مقال صحفي

عذراً سيّدتي، شكيب خوري (لبنان)، كتاب Chakib Khoury

, بقلم محمد بكري


 مقال جريدة الأخبار اللبنانية


جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٢٠٤٩ الثلاثاء ٩ تموز / يوليو ٢٠١٣
جريدة الأخبار
ادب وفنون


شكيب خوري... نسوي يقارع شوبنهاور


شكيب خوري


أحد رواد المسرح اللبناني، ورموز حقبة بيروت الذهبية يتصدّى في ««عذراً سيّدتي» (دار بيسان) للظلم الذي ألحقه الفيلسوف الألماني بالمرأة. فعلَ ذلك عبر استعادة تاريخ النسويّة، وأثرها في بناء المجتمعات، والحضارات، محاولاً الإحاطة بالشخصية الأنثوية في المسرح والرواية والنقد والشعر والفنون عامةً.

رامي طويل

متسلّحاً بإرث إبداعي كبير تنوّع بين الرواية والشعر والقصّة والمسرح، يتقدّم الكاتب والمسرحي اللبناني شكيب خوري (1932) للرد على مقالة آرثر شوبنهاور (1788 ــ 1860) «في موضوع النساء» بعد ما يقارب 150 عاماً على كتابتها، انطلاقاً من تساؤل راوده «كيف يمكن لفيلسوف يملك هذا المقدار من الإدراك والبصيرة أن يغلّب مشاعره ونزواته وغرور الذكوريّة، فيطلق على المرأة، المرأة في المطلق، كلّ النعوت الرديئة، ويتعمّد تحقيرها كعدوّ يثأر من عدوّه؟».

يبدأ خوري دفاعه واسماً إيّاه بعنوان «عذراً سيّدتي تأخّر ردّي على شوبنهاور» (دار بيسان) ليستعيد تاريخ النسويّة، وأثرها في بناء المجتمعات، والحضارات، محاولاً الإحاطة بالشخصية الأنثوية عبر ما يشبه البانوراما التحليلية لعدد من الإبداعات الإنسانية في المسرح والرواية والنقد والشعر والفنون، حيث مثلت الأنثى موضوعها الأساسي منتصراً لها أمام ما يصفه لدى شوبنهاور بأنّه «انحياز مزمن لفرضية تاريخية تدّعي سذاجة المرأة ومحدوديّة طاقتها».
عبر نصوص ابداعيّة خالدة، يعود خوري لتسطير تاريخ الأنثى وآلية انحسار دورها كفرد فاعل في المجتمع منذ أنجز العقل البشري بغريزة التسلّط مجتمعه الذكوري، الذي تسبّب في الحروب والدمار، وتراجع دور المرأة ليقتصر على محاولتها استعادة بعض حقوقها، التي خسرتها منذ خرجت البشرية من المجتمعات الأموميّة. تبرز صرخة كلايتمنسترا في مسرحيّة «إفيجينيا في أوليس» ليوريبيدس: «أهي إرادتكم أيّها الإغريقيّون أن تبحروا إلى شواطئ فريجيا؟ فلنحتكم إلى القرعة ونرَ ابنة من يجب أن تذبح؟». تعود الأسئلة ذاتها بعد مئات السنين على لسان أرملة الفيلسوف الفرنسي كوندورسيه هذه المرة. تخاطب الأخيرة نابليون بعد أن يقول لها إنّه لا يحبّ أن تلح المرأة في السياسة، فتجيبه: «لك الحقّ أيّها الجنرال، ولكن من الطبيعيّ في بلد تُجتزُّ فيه رؤوس النساء أن يكون لهنّ الحقّ في أن يسألن عن السبب في ذلك».

