قراءات

عواطف وزوارها، الحبيب السالمي (تونس / فرنسا)، رواية دار الآداب (بيروت) - الطبعة الأولى عام 2013

, بقلم محمد بكري


 التونسي الحبيب السالمي روائي العلاقات الإغترابية الملتبسة


جريدة الحياة


الأحد، ٣١ أغسطس/ آب ٢٠١٤
جريدة الحياة
محمد برادة


في روايته التاسعة، يتـابع الحـبيـب السالمي اســتـيـحاء مسارات تـخيـيـلية لشخصيات تونسية وعربية، تعيش في وضعٍ مُوزّع بين فرنسا ومســقط الرأس. والهجرة هـنا لا تـقتصـر على فئات العمال والخدمة اليدوية، بل تــتعلق في هذه الرواية، بشـباب مـغاربي وعربي يقـصدون فرنسا بحــثـا عـن نمـوذج حضاري ثقافي ترسّـبَ في ذاكرتهم مـنذ فترة الاستعمار أوْ عـبر التعليم والحضور الكاسـح للآخر، المتفوق، القائد لـقـاطرة «التقدم» وَ «الحداثة»...

على امتداد خمسة وثلاثين فصلا تحمل عناوين مؤشرة على المضمون، يـتولـَّى المنصف سـرد وقائع ومشــاهد رواية « عـواطف وزوّارهــا» (دار الآداب). ولـعل ما يـبرر إســناد السـرد بضمير المتكلم إلى المنصف التـونسي، كـونـه شخصية محورية لـها علائق غرام وجـنس مع السيدة عواطف المطلقة، وسابقا مع مريم المتزوجة من جــاك، ومع بـياتريس زوجته الفرنسية. على هذا النحو، تنطلق الرواية والمنصف مـوزع بين نســاء ثلاث: مـريم التونسية المتحررة التي توقف عن مضاجعتها بـعد زواجها من جـاك، وبــياتريس التي تزوجها عن حب وأنجب منها بـنتا تـملأ حـيزا في حياته، ثم عواطف المصرية التي كانت متزوجة من بـوعلام الجزائري، تاجر خـردة، وأنجبت منه لـبنى ولكنها لم تستـطـع تـحمـُّـل خشـونته وفــكره التـقليدي المنــغلق. وعندما يتحدث المنصف عن «نـسائـه» يقول دون أن يطرف له جــفـن، حسب التعـبيـر المأثور: « ولــعل ما عـمّـق إحساسي بـأني لا أخــون بـياتـريس هـو أن عواطف تعرف أنـني أحـب زوجـتي. صحيح أنها حاولت في البداية أن تـنـفـرني منها، بل وأن تدفعني إلى هجرها. لـكنها أدركتْ أنــنـي وفـيٌّ لــبـياتريس وأنــي لا أتخــلى عنها أبــدا». (ص 16).

بين الداخل والخارج

مـعظم فصول الرواية تـدور داخـل شقة عـواطف التي انسجمت مع مريم؛ ونجد انفتاحا من حين لآخر على فضاء خارجي مـُـواز، هو فضاء مسقط الرأس حيث تعيش أخت المنصف، أو المقهى الشعبي لأحد الجزائريين. لكن الـسـهرات الأسبوعية عند عواطف هي التـــــي تضـبط إيـقاع الـسرد وتـُــلملــمُ خيوطه وتصبــغه بسحــنة «واقـعية» بـالـغة الـبروز. وإلى جانب ذلك، يفتح الكاتب نـافذة على الضفة الأخـرى، مسقط رأس المنصف، من خلال الرسائل التي يـتـلقاها هذا الأخير من أخـته الحنون، الساهرة على الأم المريضة ثم الحريصة، بعد موتها، على تـرميم قبرها واختيار آيــة قرآنية ملائــمة تنقشها على الشاهدة. وأكـثـر من ذلك، أن هذه الأخت الحنون تفكر فيما بعد موت أخيها المنصف، فتـشـتري له قبـرا! :» ...تـقول في رسالتها تلك إنـها تحـبني كـثـيرا تماما مثلما تحب أبـناءها، وإنــها تخاف عـليّ دائما وتفكر فيَّ باستمرار رغم بـُـعدي عنها. وأنــا لا أشــكّ في هذا بالطبع؛ ولكن المشكلة هي أنها تحبــني أكـثـر من الـلازم. والدليل هو أنها تـعتزم حـفـرَ قــبـر لي الآن وأنا لا أزال حــيـا أرزَق!» (ص 163).

