقها المفترض» في رأي الزوج. أما نور الشريف نفسه، فإنه - في نهاية الأمر - لم يعدُ في الفيلم ان يكون فكرة في رأس محمود مرسي، ومحركاً هواجسه وأفكاره.
من حول الريّس
طبعاً هناك في «زوجتي والكلب» شخصيات أخرى قام بها ممثلون معروفون، غير انهم جميعاً، وكما سعاد حسني ونور الشريف، لم يكونوا هنا إلا لتأكيد شخصية الريس مرسي محمود مرسي، هذا الرجل العطيلي، الذي يدور معظم الفيلم داخل رأسه. ومن هنا كان في الإمكان القول، أمام هذا الفيلم، إنه «فيلم بطل وحيد»، وهذه بدورها سمة من سمات سينما المؤلف، خاضها سعيد مرزوق من دون وجل، مع أنه كان يعرف تماماً، في ذلك الحين، أن في الأمر مغامرة انتاجية غير مؤكدة النتائج، وكذلك مغامرة فنية لم تعتد عليها السينما المصرية. فإن اعتادت على ما يقاربها، اتسم العمل بنخبوية... بل ببعد مضجر لا قِبل للمتفرجين بالدنو منه. لكنه أقدم، وكان المدهش أن الفيلم لم يفشل تجارياً ولا فنياً، كما كان مقدّراً له، بل حقق نجاحاً على الصعيدين، ولا يزال الى اليوم حين يعرض على شاشة التلفزيون يلقى إقبالاً كبيراً من المتفرجين، كما أنه يعتبر دائماً واحداً من أفضل 100 فيلم حققتها السينما المصرية في تاريخها. كما أنه فتح الأبواب واسعة أمام هذا النوع السينمائي الصعب، الذي يجمع بين قوة الأداء وتركّز الموضوع، وما هو قريب من وحدة المكان والزمان. فعمّ يتحدث هذا الفيلم؟
كما قلنا: عن رجل. عن رجل يكاد يكون وحيداً، تدمره أفكاره وغيرته، كما يدمره في شكل خاص عجزه عن أن يتعامل مع الأمور والناس، بل مع أقرب المقربين اليه، تعاملاً انسانياً عادياً. والأغرب من هذا، أن الرجل الذي نتحدث عنه لديه كل ما هو في حاجة اليه كي يكون سعيداً، حتى وإن كان كل عنصر من العناصر المكونة لسعادته المفترضة، ينقصه شيء ما. هذا الرجل هو الريس مرسي الذي يعمل مسؤولاً في فنار موجود في منطقة جرداء معزولة. انه يعمل ويعيش هناك وحيداً معزولاً، مع مساعده الشاب نور، ومع زميلين عاملين آخرين. ذات يوم يأخذ الريس مرسي اجازة يقترن فيها بخطيبته ثم يمضي فترة شهر عسل يعود بعدها الى عمله في الفنار، تاركاً الزوجة سعاد في منزلهما البعيد. وإذ يعود الريس الى عمله ورفاقه في العمل يقابله هؤلاء بفرحة كبيرة، مثنين على ما فعل إذ خرج من حياة العزوبية، وصار هناك - بعيداً - من ينتظره بعيداً من العمل الروتيني الممل في الفنار. ففي الفنار الوجوه والحكايات اليومية نفسها والإحساس بالملل نفسه. ولكن بالنسبة الى الريس مرسي، صار اليوم في امكانه تحمّل هذا كله، طالما انه سيستطيع بين الحين والآخر أن يسافر لرؤية زوجته والاستمتاع بوجودها ولو أياماً يعود بعدها الى عمله.
أما الريس مرسي، فإن سعادته الآن لا توصف. انه يعرف أن ثمة امرأة حبيبة تفكر فيه وتنتظره بشوق ولهفة في مكان ما. وهذا الإحساس يحرك لديه كرماً في الحكي لم يكن له به عهد من قبل، وبخاصة مع زميله الشاب نور، الذي من الواضح أن ليس له أية تجارب نسائية ويكتفي من المغامرات بجمع صور النساء ولصقها في مكان نومه، ويفتح عينيه وأذنيه بكل دهشة حين يروي له الريس مرسي مغامراته النسائية، قبل زواجه. في هذا المجال نلاحظ أن مرسي يستطرد ويستطرد وهو يتحدث الى الشاب المصغي بكل انتباه، لا سيما عن حكايات يكون هو - مرسي - فيها على علاقة بنساء متزوجات. انه وهو يحكي لا يدرك طبعاً خطورة هذه الحكايات وقدرتها على أن تنعكس على حاله الخاصة. لاحقاً سيدرك هذا. ولا سيما منذ اللحظة التي يطلب نور منه فيها - على غير توقع - أن يريه صورة زوجته. طبعاً يرفض الريس مرسي هذا. وكان يمكن الرفض أن ينهي الموضوع، غير أن نور يزداد - كما سيخيل الى الريس مرسي - رغبة في الحصول على الصورة... ومع هذا - وربما تكمن هنا نقطة ضعف أساسية في السيناريو -، حين يتوجه نور لقضاء اجازة ما في المدينة، يكلفه الريس مرسي بإيصال رسالة الى زوجته.
الخطأ
غير أن الريس مرسي، وحتى من قبل توجه نور الى الإجازة، والى توصيل الرسالة، يدرك فجأة خطأ ما فعله إذ أرسل الشاب ليقابل زوجته. ومن هنا يتحول الفيلم الى فيلم يحدث داخل أفكار الريّس مرسي... ويتحول مرسي نفسه الى ذلك العطيل الشكسبيري المعاصر، إذ تستبد به الصور والهواجس والأفكار، من حول ما يمكن أن يحدث بين نور وسعاد إذ يتقابلان. ولعل حرمان نور وتوقه الجنسي الدائم الذي لا يتوانى عن التعبير عنه، ووحدة الزوجة بعيداً من زوجها، عاملان فاعلان في تلك الهواجس. وهما يبرران بالفعل - ومن ناحية منطقية - موقف الريس مرسي ورعبه وغرقه في أفكار تكاد تحطمه، ولا سيما بعد أن يبدأ نور اجازته... بل إن الريس مرسي يتذكر هنا بخاصة كل تلك الحكايات التي كان يرويها لنور عن علاقته بنساء متزوجات. فماذا الآن إن انقلب السحر على الساحر؟ كيف سيعرف حقيقة ما سيحدث بين زوجته وزميله الشابين؟ طبعاً سنعرف في النهاية، بل حتى مرسي نفسه سيعرف، أن لا شيء سيحدث، وأن سعاد وفية لزوجها وحياتها العائلية وأن نور نفسه لن يقدم على اية مغامرة لا أخلاقية. ان مرسي سيتأكد من هذا، ومع ذلك لن تهدأ أفكاره بعد الآن. لن تهدأ غيرته أبداً ولن تستكين ظنونه. فهكذا هو الإنسان.
لقد كان من الصعب أن نتصور في تلك الأزمان «السياسية» الصعبة أن فيلماً من هذا النوع «الجواني» سيكون قادراً على فرض نفسه وعلى تشكيل بداية قوية لمخرجه. ومع هذا حدثت تلك «المعجزة» الصغيرة ونجح الفيلم. وقد فتح نجاحه الباب واسعاً أمام مخرجه ليثبّت لنفسه، بسرعة، مكاناً أساسياً في خريطة السينما المصرية الجديدة، وبالتحديد، بعيداً من التصنيفات الجاهزة، فظلّ متفرداً في موقع خاص له في السينما المصرية.
“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.
منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.
اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.
تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.
باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.