يربط خوري في كتابه بين واقع المرأة عبر العصور، وفكرة العدالة والحرية التي نادت بها الأعمال المسرحيّة المنتصرة للفرد، خلافاً لأعمال عمد صانعوها إلى تكريس ثوابت المجتمع الذكوري. ثمّة روابط قويّة تجمع بين عنبرة سلام الكاتبة اللبنانية المعاصرة والمناضلة في الدفاع عن حقوق المرأة، والشاعرة الإيرانيّة فروغ فرخزاد التي ذخرت قصائدها بالموضوعات النسوية الملحّة وبين شخصيّات اسخيلوس، وسوفوكليس، وتشيخوف، وإبسن، ويوريبيدس الذي تصرخ شخصيّاته: «لتحلّ اللعنة على جميع هؤلاء الذين يبتهجون لرؤية المدينة في قبضة رجل واحد، أو تحت نير حفنة من الرّجال! أن يُدعى الإنسان حرّاً هو أثمن ما في الحياة، إن امتلك هذه الصّفة، حاز الكثير ولو كان لا يملك إلّا القليل».
يرى خوري في كتابه أنّ مأساة نساء العالم القديم تتناسل إلى الزمن الحديث وما زالت محكومة بالخرافات والأساطير، وتحتاج إلى أن تتطهّر من ذلك الإرث في زمن الحداثة والتكنولوجيا والحريّات. ومن هنا كان إسهابه في سرد مقاطع مطوّلة من مسرحيات هنريك إبسن الذي ناقش القضايا المحظورة، وربط الأحداث التاريخيّة الداعية إلى تحرير المرأة «حركة انطلقت في القرن التاسع عشر» بدعوته إلى الحريّة الشخصيّة والصراع بين طموحات الفرد والمجتمع ومؤسساته.

إنّ مغزى الصّراع هو ذكوري ـــ أنثوي يقوم على الميزات المعطاة للرجل أمام الحرمان والإذلال للمرأة. ومن هنا يكون لا بدّ للضعيف من أن يناور، يحتال، يكذب، يخون كي يستعيد خلسةً، أو جهاراً الشيء القليل من حقوقه الإنسانيّة والمدنيّة. يرى خوري هنا أنّ آرثر شوبنهاور لجأ إلى التعميم في ما يخص المرأة من دون البحث عن الأسباب، والتحليل. وإذ قال إنّ «النّساء قاصرات»، فقد ارتكب ما يمكن اعتباره الخطأ المميت بالنسبة إلى فيلسوف بحجمه «ما يستلزم بحثاً متعمّقاً في وضع شوبنهاور النفساني لمعرفة حقيقة خصامه مع النساء». وربّما يعود ذلك إلى نظرة شوبنهاور السيئة إلى والدته وطريقة عيشها بعد وفاة والده، ما جعله يختصر كلّ النّساء بصورتها لديه. بعد حوالي 150 عاماً، يتصدّى شكيب خوري للدفاع عن المرأة في وجه مقال شوبنهاور ويعتذر لها عن التأخّر في ذلك، مستعيداً وصف تشيخوف لها في مسرحيّة «بستان الكرز» التي يرى في عنوانها «عنواناً لأشجار ثمارها هشّة كما نساؤها. خطأ صغير في الطبيعة لحظة التكوين قد يؤثّر على رقّتها، نكهتها، مزاجها، لونها، كحال الثمار اللزجة، رانيافيسكايا سريعة العطب، المعطاء، الحنون، المحبّة، تعيش ساعاتها الأخيرة كما بستانها». إنّهما جمال الطبيعة الإنسانيّة وسوء التقدير اللذان سبّبا الصّراع بين الأجيال، بين القديم والحديث، بين الخضوع للموروث ومناقشته.

عن موقع جريدة الأخبار


مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا



 مقال جريدة الحياة اللندنية


جريدة الحياة


الأحد ١٦ يونيو / حزيران ٢٠١٣
جريدة الحياة
رنا زيد


شكيب خوري يجابه كره النساء


يردّ المسرحي اللبناني شكيب خوري، أخيراً، على مقالة كان كتبها الفيلسوف الألماني آرثور شوبنهاور (1788 - 1860)، وقد كانت فحوى كتابه «في موضوع المرأة»، وانتقى فيها شوبنهاور الآراء اللاعلمية واللاعادلة، ليُركّز على «العيب في شخصية الأنثى». ويتجلّى كره شوبنهاور للأنثى في الكتاب، وانحيازه المزمن إلى فرضية تاريخية، تدّعي سذاجة المرأة ومحدودية طاقاتها.