على هذا الـنحو، يـأخـذ بـناء ُالرواية ومســارُها السـردي طـابع الـتـوازي بيـن «الـهنـا» وَ «الـهنــاك»، وأيضـا بيـن خطاب «مـثـقفـي» شــلـة الـباســتيـل وخطاب كريم ابن مريم الأصولي، وصاحب المقهى والمـترددين عليه.

ويـتـعـزز هذا البناء بوجود شخصــيتــيْ رياض الصحافي الفلسطيني وصديقه الحمـيم إدريس الرسام المغربي، لأنـهما ســيـغدوان عـنصـرا مـؤثـرا في الحبكة العامة وفي زعـزعة المنصف عن عـرشه النــسائـي الـمريح.

البحث عن الذات

تـتوالى، إذن، السهرات عـند عواطف التي تُجيد إعداد الأطباق الشهية وتقـديم الـنبـيذ المنعش للنـزوة والانطلاق؛ ويـنضم إلى الشـلة رياض وَإدريس، وتـبدأ أسـرار صغيرة تـتـكشف عـندما يضبط المنصف كـلاّ مِــــــــنَ الصديقيْـن يتبادلان القـبَــل. ولكن سـرعان ما تـعتـبر عواطف وَمـريم أن هذا أمـر يخصهما، والأهم أنهما شخصان لطيفان، مثقـفان، يضـفيان على السهـرة نكهة كانت تنـقصها. ومـع الأيام، يـفاجئ المنصف رياض وهو يـعـلو مريم في الصالون الخالي للحظــاتٍ من رواده، وفي حركات محمومة تمحو من ذاكرة المنصف المتــلصص، شُـبْـهة المِــثـلـية التي تبادرت إلى ذهنه أول الأمـر. وحين يفضي هذا الأخير بما عاينـه إلى عشيقته عـواطف، تضحك وتـهـوّن الأمر، ثم لا تــلبـث أن تـخبره بأن إدريس يطاردها بـنظراته الشهوانية! يـقـتنع المنصف أن العلاقة بين إدريس وَرياض لا تمنـع من أن تكون ميولهما الجنسية ثـنائية الاتجاه، مثلية ومـُــغـايرة. وعندئـذ يحس بـخـطر التنافس الذي يـتهـدده. وتتجلى الحبكة النـهائية عندما تقـبـل عواطف الزواجَ من إدريس، لأنها تقـترب من السـن الحرجة ولا يمكن أن تظـل مطلقة دون أن تؤمـن مستقبلها...

مـا يستـرعي الانـتباه، أن هذا الـتحوّل في العلائق داخل الـشلة تـمّ في سلاسة ودون مـظاهـر تراجيدية، إذ أصبح المنصف يتابع حضور السهرات، مُتقبلا انتقال عواطف من وضع العشيقة إلى وضع الزوجة. وعلى رغم الخسارة التي مُـنـيَ بها كـرجلٍ يـتيـح لنفسه تعدد العلاقات الجنسية، فقد رضي بالتحول لأنـه جزء من منـطق المجتمع الفرنسي الذي يعيش فـيه، والذي أثــر أيضا في بقية أعضاء الشلة المُـتـصفيـن بالتحرر في سـلوكهم الجنسي. وفي الآن نفسه، نجد أن المنصف يظل مـشدودا إلى تلك القـيم «الـبـالية» التي تـمثـلـهــــا أخته الباقية في مسقط الرأس.

