الأربعاء 22 يناير (كانون الثاني) 2020
إيلاف - أول يومية إليكترونية صدرت من لندن عام 2001
عبد القادر الجنابي
صدر العدد الأول من “الغرفة” مزدحمةً بكل أثاث السوريالية العالمية اليوم
<article5475|cycle|docs=6551,6552,6553,6554,6555,6556>
من الصعب ان يجرؤ أحد، اليوم، على اصدار مجلة سوريالية بهذه الحجم تذكّر بمشروع المخيلة التحرري. ذلك ان المشروع السوريالي، في نظر معظم أبطال مرحلته الأولى، قد اخذ حصته التاريخية وأصبح ملك الجميع دون ان يوصم بالسوريالية، وعلى هذا الأساس أصدر جان شوستر (عام 1969) بيانه الشهير “النشيد الرابع” الذي أنهى السوريالية كحركة تاريخية وبدء مرحلة السوريالية الأبدية التي تساعد على معرفة الخصائص الحلمية كلها وعلى التمتع بها وتمكن الحلم من ان يكون في الحياة العملية عنصرا ضالعا في تقرير مصائر البشر. وهذا يعني ان على الفنان الجديد ان يمارس نشاطا متماسكا يستعيد مبادئ السوريالية الأبدية التي لا تتغير أي الايمان بالحب وتمجيد العشق والثقة بالطاقات الثورية التي تختزنها اللغة وبالطاقات الثورية الكامنة في العلاقات الاجتماعية والانخراط في احدى هذه الطاقات والصراع بدون تهاون ضد كل اشكال القمع البوليسي الفكري والديني. لكن هناك من أساء فهم البيان، فتتشتت السوريالية فيما بعد الى فرق ونحل. ويمكن التأكد من هذا بمجرد ان نلتقي بسورياليين متكتلين في فرنسا او إنجلترا او أميركا حتى نشعر بثقل مهمة اصدار نشرة سوريالية. ومجموعة “الغرفة” تفهم إن حلّ الحركة السوريالية هذا بأنه تجاوز الحدود التاريخية وسياج مُلكية التراث السوريالي وبدء الانخراط بشعاب التحرك الملائم. ومن هذا الاعتبار، عمل الأديب الفنان محسن البلاسي مع رفقاء متواطئين معه (ياسر عبد القوي، كريج ويلسون، توماس دي تيبالدوس وغادة كمال)، أكثر من عام لبناء ناطحة سحاب مكونة من “غرفة” واحدة مأهولة بالكتابات والرسوم والصور والشعارات والكولاجات ليؤكد من جديد أهمية التحرك السوريالي اليوم، فجاءت “الغرفة” أشبه ببُؤَر تشتعل فيها نار الإبداع لحرق كل الأيديولوجيات الأدبية الملتزمة بمذهبيات مرسومة وعبيدية يعيش في مستنقعاتها، إلى اليوم، الشعر العربي الحديث خصوصا. وقد عبّر التصميم الفني، الفوضوي أحيانا والمتماسك في أغلب الأحيان، عن حاسة تشكيلية نابضة بالحياة الحلمية مما يساعد عين القارئ على اختراق جدران منزله. يكفي ان يطبع القارئ العدد على ورق مصقول ولصقها على حيطان غرفته هو ليشعر بكائنات الحرية وأصواتها.
جاء العدد الأول من “الغرفة” ثريا ومحفزا، تحتاجه مخيلة القارئ العربي على مغامرة الكتابة الحرة، على الغوص في أجمل طاقة يمتلكها الإنسان: المخيلة – الشعر. وأعجبني هذا المزج بين النصوص المكتوبة مباشرة بالعربية مع النصوص المترجمة مرورا بنصوص مقتطفة من تراث مجموعة “الحرية والفن” المصرية.
إلى جانب كون “الغرفة” أفضل اطلالة على نشاطات السوريالية المعتم عليها اليوم في مدن العالم، فإنها قبل كل شيء التيار السوريالي الأكثر راديكالية وانفتاحاً على البعد الإنساني لكل نشاط كتابي مستقل، في العالم العربي اليوم. إنها الوليد الشرعي الأكثر وعيا لشرارات السوريالية الأبدية. “الغرفة” رسالة موجهة إلى الجميع: افتحوا بيوتكم واتركوا هواء السوريالية الطلق ينقّي غرفكم بالأوكسجين، اطلقوا عنان مخيلتكم بوجه كل تواطؤ مع الأوضاع القائمة، اجعلوا من عظام التقاليد منافض لسجائر الرغبة، اتخذوا قراراتكم من خلال ضميركم وليس من خلال انتماء لهذا المذهب او تلك الايديولوجيا... باختصار: احلموا وثقوا بما تحلمون فالحلم هو “حارس النوم” كما اكتشف فرويد.