في كتابه «عذراً سيدتي، تأخّر ردّي على شوبنهاور»، الصادر عن دار بيسان (بيروت)، يقع المؤلف خوري في إشكالية معاندته لرأي الفيلسوف، وصدمته بمقدار تغليب شوبنهاور مشاعره ونزواته الذكورية على إدراكه وبصيرته الفلسفية. فهو أطلق على المرأة كل النعوت الرديئة متعمداً تحقيرها، ومن هنا، يُقرّر خوري الردّ بلسان حاله على أوهام شوبنهاور الأنثربولوجية تجاه تركيبة المرأة إنسانياً. ويستشهد المسرحيّ اللبناني بالأعمال الدرامية والفنون والروايات والنقد، ويحشد طاقةً فكرية جمّة لتركيب توصيف أدبي فني، حول الشخصية الأنثوية في المطلق. وهو لا يفصل بين هذا الدفاع الشاعري، والرغبة في التحرر العام من مآسي الحروب التي صنعتها غريزة التسلّط، فيخلص في مقدمة الكتاب إلى قوام العدالة الذي لا يمكن تحقّقه، مع واقع للمرأة، يبدأ بالوأد، وينتهي بنقل المسرحيين ثوابت المجتمعات الذكورية إلى المسرح، بينما نشأت في المقابل، حركات مسرحية ناضلت، وما زالت تناضل، لمصلحة الفرد من دون تمييز جنسه، وتصرخ: أريد عدالتي لأكون، ولأشفى من العذاب والاضطراب النفسانيين.

انشدّ الكاتب المسرحي هنريك إبسن إلى القضايا النسوية المحظورة التي كانت تقلقه، كما يشير خوري، إذ ربط الأحداث التاريخية الداعية إلى تحرير المرأة (حركة انطلقت في القرن التاسع عشر) بدعوته إلى الحرية الشخصية، والصراع بين طموحات الفرد والمجتمع ومؤسساته. وأتى لاحقاً بشخصيات مدروسة نفسياً، كما في حبكه شخصيات مسرحية «الأشباح» من خلال شخصية أب منحط، منغمس في المتعة الجنسية، نقل إلى ابنه مرض السفلس، فتترك الأم «السيدة ألفينغ» زوجها، بينما يثير قرارها نقمة المتزمّتين. يرفق خوري سرده النظري حول الأمثلة بمقاطع من النصوص الأصلية، كما في إيراد مقاطع من الحوار المسرحي من مسرحية «الأشباح»، بين ربيكا وكرول، وتحليل الغرض من الجُمَل الحوارية لتوصيف طباع المرأة، وما يُجرِيه المجتمع من قمع لمشاعرها وصفاتها الشخصانية أو تحريرها.

يُقسم الكتاب إلى عشرة فصول، (هي إشارة إلى عناوين الأعمال المتناولة كأمثلة): الخرافة، عدالة الشعراء، كره النساء، حركة الجندر، تمرّد الدمية، طباع الجنسين متطابقة، بستان الكرز، ريح الشرق وريح الغرب، موسم الرجال، الحب يبارك الحياة. وفي كل فصل من هذه الفصول عودة تحليلية مُفصّلة إلى الأدب والفن من خلال أمثلة دقيقة، كما في فصل «عدالة الشعراء» حين يذكر خوري علاقة الإغريق بآلهتهم، هذه العلاقة التي كانت مُتشنّجة باستمرار، بسبب إيمانهم بآلهة عدّة، بينما آلهتهم ميّالة إلى القتال والأذى. فعلى سبيل المثل، يصرخ الكورس في مسرحية «بروميثيوس مقيداً» لإيسخيلوس: «أتمنى ألّا تنظر إليّ/ عين الآلهة الجبّارة التي لا نجاة منها»، وتطرح الصرخة مسألة عدالة الفرد الإغريقي إزاء عدالة آلهته. وأشار خوري إلى هدف سوفوكليس من تناول خرافة أوديب، وهو إعطاء الملوك بعد أوديب، مثالاً وأيقونة، على ملك وقع في الآثام الطيبة، ثم في تطهيرها، والتبشير بكرامة الفرد وممارسة العدل.