ونجد أيضا أن مريم المتحررة أنجبتْ ابناً مـتشبعا بالأصولية وقيمها المنغلقة. مـن ثم، يبدو سلوك أعضاء الشلة مُـتـسـماً بنوع من الالـتبـاس: هـم متحررون ومُـتبـنـّـون لقيم التحرر التي يتـيحها مجتمع «الآخــر»، ولكنهم لا يـقــطعون مـع رواسب المجتمعات العربية التي ينـتـمون إليها. قد يكون ذلك طـبيعيا إذا بحثـنا له عن تـأويل يـتصـل بـتـعـثــّـُـر المجتمعات العربية على طريق النهوض والتغـيـيـر، ولكن الالـتبـاس يظل قائما في ما يتعلق بالـعلاقة مع الذات والآخـر. فـعلى رغم المستوى الثقافي والمادي لأفراد الشـلة، يظل خِطابهم المؤثـث لتـعليـقاتهم أثـنـاء السهرات، قـريبا من خطاب «الـرأي العام» الفرنسي أو من موضوعات طالما اجــتــرّتـها الصحف (التـبـشـير بالمسيحية، تحديد مسؤولية الهزيمة في حرب 1967 بين مصـر وإسـرائيــل...).

نحا الحبيب السالمي في روايته « عواطف وزُوارها» إلى الجمع بين الواقعية المعتمدة على التفاصيل والوصف الدقيق المُـسهب، والحبكة المركبة الكاشـفة عن ما وراء المرئيّ من السلوكات. والرواية في الآن نفسـه، مرآة لعلائق مـلتبسة تـطبع سلوك فـئة المتعلمين والمثقـفين العرب الذين يعيشون في فرنسا. ومن هذه الزاوية، تـُشكّلُ الرواية مجالا لإضـاءة جملة مـن القيم الكامنة أو التي هي قيد التبلور.

عن موقع جريدة الحياة



 «هويات» الحبيب السالمي تلتقي وتتواجه


جريدة الحياة


الجمعة ١٣ ديسمبر (كانون الأول) ٢٠١٣
جريدة الحياة
لنا عبد الرحمن


شبكة من العلاقات الإنسانية المتداخلة ينسجها الكاتب التونسي الحبيب السالمي في روايته «عواطف وزوارها» الصادرة حديثاً عن دار الآداب (بيروت). يواجه الكاتب طبيعة العلاقة مع الآخر من وجوه عدة تبادلية في الغالب، بين امرأة ورجل، أو بين رجل ورجل، بين شرق وغرب، وبين الكيان العربي المشرقي وبلدان المغرب العربي. مجموعة كيانات تجتمع وتتواجه في بقعة واحدة، في هويات ذكورية وأنثوية تتحدى ذاتها والآخر عبر النص الذي ينضح بروح السخرية المرة، حتى في أكثر المواقف تأزماً تظل روح الفكاهة حاضرة.

البطل السارد الذي يتولى مهمة السرد منذ البداية وحتى النهاية يدعى المنصف، وهو أستاذ في مدرسة ثانوية، ترك بلده تونس ليستقر في فرنسا، بعد أن تزوج من امرأة فرنسية تدعى بياتريس وأنجب منها سونيا شابة مراهقة تواجه أباها بأسئلتها عن الجذور والهوية، وعن أصدقائه العرب. أما عواطف التي يشغل اسمها عنوان الرواية فهي عشيقته السرية التي تتمحور حولها سائر العلاقات، بخاصة أن المكان الأصغر للأحداث هو شقة عواطف، في مقابل مدينة باريس التي تشمل الدائرة الكبرى للمكان، مدينة النور والنار التي تتقاطع فيها مصائر الأبطال جميعاً: مريم، رياض، إدريس، بوعلام، المنصف، عواطف وابنتها لبنى، وكلبها فارو.

وعلى رغم أن عنوان الرواية الذي يكشف منذ البداية أن عواطف هي بؤرة الحدث إلا أن «زوار عواطف» الذين يشكلون الجزء الثاني من العنوان يشغلون مساحة مهمة من السرد، وإن بدت الأحداث كلها مروية من وجهة نظر البطل الراوي «المنصف» مع استمرار حضور «الأنا»، بحيث لا يتداخل مع صوت الراوي أي أصوات أخرى تتبادل معه عملية السرد، كما نجد في بعض الروايات، مما منح الرواية إيقاعاً واحداً، لكن الكاتب تمكن من المحافظة على زخم الأحداث بحيث أبعد عن القارئ تسلل أي نوع من الرتابة في السرد، بسبب الانتقال إلى أكثر من محور عبر السرد، والتنقل بين الماضي والحاضر للأبطال، بين تونس الماضي، وباريس الحاضر، بين نقاشات سياسية جدلية بين الأبطال لا تلبث أن تنتهي حدتها مع انتهاء الجلسة.

