المُخرجة اللبنانية جوسلين صعب (1948 - 2019) : كاميرا تُهَدْهِدُ الجسد وتُرمّم مأساة الذاكرة
تنتمي المُخرجة اللبنانية جوسلين صعب (1948 - 2019) إلى جيلٍ سينمائيّ عربيّ لن يتكرّر. بحيث أنّ أسماء من قبيل مارون بغدادي، وبرهان علوية، وجان شمعون، ورندة الشهّال، ومي المصري، قد شكلّت علامات فارقة في تاريخ السينما اللبنانية، ومنها إلى العربيّة، نظرًا إلى أهميّة أعمالهم السينمائية والوثائقية، التي برزت إلى السطح منذ سبعينيات القرن الماضي، وحرصهم الشديد في جعل العمل السينمائي، ينطلق من خصوصيات عربيّة، من دون اللجوء إلى واقع آخر، أو استعارة بعض من تقنياته في الصناعة الفنية، ما جعل هذه الأفلام بمثابة وثائق تاريخيّة بصرية عن مرحلة، ما يزال جرحها يدبّ في الجسد السياسي العربيّ، بسبب الرجّات التي طاولت البلد سياسيًا واجتماعيًا، جعلت المخرجة جوسلين صعب تترك مجال الصحافة والإعلام، وتقدّم نفسها إلى مجال الصناعة السينمائية، بقدرات مُتفرّدة ورؤى ثاقبة في معاينة الواقع السياسي، وتشريح ميكانيزماته، خلال الحرب الأهلية اللبنانية وبعدها، لذا فإنّ المُخرجة جوسلين صعب تُعدّ أكثر المخرجات العربيّات ممن تجرأن على تعرية تنانين السُلطة، ومكر السياسة، وفداحة تاريخها، ومكر وقائع جعلت البلد يدخل في حرب أهلية لم يندمل جرحها بعد. لكن قيمة جوسلين لا تقتصر فقط على الجرأة، وتعرية مكبوت المجتمعات العربيّة في مرحلة مُترهّلة اتسمت داخل الأدبيات الفكرية بـ"التقليد"، وإنما من خلال قدرتها على تجريب قوالب مُتنوّعة في توثيق مرارة الحرب وذاكرتها البشعة، وطرق موضوعاتٍ سياسية واجتماعية، انطلاقًا من قصصٍ وحكاياتٍ إنسانية، تعيش مرارة الحرب واللجوء والنفي والتهجير، بحيث أنّ استنطاق هذه الحكايات الفردية يُشكّل لدى جوسلين خطوة إجرائية أولى للولوج إلى مُتخيّل البلد وتفكيك يقينياته، رغم الأبعاد الأيديولوجية، التي تطبع أعمالها السينمائية والوثائقية، بسبب حساسية المرحلة، وسيطرة مفاهيم الماركسية واليسار الجديد (ألتوسير)...