يُركّز خوري على أعمال إبسن، ومنها إعلان شخصية نورا في القرن التاسع عشر، في نص «بيت الدمية» المسرحي، أنها في حاجة إلى فهم قيمتها الإنسانية، هل لها موقع في العائلة أو أنها مجرد دمية مدللة ورديئة المعشر، في وقت الشدة العائلية؟ تفاجئ نورا الجمهور، فبينما تظهر، في البداية، بصفات عادية، تتمرد مرةً واحدةً، أمام ملامح رجلها الكلاسيكية «الزوج تورفولد هلمر»، المحامي الحريص على سمعته وماله ومصروفه وسلطته الأبوية. يُفصّل الكاتب طباع هذه الشخصية كما أظهرها إبسن، متحدثاً عن الوهم الزائف في حرية تحققت بأساليب خارجية، وعن نمو الإنسان من الداخل إلى الخارج.

يتنقل خوري، ناقلاً صراعات مسرحية «بستان الكرز» لأنطوان تشيخوف، معتبراً إياها من اسمها عنواناً لأشجار ثمارها هشّة، كما نساؤها، متقلبة في نكهتها، مزاجها، لونها، ميزتها، كحال الثمار اللزجة - الماوية. وأراد تشيخوف في المسرحية أن يقارن بين هشاشة ليوبوف أندرييفنا رانيافسكايا وحبة الكرز، بينما الدار دلالة على شخصيات متنوعة الخصائص، تجمع بينها روابط العائلة الواحدة. ويرمز البستان، كما يقول خوري، إلى العالم بأسره، متحولاً إلى باطون وأسفلت.

كل ما أورده خوري في كتابه، ما هو إلا محاولة لتعرية الواقع المطلق للنسوة، حيث تبدو على أجسادهن آثار السياط، نتيجة قمع المجتمع لهن، واعتبارهن منذ ولادتهن شكلاً من أشكال الضعف، وهو يجعل من شوبنهاور، حجة للبدء، بفكرته عن العالم النسوي الذي شُخِّص بسلبياته وبإيجابياته في عالم المسرح، وفي الفن البصري العام، والأدبي، فكان واقع المرأة سبباً لإبداع أهم الأعمال الفنية. ففي الثلث الأول من القرن العشرين، عالج لوركا، على نحوٍ صارخ وعنيف تسلّط المجتمع الأبوي الغائر في الزمن، وابتكر شخصيات عبّرت بسلبية ضد منظومة المجتمع، كما في مسرحية «يرما» 1934، عن فتاة معشوقة، تهزأ من توق البطلات إلى إنجاب الأطفال.

لا يمكن فعل الحب أن يكون نسوياً فقط، أو ذكورياً فقط، لهذا فإن الحركات التي تعزل المرأة عن مناخها الاجتماعي العادي هي حركات مخفقة. يعود خوري إلى هيغل، وقوله: «الحب يبارك الحياة»، وما نصح به أيضاً جان أرتور رامبو ابن جيله، قائلاً: «يجب أن تكون عصرياً على رغم كل شيء»، وأوصى خوري بأن تتحقق الوصيتان في عصر هَمَّش فيه الحاسوب العلاقات البشرية.

لا ينكر الكاتب أن ألكترا شنّت حربها الطاحنة ضد المرأة (الأم)، ليس بسبب الخيانة الزوجية، وليس لأنها قضت على والدها فقط، بل لتعيد إلى والدها صورته الحقيقية، التي لحق بها تشويه مُذِلّ من خلال القتل، فجُرّد من جلاله ووقاره، من دون الحفاظ على حقوقه المتوارثة.

عن موقع جريدة الحياة


صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة"الحياة" جريدة عربية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988 .

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)