تتكون الرواية من خمسة وثلاثين فصلاً، في 288 صفحة، تبدأ الأحداث في الفصل الأول المعنون بـ «أكره كلب عواطف»، هذه البداية البسيطة ظاهراً تبدو تلقائية مع نص يتشكل عماره على سلسلة من المفارقات السلسة البعيدة عن الافتعال، بحيث يتمكن الراوي من جمع ما لا يجمع، إلا أن هذا يتم بسلاسة تُبعد النص عن التكلف. يتعرف القارئ منذ الصفحات الأولى على طبيعة العلاقة بين المنصف وعواطف وهي سيدة مصرية، غير جميلة، أميل إلى القباحة والسمنة، كما يصفها الراوي، إلا أنها في الوقت عينه قادرة على اجتذابه وإثارته ليقيم معها علاقة شبه دائمة، فهو يلتقي بها في شقتها الباريسية حيث تقيم مع ابنتها لبنى التي تبلغ السادسة من عمرها. وتعاني عواطف باستمرار من غزوات طليقها الجزائري الذي أصابه الجنون حين عرف أنها تقيم علاقة مع رجل تونسي، وهددها بأن «يذبحه»، لكن هذه التهديدات لا تمنع «المنصف» من استمرار تردده على بيت عشيقته، ولا تمنعه أيضاً من أن يُعرفها إلى صديقته مريم، عشيقته السابقة، التي لم يعد يربطه بها غير صداقة وطيدة. مريم امرأة تونسية مطلقة، حادة الطبع، وجريئة، لا تتشابه في شيء مع عواطف. لا تلبث أن تمضي الأحداث لتتشكل علاقة ألفة بين الأبطال الثلاثة: المنصف، عواطف، ومريم وتكتمل هذه العلاقة مع دخول رياض الفلسطيني المثقف الذي تلتقي به مريم في الشركة السياحية التي تعمل بها.

يقدم الحبيب السالمي في روايته عبر شخصية رياض نموذج فلسطيني غير مألوف، فهو مثقف متحرر، لا يتحدث عن البطولات الوهمية، وغير مشغول بالقضية الفلسطينية بالشكل المتعارف عليه، وفوق ذلك هو مثلي الجنس، يرتبط بعلاقة مع صديقه المغربي الرسام إدريس... في هذا العالم غير النمطي الذي يشكله السالمي وسط شبكة من العلاقات العربية المتباينة في طرافتها، يلتقي الأبطال، ويصطدمون، وتظهر خلافاتهم، ونقاط تقاطعهم الإنسانية التي لا تُفرق بينهم بغض النظر عن المكان الذي جاؤوا منه، فالعلاقة مع الوطن، وهاجس الانتماء، في مقابل الهجرة الأبدية تحضر في التفاصيل الصغيرة الخبيئة في النص، ليس هناك حديث صاخب وحوارات شائكة حول هذا الأمر بقدر ما يمكن ملاحظته في التقاطعات المرتبكة في حيوات الأبطال.

في أحد المشاهد يتمكن البطل من جمع زوجته بياتريس، وعشيقته عواطف، وعشيقته السابقة، مريم، لقاء عبثي ينجح السالمي في تحويله لحدث شائك في مسار السرد، إذ يكشف عبر هذا اللقاء تداخل المشاعر الإنسانية نحو الزوجة الوفية، التي يخامر البطل ندماً لأنه يخدعها. أما العشيقة عواطف فثمة غيرة تحركها من وجود الزوجة، غيرة تدفعها للرقص حتى التعب. يقول: «لم يحدث أن اشتهيت عواطف مثلما اشتهيتها في ذلك اليوم، لا أدري لماذا استيقظت من النوم وفي ذهني رقصتها المثيرة في شقة رياض» (ص 196).