تحية صادقة من أندريه بروتون الذي قال ذات يوم أن السوريالية ستعود من الشرق، إلى محسن البلاسي ورفقائه.
هنا مقتطفات من المقدمة الجماعية:
من كلمة توماس دي تيبالدوس - اليونان :
ما نحن؟ أين نحن؟ نحن المشاكل بدون حلول، أو نحن الحلول بدون مشاكل. نحن نقف في غرفة مليئة بالمرايا. ننظر إلى الشرق، والشرق هو أقصى حدود رؤيتنا، تغرق الشمس في ألوان القاهرة وكل شيء في ميناء الإسكندرية يتهجى كلمة واحدة، وكلمة واحدة تلعب بالخيال مثلما يلعب الزمن الطفل.
ومن كلمة محسن البلاسي (القاهرة):
وفي الدواليب الأكثر قتامة، قد ينفث النحل البري ضوءا فسفوريا يفرض نفسه دون سائر الأشياء، وقد يصهر هذا الضوء كل التماثيل التي تخبئ بكارتها الكهلة بين أفخاذها، وتصبح الظلال الملغومة بلعاب التسليع ساحات للعب المفتوح.
كفانا بحيرات من الأسمنت، وانتظار دائم للصدفة العارية، باب الغرفة مفتوح على مصراعيه، وها أنت ترى بالداخل اللهب يحول نفسه إلى رجال ونساء، يهمسون لكم بينما يلتهمون رؤوس بعضهم: بأن هذا فقط هو باب الغرفة، وأن القادم أسنان ولسان وأهداب الخيال الحر وأوبرا لا وعي العصر الصريع، ومن بطون حبات الرمال المحمولة على ظهر رياح المأساة.
ومن غادة كمال - مصـر:
ما هي الأرض؟
ما هو الإنسان؟
ما هي الكائنات؟
ما هي الذرة؟
الالكترون هو أصل الأشياء
كان الانفجار ثم كانت البكتريا
فكنا
ثم كانت الحروب
نحن هنا لنحملق في الالكترون
بلا تصنيف طبقي أو لوني أو جنسي أو ديني
من أجل كل من قدموا التضحيات كي يحرروا خيالهم.
من أجل كل من رحل فداء لخياله الحر.
إلى أعين كل أطفال العالم.
أطلقوا خيالكم فها هنا الغرفة
غرفة الحلم
إلى العين التي تنظر لمستقبل يحكمه الخيال الغير مقيد بأي قيد مادي أو أسطورة متيبسة غير مرئية
غراب برأس ذئب فوق المقعد.
ونافذة مكسورة تغطيها طحالب الواقع
هنا أرض الغرفة بلا طحالب.
هنا أرض العواء والنعيق الحر
لن تنقذ موسيقى البورصة العالم حينما يظل أصم.
حقوق النشر
ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.
تم نقل هذا المقال بناء على ما جاء في الفقرتين 4-2 و4-3 من حقوق الملكية الفكرية المذكورة في شروط الأستخدام على موقع إيلاف :
- مسموح لك بنسخ أو تنزيل المقالات المنشورة على الموقع من أجل إعادة عرضها على مواقع أخرى بشرط أن تعرض تلك المقالات بنفس تنسيقها وشكلها.
- يجب وضع رابط للموقع بين عنوان المقالة والفقرة الأولى منها.
- كما يضاف البيان التالي في نهاية المقالة : ايلاف المحدودة للنشر جميع الحقوق محفوظة ايلاف المحدودة للنشر ترخص باستخدام هذه المقالة. لا يمكن إعادة نشر هذه المقالة دون التوافق مع شروط وبنود شركة ايلاف المحدودة للنشر.
منصة ري بلاتفورم الناشر الرئيس للمجلة الغرفة
مجلة الغرفة على منصة ري بلاتفورم مع عدة خيارات لتحميل العدد
فهرس العدد الأول من مجلة الغرفة
مقال جريدة العربي اللندنية عن المجلة : "الغرفة" بأول أعدادها.. السريالية مستمرة لتحرير الغيوم