وإلى جانب تحليل الراوي لطبيعة المرأة العربية حين يعتبر أنها أكثر جرأة مما «كان يظن»، ثمة تحليلات نفسية أخرى يقدمها حول العلاقة المثلية من خلال تحليله للعلاقة بين رياض وإدريس، فكما فعل في جمع الزوجة والعشيقة خلال سهرة الأصدقاء، يجد البطل نفسه مدعواً إلى سهرة في مقهى للمثليين، يصف المشهد بكثير من الفكاهة، لحظة اكتشافه أن كل رواد المقهى هم من الذكور ولا توجد نساء سوى عواطف ومريم، اللتين تجلسان إلى طاولته هو ورياض وإدريس. هكذا تتكون الصورة الباعثة على السخرية الموجعة، رياض وإدريس مثليان، في مواجهة المنصف الذي يرتبط بعلاقة جسدية مع عواطف، مما يستدعي في داخله تساؤلات عن مدى وجود ميول مثلية في داخله.

لكن الإرباكات النفسية التي تطرحها العلاقات المفتوحة، والشائكة لا يقدمها السالمي بأسلوب متوتر، بل إن الميزة الرئيسة في الرواية، هو طرح أمور معقدة نفسياً واجتماعياً، بطرق سردية في غاية المتعة والاسترسال، كما نجد مثلاً في معالجته لشخصية «بوعلام» طليق عواطف، ومطارداته لعشاقها، ثم تعاطف البطل السارد معه. بيد أن هذه الكتابة البسيطة والساخرة يسير معها بالتوازي خيط آخر من السرد يكشف عن المعاناة الباطنية للأبطال، بوعلام مثلاً يهاجر إلى فرنسا بعد أن يقتل الإسلاميون أخاه، ويهددوه بالذبح، مريم المرأة المستقلة التي تتظاهر بالقوة، تعاني من تهديدات ابنها كريم، ومطالبته لها بأن تتوقف عن علاقتها مع حبيبها الفرنسي لأنها في الشريعة تقع ضمن إطار الزنى. أما البطل السارد المنصف فنجد أخته مشغولة بحفر قبر له في بلده، كي يُدفن فيه بعد موته، وعلى رغم استنكاره للأمر في البداية إلا أنه سرعان ما يرضخ لطلب الأخت ويتواطأ معها بفكرة إيجاد قبر مستقبلي.

العلاقة بين الأبطال الخمسة الذين صاروا أصحاباً، يترددون على شقة عواطف، لا تلبث أن تنتهي بتقارب عاطفي بين عواطف وإدريس، وقرارهما الزواج، إدريس في ختام الرواية يكشف أن المثلية في حياته ليست إلا تجربة عابرة، وأن الميل للنساء عاد إليه بعد اللقاء مع عواطف.

يُنهي الراوي حكايته من النقطة التي بدأها فيها، العلاقة مع الكلب فارو، وإذا كانت الجملة الأولى في الرواية التي يصف فيها الكلب تقول: «أكرهه كرهاً شديداً» فإن الجملة الأخيرة بعد كل الأحداث التي تقع، وبعد هجران عواطف له تصف علاقته بكلب عواطف قائلاً: «عندما توقفت عن مداعبته فتح عينيه ورفع رأسه كأنه يحثني على العودة إلى مداعبته. عندئذ أمسكت برأسه. وبدافع قوي انحنيت عليه ورحت أقبل خطمه البارد». وكما لو أنه بهذه النهاية، ثمة مشاركة في افتقاد عواطف، بين الراوي والكلب. يمزج السالمي الدهشة مع الخيبة مع الدعابة، مما يجعل من أسلوب الكتابة عنده أكثر ما ينطبق عليه عبارة «السهل الممتنع»، وإن كانت كتابات السالمي عموماً تتحلى بهذه الميزة، كما في رواياته السابقة مثل «روائح ماري كلير» و «نساء البساتين»، فإن «عواطف وزوارها» قادرة أيضاً على اجتذاب القارئ والاحتفاظ به حتى النهاية؛ من خلال معادلة السرد السلس المترافق مع الكشف البطيء عن خبايا النفس الإنسانية من أي مكان أتت، من شرق أو غرب، مؤكداً أن ثمة تقاطعات أكيدة تؤدي إلى ولادة علاقات جديدة، غير مكترثة بالشرق أو الغرب.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)